يمر جنوبنا الحبيب في مرحلة استكمال التحرر الوطني لتحقيق الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية، وقد خاض نضالا طويلا منذ العام 1994م قدم خلاله آلاف الشهداء والجرحى حتى وصل إلى هذه المرحلة، ولتحقيق هدفه هذا أمامه العديد من التحديات أهمها التقدم نحو الهدف وهو موحد في ظل مستوى معقول في الحياة المعيشية والخدمية، بحيث يوصل شعبنا إلى يوم الخلاص صحيحا معافىً ومتصالحا ومتسامحا وخاليا من أمراض الماضي، قادر على الدفاع عن الاستقلال وعلى استعادة وبناء الدولة الجنوبية الفيدرالية كاملة السيادة على أرض الجنوب بحدود ما قبل 1990م، وهذا التحدي يضعنا أمام الممكن القيام به وأمام إشكالية التداخل في مهمة النضال لاستعادة الدولة ومهمة النضال لتحقيق المستوى المعيشي والخدمي والسلم الاجتماعي المقبول.

اليوم نحن أمام واقع ما منه بد فنحن في إطار التحالف العربي وأمام التزامات للمجتمع الدولي والاقليمي وفي إطار حكومة المناصفة المعترف بها دوليا وماضون لكي نحقق هدفنا في استكمال التحرر الوطني من خلال العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفي تحقيق مستوى معقول في الحياة المعيشية الخدمية والسلم الاجتماعي من خلال حكومة المناصفة المعترف بها دوليا، هكذا نتحرك اليوم لكن هل هذا الطريق وهذه الآليات ستحقق لنا ما نصبوا إليه؟

هذا السؤال المهم الذي يفرض نفسه علينا والإجابة عليه تضعنا أمام عدة خيارات وعدة سيناريوهات.. في الحقيقة مضت عدة سنوات ونحن في هذه الطريق ورغم أننا حققنا شرعية لتحركنا السياسي محليا وإقليميا ودوليا وأصبحنا جزءًا من إدارة الموارد وحققنا وئاما مع المجتمع الإقليمي والدولي إلا أن ما تحقق في طريق العملية السياسية وما يخطط له في خارطة الطريق ليس في مستوى ما نطمح إليه وكذلك الحال في مستوى الحياة المعيشية والخدمية، هذا الواقع يجعلنا أمام مسؤولية تاريخية ترتقي إلى مستوى تضحيات وتطلعات شعب الجنوب وأمامنا عدة خيارات تفرز عدة سيناريوهات.

الخيار الأول الاستمرار في المضي في حكومة المناصفة وفي العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وهذا الخيار قد أفرز سيناريو عدم تحقيق تحسن في الوصع المعيشي والخدمي طالما نحن متمسكون بأننا من خلال العملية السياسية نحقق تطلعات شعبنا، ووجدنا أنفسنا أمام هذا السيناريو الذي يخيرنا بين المضي بخيارنا في العملية السياسية المتمثل باستعادة دولتنا في ظل عرقلة الإطار التفاوضي الخاص بقضية شعب الجنوب المقر في مشاورات الرياض بمقر مجلس تعاون دول الخليج العربي في أبريل 2022م، ومع عدم وضع قضية شعب الجنوب في خارطة الطريق في موقعها الصحيح يقابله تدهور في الحياة المعيشية والخدمية، أو يمكن تحسين الحياة المعيشية والخدمية مقابل التنازل عن هدف شعبنا في استعادة دولته، ولا يمكن تحقيق هدف شعبنا في استعادة دولته وتحسين الخدمات المعيشية والخدمية في آن واحد.

فهل نستمر في هذا الخيار ونبتدع أساليب وآليات تحقق ما نريد ونحسن أداء عملنا؟ أو نمضي بوضعنا الحالي أو نعمل لهذا الخيار رديفا آخر ونوجد آلية ضغط أخرى لا تقيدها التزامات وصعنا الحالي وتعتمد على الإرادة الشعبية وتحريك الشارع والمقاومة.

الخيار الثاني نذهب منفردين لفرض أمر واقع سياسي وإداري ومالي، وهذا الخيار يجعلنا أمام حالة صراع علني مع المجتمع الإقليمي والدولي والحكومة اليمنية المعترف لها دوليا، إضافة إلى صراعنا مع الحوثي والأحزاب اليمنية.

وهنا يبرز سؤال هل هذا الطريق مضمون لتحقيق تطلعاتنا السياسية وتحسين مستوى المعيشة والخدمات والسلم الاجتماعي؟

في الحقيقة وكما أراه أن الصراع لا مفر منه أكان من خلال الخيار الأول أو الثاني والفرق بينهما التوقيت وقوى الصراع المعادي لنا.

فإذا مضينا في الخيار الأول فإننا نصل إلى لحظة نقول لا، ويبدأ الصراع الذي ممكن أن يكون اليوم لو اخترنا الخيار الثاني، فالصراع في ظل الخيار الأول سيكون مع القوى اليمنية التي تكون قد حسمت أمرها وتوحدت في إطار دولتهم اليمنية ويشتد عند خروج التحالف العربي من اليمن واعتبار المجتمع الدولي للأزمة اليمنية قد انتهت، وأن هذا صراع جديد، وإذا تفجر الصراع اليوم فإنه سيكون في ظل عدم اكتمال توافق اليمنيين ومازال التحالف العربي فاعلا في اليمن ومازال المجتمع الدولي راعيًا، فأيهما أفضل اليوم وفق الخيار الثاني أو غدا وفق الخيار الأول؟

إذا أعلن الانتقالي اليوم أي خطوة لفرض أمر واقع فإن ذلك يعني فض الشراكة والدخول في صراع مع اليمنيين، وصحيح أن وضعهم الحالي مازال مفككا لكنهم سيتخذون ضد الجنوب وسنكون في مواجهة مع المجتمع الإقليم (التحالف) والمجتمع الدولي (مجلس الأمن) ودول عظمى وقد يتمكنوا بعدها من صنع ممثل للجنوب بديل للانتقالي أو تشتيت التمثيل الجنوبي ويفقد الانتقالي كل ما حققه منذ اتفاق الرياض ويتهم بأنه مليشيات متمردة.

الأفضل هو الذهاب في الخيار الأول ويكون في الاعتبار أن المشاركة تكتيكية أكثر مما هي لتحقيق تطلعات شعب الجنوب بشرط أن يتمكن الانتقالي من أن يكون هو ممثل شعب الجنوب ويعترف الشماليون والتحالف والمجتمع الدولي به كممثل لشعب الجنوب، بحيث يقطع الطريق على محاولات لصنع ممثل آخر للجنوب أو تشتيت التمثيل الجنوبي ويرفض بعد ذلك أي حلول تنتقص من تطلعات شعب الجنوب، ويكون جاهزا لاستكمال تحرير أرضه وإغلاق الحدود وإدارة ذاته وكان معترفًا به بأنه ممثل الجنوب وكان الطرف الرئيس في العملية السياسية، لكن عندما فرضت عليه حلول غير مرضية لشعبه رفضها أما إذا تمكن من تحقيق تطلعات الشعب ولو في حدودها الدنيا فهذا هو المطلوب.