يكاد يكون هنالك اجماع كبير لدى مختلف السياسيين والخبراء والمنشغلين بالشأن اليمني حول إمكانية حدوث واحد من أربعة سيناريوهات محتملة يمكن أن تنتهي إليها الأمور في اليمن بشكل عام، ويمكن أن ترجح كفة سيناريو على آخر ويصبح سائدا في حال إذا ما توفرت له مجموعة من الشروط الموضوعية التي ستجعل حظوظه في البروز مرتفعة جدا خلافا لبقية السيناريوهات الأخرى.
الأكيد في الأمر أن كل سيناريو مرتبط بنتائج الصراع المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط وملفاته الساخنة التي يأتي في مقدمتها مستقبل الصراع (الإيراني - الأمريكي - الإسرائيلي)، وملف الحرب في غزة وكذلك ملف القضية الفلسطينية ككل، ومستقبل العلاقة السعودية – الإيرانية، وإمكانية توقيع اتفاقية تاريخية ما بين الرياض وواشنطن، إضافة إلى ما يمكن أن تنتجه الانتخابات الرئاسية الأمريكية من فوز للحزب الديمقراطي أو للجمهوري، وهي في مجموعها "عوامل خارجية" لا نملك نحن في الجنوب أن نؤثر فيها بقدر ما يمكن أن نجهز أنفسنا لكيفية التعامل معها ومواجهة ما يمكن أن تنتجه من تداعيات سلبية أو إيجابية على قضيتنا، وفيما يلي سوف نستعرض هذه السيناريوهات الأربعة بشكل سريع مع إمكانية العودة لكل منها لاحقا في مقالات منفصلة تحمل بعض ملامحها ونتائجها بشقيها السلبي والإيجابي:
السيناريو الأول: أن يستمر الوضع على ما هو عليه حاليا فلا حرب ستحسم الوضع عسكريا، ولا سلام مستدام يمكن أن يتحقق ما بين أطراف الصراع في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة، ولا ستكون هنالك دولة مكتملة الأركان في الشمال ولا حتى في الجنوب، ولا استقرار اقتصادي يمكن تحقيقه في ظروف كهذي ولا انهيار كبير يمكن حدوثه.. بمعنى أن الوضع العام سيبقى في حالة "تأرجح" كما هو عليه حاليا، ومن المؤسف أن نتائج هذا السيناريو ستكون كارثية على مستوى المعيشة للمواطن البسيط، وعلى مستوى الخدمات التي ستتراجع أكثر مما هي عليه حاليا، ومن المحتمل إذا ما استمر هذا الحال لفترة طويلة أن ينتج مجموعة من "الكانتونات" التي ستتحكم فيها مراكز قوى، وسوف تتقاسمها سلطات النفوذ الداخلية والإقليمية وحتى الدولية.
السيناريو الثاني: أن تأخذ القوى الجنوبية وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي بزمام الأمور، وتبدأ من الآن العمل الجاد على خلق بيئة جنوبية حاضنة للمشروع الوطني الجنوبي المتمثل في استعادة الدولة، وتتمكن هذه القوى من توحيد صفوفها بالصورة المثلى التي تضمن وصول منظومة الوحدة الوطنية الجنوبية إلى أعلى مراحل تماسكها، ليكون بعدها الجنوب موحدا وقادرا على مواجهة بقية السيناريوهات المحتملة ومقاومة الخيارات التي من الممكن أن تفرض عليه فهو من ناحية سيقضي على السيناريو الأول أعلاه من خلال تبني رؤية وطنية شاملة للجنوب ستنقذ شعبه من المعاناة الدائمة، وهو سيملك المقدرة على مواجهة السيناريو الثالث والرابع، كما أنه سيتمكن من صياغة وفرض علاقة استراتيجية قوية مع قوى الشمال المنخرطة في الشرعية لمواجهة الحوثيين كخيار لا بديل عنه.
السيناريو الثالث: يتحدث هذا السيناريو عن احتمال نشوب "حرب شاملة" في المنطقة تتدخل فيها بعض الدول الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على أذرع إيران في المنطقة وعلى رأسها "جماعة الحوثيين" خاصة بعد أن "اكتشفت" واشنطن أن مقاربتها لخطورة وجود الحوثيون كانت خاطئة بنسبة 100 %، وهي مقاربة بلغت ذروة حماقتها حينما منعت دول التحالف العربي من دخول الحديدة والسيطرة عليه باعتباره المنفذ الرئيسي الذي يتنفس منه الحوثيون والذي يأتي الدعم الإيراني منه وإليه بالسلاح والخبراء والمقاتلين أيضا، ولأن واشنطن اليوم تكتوي بنيران خطأ سياستها فيمكن أن تقدم على تصحيح هذا الخطأ الجسيم من خلال عملية عسكرية واسعة، لكنها ستكون مكلفة أيضا، ويعتمد هذا السيناريو على نجاح بايدن في الانتخابات وهو احتمال ضعيف جدا، ويمكن أن يأتي بديل ديموقراطي له مع إمكانية أن يتبنى نهج المواجهة مع الحوثيين وحزب الله. إذا ما تقررت هذه الحرب سيكون الهدف منها هو اجتثاث حركة الحوثيين من جذورها والقضاء عليها تماما، أو تدمير آلتها العسكرية وفرض الحل السلمي عليها وفق المرجعيات الثلاث التي ستفرض أيضا على الجنوبيين، ولن يكون لدينا في الجنوب القدرة على مواجهة هذا السيناريو دون أن نكون قد حققنا مسبقا ما يتطلبه السيناريو الثاني.
السيناريو الرابع: أن يسلم التحالف العربي ملف النزاع في اليمن برمته إلى الأمم المتحدة، وأن يعقد اتفاقا أمنيا خاصا مع الحوثيين، وبالتالي يعتبر أن النزاع في اليمن "شأن يمني" خالص وأن لا علاقة له به، وفي هذه الحالة سيطمع الحوثي في دخول مأرب أولا والهيمنة عليها، ثم يمكن أن يتوجه بعد ذلك تباعا نحو بقية محافظات الجنوب التي لن تكون قادرة على مواجهته دون أن تكون قد حصنت نفسها دفاعيا بتبني السيناريو الثاني كما أسلفنا.