> تقرير/ وهيب الحاجب:
- هل حاول يسران المقطري قيادة انقلاب عسكري في عدن؟
- مخاوف من تفكيك البنية الأمنية وإعادة تنشيط خلايا القاعدة وداعش
- لماذا عشال؟
"لماذا عشال ؟ وماذا بعد عشال؟ وكيف يمكن لسلطات عدن أن تتعاملَ وتدير الأزمة؟.. خلف هذه الأسئلة تتوارى الحقيقةُ كاملة، وبين تفاصيلها تختفي مجموعةٌ من الفرضيات والتكهنات التي تتطلبُ من سلطات عدن العسكرية والأمنية والسياسية عملا منهجيا، أمنيًا واستخباراتيا وعسكريا وسياسيا، بعيدا عن الغوغائية والعشوائية والتخبط والتردد؛ لإثبات تلك الفرضيات كحقائقَ والتعامل مع نتائجها منهجيا وفي حدود القانون وضمان حق الجنوبي الآخر في الشراكة. أو بنفيها (أي الفرضيات) والتثبت من أن الجريمة واقعة جنائية عرضية لا ترتبط بأي مخططات تخريبية ولا بأي دوافع سياسية، وبالتالي القيام بدورها تجاه ذوي الضحية وتجاه الرأي العام في تتبّع خيوط الجريمة وكشف مصير الرجل وملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة أيا كانت صفاتهم ومناصبهم وهوياتهم.
- أين عشال؟
- الاحتمال الأول:
- الاحتمال الثاني:
وقبل الحديث عن تفاصيل المخطط وأبعاده وحدوده لا بد من البحث في هوية الجهات صاحبة المصلحة في إبعاد الانتقالي الجنوبي من واجهة السيطرة في عدن والجنوب، ومن هي الجهات ذات المطامع المتكررة والمحاولات الدائمة لغزو عدن وهزيمة القوات الجنوبية أو تفكيكها، ولا بد من معرفة الجهات المناوئة للانتقالي والرافضة لمشروع استعادة دولة الجنوب سواء كانت شمالية متمسكة بالوحدة وحالمة بإعادة السطوة والهيمنة للاستئثار بالثروة، أو جنوبية نكاية بالانتقالي الذي ترى فيه تكريسا للسطوة المناطقية وإقصاءً لأطراف جنوبية أخرى، وفقا لمشاريع تلك القوى التي تقولها صراحة.
من هنا يتضح أن للانتقالي وللمشروع الجنوبي خصومًا منهم أصحاب خصومة تاريخية تمتد منذ حرب اجتياح الجنوب في العام 94م حتى اللحظة، ومنهم خصوم جدد، وهم الجنوبيون الذين، صنع منهم الانتقالي خصوما ومعارضين بسبب بعض سياساته وتجاوزاته وإدارته للمشهد في عدن، ويمكن إجمال الخصوم جميعا في الآتي:
أولا: قوى النفوذ السياسي والقبلي الشمالي الحالمة بإعادة احتلال الجنوب، ومنهم بقايا نظام صالح والأحزاب اليمنية اليسارية.
ثانيا: حزب الإصلاح اليمني، كتنظيم سياسي وكجماعة إسلام سياسي مرتبطة بأجندات خارجية، وصاحبة تاريخ دموي في الجنوب، والتي تلقت لاحقا هزيمة واجتثاثا وإذلالا سياسيا على يد الانتقالي والقوات الجنوبية.
ثالثا: جماعة الحوثي التي دفنت القواتُ الجنوبية أحلامها التوسعية في رمال جعولة وكسر الجنوبيون شوكة مشروعها في كل وادٍ وجبل على أرض الجنوب، فعادت تجر أذيال الخيبة، ولاتزال حتى اللحظة تعمل للمقاتل الجنوبي ألف حساب.
رابعا: شخصيات جنوبية وقيادات عسكرية وأطراف محدودة لاتزال تشعر بالهزيمة بعد أن تم استبعادها من المشهد على خلفية المواجهات العسكرية التي شهدتها كل من عدن وأبين خلال العامين 2018، 2019م.
خامسا: شخصيات وأطراف جنوبية، لاسيما من المحسوبين على عدن وأبين، ممن تعاني عقدة المناطقية وحساسية التمييز، فاقم من حساسيتها وشعورها بالدونية والإقصاء تزايد النفوذ داخل القوات الجنوبية ودوائر الانتقالي لصالح مناطق "المثلث" على حساب المناطق الأخرى وعلى حساب الكادر المؤهل.
سادسا: التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي أخمدتها القوات الجنوبية في عدن وأعلنت عليها حرب واسعة منذ العام 2015م ومستمرة في ملاحقتها حتى اللحظة إلى أوكارها في جبال أبين، لكنها لاتزال موجودة كخلايا نائمة داخل العاصمة عدن، وتحشد معسكراتها وتستعيد قواها في أبين.
سابعا: خصومات قديمة وأفكار عتيقة لدى بعض دول الجوار التي عاداها نظام الحزب الاشتراكي إبان دولة الجنوب وهدد أمنها القومي وسيادتها في سبعينيات القرن الماضي، وتنظر اليوم، بعين الريبة، إلى أن استعادة دولة الجنوب قد يعيد معه شيئا من تلك المواقف والتوجهات.
إذن.. بالعودة إلى الاحتمال الثاني لمصير عشال وتفاصيل المخطط المرتبط به فيمكن البناء على العلاقة بين طبيعة الأهداف المتشابكة والمصالح المشتركة بين خصوم الانتقالي السبعة وبين ما يمكن أن يترتب على قضية عشال من تداعيات ونتائج داخل عدن أو ما يُراد لها من تداعيات وردود قبلية ورأي عام وتحرك مجتمعي؛ وبالتالي نجد أن الجهة المخططة اختارت بعناية أن يكون الضحية من أبين وتعمّدت بخبث أن تكون الجريمة بشعة وأن تكون تصفية الرجل تمت بطريقة أكثر بشاعة مع مراعاة أهمية التلاعب بمشاعر قبائل الضحية وتعمد استفزازهم وإثارتهم بإخفاء معالم الجريمة وتأخير الكشف عن مصيره لأكبر فترة ممكنة أو تقنص الوقت المناسب وفقا لحركة الشارع ووفقا لمواقف قبائل الضحية، وكل ذلك لأهداف مدروسة، منها:
1 - محاولات لإشعال صراعات جهوية بين مناطق أبين والمثلث، وهذا هو الوتر الذي تدق عليه دوما القوى الشمالية داخل الشرعية اليمنية.
2 - إعطاء فرصة ومبرر لتلك الشخصيات الجنوبية المناوئة للانتقالي والتي تهدد دوما، من الخارج، باجتياح عدن.. إعطائها مبرر للعودة إلى المشهد معتمدة على إثارة الشارع مناطقيا والركون إلى هذا الوضع بركب موجة الحركة الشعبية كقوة تقودهم إلى أهدافهم بعد أن فقدوا ثقلهم السياسي وخسروا مكانتهم الاجتماعية جراء مواقفهم في مواجهات العامين 2018 - 2019 التي كُسرت فيها جيوش الشرعية داخل عدن وعلى أبواب المدينة.
3 - محاولات لإثارة الشارع في عدن ضد الانتقالي وإسقاطه شعبيا بدعم وتمويل احتجاجات موجهة وممنهجة ستُستغل لاحقا باعتبارها سحبا للتفويض الشعبي، ثم توظيف هذه المواقف والأحداث ضد الانتقالي عند أي مفاوضات أممية للحل السياسي في اليمن ولا سيما فيما يتعلق بمسألة تمثيل قضية الجنوب.
4 - العمل على إذكاء صراعات ومصادمات بينية داخل الوحدات الأمنية والعسكرية الجنوبية وتفكيكها واستهدافها بعمليات إرهابية، والسعي لتوسيع هامش عدم الثقة بينها.
5 - التخطيط لإثارة فوضى أمنية وإشغال أجهزة الأمن والجيش، في مسعى لإعادة تنشيط الخلايا النائمة للتنظيمات الإرهابية، التي أثبتت التحقيقات أنها لاتزال هامدة في عدن كالنار تحت الرماد تنتظر أي اختلالات أمنية أو فرص من هذا النوع لتعيد لملمة قواها ونشاطها بالتعاون مع معسكرات متطرفة في محافظات مجاورة لإعادة الانتشار والسيطرة في عدن، أو تمارس نشاطها في تنفيذ عمليات إرهابية داخل العاصمة.
وبالتالي، فإن مصير عشال، وفقا لهذه الفرضية الثانية، هو التصفية بطريقة بشعة جدا، سبقها تعذيب وتشويه وربما بتر أطرف لإخراج الجثمان لاحقا أو جزء منه بصورة يرى المخطط والمنفذ أنها ستكون شرارة لفتنة مناطقية وأعمال انتقامية وخطوة على طريق تفكيك النسيج المجتمعي الجنوبي، وهو هدف فشل العدو سابقا في تحقيقه من خلال تغذية الخلافات السياسية ليعود له الآن مجددا من بوابة إذكاء روح الانتقام وزع الأحقاد.
- الاحتمال الثالث:
- هل خطط يسران لانقلاب عسكري؟
يسران لم يكن يمتلك قوه كافية قادرة على تغيير أي واقع في عدن أو الصمود حتى لساعتين فقط وإلا لكان قام بانقلاب عسكري وسيلاقي دعما ومساندة من أطرف متربصة تراقب الوضع داخل عدن باهتمام بالغ. لهذا فالانقلاب الذي فشل به قائد وحدة مكافحة الإرهاب بعدن من الأرجح أن ينجح به غيره من القيادات العسكرية ومن أبناء المثلث الذين منحهم الانتقالي مواقع أكبر من أحجامهم وأكبر من قدراتهم ومؤهلاتهم وغض الطرف عن ممارساتهم المناطقية في استغلال مناصبهم وتسخير قواتهم لإذلال خصومهم وحماية مصالحهم الشخصية دون رقيب ولا حسيب.
- تساؤلات مشروعة
أطلق سراح النورجي باتصال من يسران المقطري إلى إدارة الأمن والبحث؟ فما علاقة يسران كقائد وحدة مكافحة الإرهاب بإطلاق سراح متهم بقضية لدى الأمن العام؟ وما سر اهتمام يسران ومتابعته شخصيا للإفراج عن سميح؟ وكيف لأمن عدن والبحث الجنائي التعاطي مع توجيهات يسران وطلباته؟ وتحت أي مبرر؟ ووفقا لأي قانون؟
هل كان تدخل يسران كضمين؟ فأين شروط الضمانة إذن؟ وهل القضية قابلة للضمانة قانونا؟ ولماذا في الأخير غادر الضامن ونائبه إلى الخارج؟ وكيف ضاع المضمون داخل عدن ولم تجد له السلطات الأمنية وتحرياتها أي أثر؟
جهاز مكافحة الإرهاب الذي يقوده اللواء شلال علي شائع والمسؤول عن وحدة المكافحة بعدن لايزال يلتزم الصمت حتى اللحظة.. هل هناك تحفظ معين وراء هذا الصمت؟ هل كان شلال على دراية بتحركات يسران وعملياته التي ينفذها داخل عدن أم أن شلال أُعطى يسران صلاحيات تناسى معها الأخير قائده وسخّرها لغير مكافحة الإرهاب؟ فإين شلال إذن؟ وما موقفه؟
في موضوع الإنتربول وملاحقة المتهمين عبر الشرطة الدولية.. إدارة أمن عدن واللجنة الأمنية العليا خاطبتا مباشرة شعبة الاتصال والتعاون الدولي والشرطة الجنائية مكتب اليمن.. المكتب (الداخلية) لم يتعامل مع خطاب الأمن واللجنة الأمنية، بل راح يصرح للصحافة بأنه لم يتلق أي أوامر قضائية بهذا الشأن، ويبدو أن المكتب حرر مذكرة إلى النائب العام يطلب فيها إصدار أوامر قبض والرفع ببيانات المطلوبين، وعليه أصدر النائب أوامر القبض ورفع لمكتب الانتربول بالداخلية البيانات المطلوبة.. هل كان خطاب اللجنة الأمنية للإنتربول مباشرة خطأ أم غير قانوني أم تجاوز؟ وهل فعلا يجهل رجال الأمن بعدن برتوكولات التعامل وإجراءات القانون عند التعامل في مثل هذه القضايا؟ هل هناك تعمد من الداخلية لتأخير الملاحقة الدولية أو عرقلتها؟ وهل هناك قطيعة بين الداخلية وأمن عدن واللجنة الأمنية؟.
- خاتمة
قضية عشال بكل أبعادها وخفاياها لم تعد قضية ذوي المجني عليه ولا قضيه قبيلته ولا قضية أبين بقدر ما هي قضية شعب الجنوب من المهرة إلى باب المندب، ويفترض أن تكون أيضا قضية الأمن والجيش بعدن ليكونا في صف المطلب الشعبي، لذلك لا بد ولا مناص ولا مهرب للسلطات في عدن إلا إلى مواجهة الواقع بمسؤولية وعقلانية والتزام القانون ومكاشفة الرأي العام؛ وذلك من خلال:
> احترام مشاعر ذوي المجني عليه والعمل على التواصل معهم والاستماع لهم بشكل دائم حتى كشف مصير عشال.
> العمل بشكل جدي لملاحقة الجناة الفارين وتقديمهم للعدالة أيا كانت صفاتهم وانتماءاتهم، مع الاستمرار بالتحري والمتابعة والتحقيق للتوصل إلى مزيد من الخيوط، فالقضية شائكة ومن غير المستبعد أن يكون هناك متورطون آخرون أو متواطئون لم يظهروا بعد.
> احترام أي احتجاجات أو تحركات شعبية مطالبة بالكشف عن مصير الضحية أو الكشف عن الجناة، والعمل على تنظيم مثل تلك الاحتجاجات، مع رفع الجاهزية الأمنية وتكثيف عمل التحريات لقطع أي تحركات مشبوهة تحاول تجيير حركة المواطنين ومطالبهم نحو أهداف تخريبية أو مآرب سياسية.
ختاما.. لم يبقَ إلا أن نقول: أين عشال؟.