ما أشبه الليلة بالبارحة. وما أمضى طعنات الغادرين.

أعادت مشاهد حرائق عدن الملتهبة قبل أسبوع إلى ذاكرتي تلك المشاهد المفزعة لحريق القاهرة الأكبر عشية نتائج الانتخابات المصرية الأولى عقب ثورة يناير المطالبة (بإسقاط النظام).

امتدت الحرائق وقتها لتلتهم القاهرة بما فيها المجمع العلمي (الثمين) بما يحويه من كتب ومخطوطات عربية إسلامية نادرة جدًّا.. مثلما طال الحريق (مكتبة) المنصورة.

وما بين المطالبة بإسقاط النظام وعودته حرائق لا تسر الناظرين إلا من كان عدوًا لله والإنسانية ومقارنات تدعو للتأمل وأخذ العبر.

لذلك إذا رأيت الحرائق مشتعلة في مكان ما أعلم أن الأمور قد وصلت لذروة الانفجار على المستويات السياسية، ولن تمر بمجرد التغافل عنها وتجاهلها.

لم تكن عدن حينها تهتف مع من هتف، من المدن اليمنية أو العربية والمطالبة (حمقا) بإسقاط النظام، لأنها تعرف معنى إسقاط النظام وضياع دولته، وفقدان هيبته، واكتفت عدن بموقف المتفرج إلى حين انقشاع ضباب المرحلة، أو هكذا ظنت على الأقل.

لم تأخذ عدن بعد أنفاسها من كل تلك المشاهد المتسارعة، حتى قامت قيامة الحرب وأتاها من الشمال مرة أخرى من يريد أن يقتلع النظام من جذوره!

لقد أراد الحوثي ومن خلفه إيران طمس ما لم يستطع الإنجليز والبرتغاليون والأتراك والأخوة والأعداء عمومًا طمسه، لقد حاول زلزلة أكثر قواعد النظام رسوخًا في الجنوب، وآخرها بقاءً، وهو المذهب السني، لكنه وبمعية الله لم يستطع، وثبتنا جميعًا بحمد الله.

مرت السنوات الأولى بعد حرب (محاولة إسقاط النظام) بتوجس، فعدن لم تفق بعد من كل تلك الأحداث الخاطفة، ظننا جميعا أنها مجرد حالة ما بعد الحرب، وماهي إلا شهور وسنمضي نحو الاستقرار والبناء مرة أخرى، بل وشطح بعضنا بأحلامه حين توقع إقامة دولة النظام والقانون من جديد، فلربما نكون قد اقتربنا من بناء مدينتنا الفاضلة في عدن.

لكن هي دولة الأيام، فلم يتوقع أحد أن ترسو سفينتنا عند شاطئ العشوائية واللا دولة مرةً أخرى، أو لعلنا لم ندرك أن حسن النوايا وحده غير كافٍ لمواجهة كل تلك الضلالات البدعية، وطنيًّا واقتصاديًّا وحتى أخلاقيًّا.

لقد نخر اللا نظام في القواعد من بيت النظام نخرًا موجعًا، حتى أتى على آخر ما يملكه المواطن وهو لقمة عيشه، حين انتزع مجموعة من الفسدة من هذا الشعب المكلوم كل شيء. وأسسوا لاقتصاد ظل أسود قاتما، جعلوا من أنفسهم فيه قادة وتجار ومحاربون وحكومة ومنتفعون باسم الوطن كاملا أو ذو شطرين.

حين فُتحت خزنة الوطن أمام ناظريهم لم يتمالكوا أنفسهم وانقضوا عليه سلبًا ونهبًا وبيعًا دون شراء، وجعلوه نصبًا ليس للعبادة بل لبيعه في مزاد علني، وكان الثمن غاليًا.

لقد باعوه مقابل عذابات الشعب وإفقاره وتجويعه. وتناحره على لقمة باتت هي أسمى مطالبه، عندما سقط كل شيء، بل وسقط النظام.

وها نحن اليوم بعد عشر سنين من اللانظام، وامتداد حرائق العشوائية ليعلو وميضها مرعبًا في السماء، أدركنا ألا مناص من إقامة النظام.

إن عشر سنين في ظل اللانظام كافية لاستخلاص العبر والدروس من العيش هكذا بدون أي استراتيجية للاستقرار والنظام لقد حان الوقت لسماع صرخات الشعب المخفية المطالبة بإقامة النظام.

الشعب في الجنوب يريد إقامة النظام والقانون والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، الشعب يريد إقامة دولة الحق ولو كان على رأسها من كان، والشعب يريد إسقاط الظلم والعشوائية واللادولة، من كان يظن أن الأمور ستسير بنظام على قاعدة الخراب فقد أخطأ فكفة الظلم قد رجحت للأسف.

الشعب في الجنوب يريد إقامة النظام، والقانون والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.