> صالح لجوري:
التحالف والمجلس الرئاسي في مواجهة اختبار إنساني.. جنوب البيضاء ينزف


ولم تفرق الجماعة في استهدافها، سواء كانوا مشايخ، قبائل، مقاومين، سكان مدنيين، عمال بسطاء أو حتى مهمشين، فالهدف هو واحد: الانتقام والاستعباد والاستحواذ على مقدرات المجتمع. كل ذلك يتم بأساليب إجرامية مكشوفة، كما يتحدث السكان، ويشهد الواقع في جنوب محافظة البيضاء.


بحسب مصادر محلية ونشطاء في مقاومة آل حميقان، ورجال المقاومة في المناطق الحدودية لمديرية الحد، بلغ عدد الضحايا حتى كتابة هذا التقرير نحو 121 ضحية، بين قتيل وجريح ومصاب بإعاقات دائمة، جراء انفجار الألغام والعبوات الناسفة والمقذوفات النارية التي زرعتها جماعة الحوثي في مناطق آل حميقان والمناطق المجاورة لها، خصوصًا في حدود مديرية الحد. معظم الضحايا كانوا من الأطفال، كبار السن، النساء، ورعاة الأغنام، بالإضافة إلى آخرين سقطوا نتيجة القذائف المباشرة والطيران المسيّر الذي تستخدمه جماعة الحوثي.

وخلال زيارة لمراسل "الأيام" إلى المناطق الحدودية نهاية الأسبوع الماضي، تحدث عدد من الفتية من سكان مناطق آل حميقان الحدودية مع يافع، وأكدوا أنهم عثروا على مقذوف ناري لم ينفجر بجوار بئر مياه للشرب. ولتأكيد ذلك للمراسل، أحضر الفتية المقذوف المذكور، الذي تم تفجيره لاحقًا من قبل أحد الأفراد العسكريين في المنطقة الحدودية. ومع ذلك، امتنع الشباب عن التصوير خوفًا من بطش جماعة الحوثي، كونهم يسكنون في مناطق تقع تحت سيطرتها.
وأضاف الأهالي أن مناطق جنوب البيضاء تعيش في ظل حصار خانق من جميع الجهات، ما يزيد من معاناتهم ويحول دون وصول أي نوع من المساعدات الإنسانية أو الخدمات الطبية. وتأتي هذه النداءات الإنسانية في ظل تجاهل مستمر للأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان، ما يضع حياتهم في خطر دائم.
> في تمادٍ صارخ واستهتار أحمق، تواصل جماعة الحوثي ذات السلالة الكهنوتية ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وانتهاكاتها الإجرامية لكل مقومات الإنسان. كما تصب جام حقدها وانتقامها ضد السكان المدنيين جنوب محافظة البيضاء، من خلال ارتكاب جرائم القتل وإزهاق أرواح الأبرياء أمام مرأى ومسمع العالم، في سبيل تحقيق رغباتها الشيطانية في استعباد الناس والاستحواذ على ممتلكاتهم. كما تسعى جاهدة لتنفيذ مخططاتها في السيطرة الكاملة على محافظة البيضاء عقائديًا وفكريًا.
"الأيام" تواصلت بأحد قيادات مقاومة آل حميقان للتحقق من صحة الانفجار الذي وقع أمس الأول السبت في أحد الوديان بالقرب من منطقة الحبج، وأكد القيادي صحة الخبر، وأفاد بعدم وقوع أضرار مادية أو بشرية. كما أرسل إليّ كشفًا بأسماء ضحايا سقطوا في انفجارات الألغام خلال الأعوام السابقة، والذي أرسله إليكم للتصرف بعد أن قدمت لكم التقرير السابق. ووفقًا للكشف، فقد تعرض 27 مواطنًا من أبناء آل حميقان للقتل أو الإصابة جراء انفجارات الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها جماعة الحوثي في مناطقهم، بالإضافة إلى المقذوفات النارية التي تركتها الجماعة في الوديان والمزارع. هذه المتفجرات تواصل حصد الأرواح يوميًا، وتتنوع ضحاياها بين أطفال، نساء، وكبار سن.

ورغم سيطرتها العسكرية المطبقة، إلا أن السيطرة العسكرية لا تعني أن الجماعة في مأمن، رغم استخدام وسائل القمع والتنكيل والإجرام ضد السكان. فجماعة الحوثي تسعى بجهود حثيثة إلى تركيع السكان وإجبارهم على الاستسلام للفكر العقائدي المتخلف الذي تنتهجه، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب. غير أن المليشيات الحوثية تدرك أن هذا لن يتحقق في المدى القريب، خصوصاً في ظل وجود قبائل جنوب البيضاء، لا سيما قبائل آل حميقان، المعروفة بمقاومتها وصمودها أمام محاولات الإخضاع.
لهذا لجأت جماعة الحوثي إلى استخدام عدد من الوسائل الإجرامية، كان أولها ضرب النسيج الاجتماعي من خلال تأجيج الثارات والنزاعات القبلية وتجييش جماعات ضد بعضها تحت ستار الدولة. وبلغ بها الاستخفاف بالقيم الدينية والأخلاقية والأعراف اليمنية إلى حد الاستهتار بالرموز القبلية والوجاهات، واستبدال الشخصيات المؤثرة والمناوئة لها بأخرى من أرباب السوابق والمنبوذين في المجتمع. هذا الأسلوب يهدف إلى خلق صراع داخلي يمكّن الجماعة من التوغل في عمق القبائل المحافظة السنية، وتغيير ديموغرافيتها، وعقيدتها، وهويتها الدينية، وعاداتها وتقاليدها.
ولأن الصراع مستمر والقبائل لا تزال تقاوم أفكار الجماعة وأيديولوجياتها المنحرفة، يبدو أن جماعة الحوثي لم تعد قادرة على الانتظار والاعتماد على أساليب "التقية" التي كانت تستخدمها لخداع واستدراج القبائل. فبدأت مرحلة جديدة من العنف والإجرام المفرط ضد السكان، عبر ارتكاب جرائم متعددة مثل زرع الألغام والعبوات الناسفة في الوديان والطرقات ومراعي الأغنام، وحتى في أماكن قريبة من منازل المواطنين. كما تترك مخلفات القذائف التالفة عمدًا، خاصة في ممرات الأطفال، ما أدى إلى وقوع العديد من الضحايا، خصوصًا من النساء والأطفال والشيوخ الآمنين.

الزميل لجوري يتفحص مقذوف ناري بعد تفجيرة
- ضحايا الألغام والمتفجرات وانتهاكات صارخة
في منطقة الحبج، الواقعة وسط مناطق آل حميقان، والتي تبعد عدة كيلومترات عن خطوط التماس مع جبهة يافع الجنوبية، تعاني من أكثر الأضرار الناتجة عن الألغام والعبوات الناسفة. فقد كشفت مصادر قبلية عن سقوط عدد من الضحايا خلال الأسابيع والأشهر الماضية، معظمهم من الأطفال وكبار السن، جراء انفجار الألغام والمقذوفات النارية التي خلفتها جماعة الحوثي. من بين هؤلاء الضحايا الطفل عبدالهادي عبدالرحمن عبدالله عبدالرحيم الحميقاني، البالغ من العمر 12 عامًا، الذي استشهد نتيجة انفجار قذيفة نارية لم تنفجر من مخلفات جماعة الحوثي. كان عبدالهادي وحيد أسرته، ويجمع الحديد والمعلبات لبيعها في محلات الخردة لتوفير لقمة العيش لأسرته، وبفقدانه أصبحت الأسرة بلا عائل.
وفي حادثة أخرى، استشهد المواطن سالم العبد علي عبدالله الحبجي بعد انفجار لغم أرضي زرعته جماعة الحوثي في منطقة الحبج دون علم الأهالي. تعمدت الجماعة التكتم على الحادثة ومنع وسائل الإعلام من نشر أو الإبلاغ عن الانتهاكات التي تحدث في مناطق الحبج آل حميقان. ووفقًا للأهالي، قامت جماعة الحوثي بتهديد المواطنين عبر مكبرات الصوت بالويل والثبور لمن يدلي بمعلومات أو ينشر خبر الانفجار، معتبرة ذلك من "أسرار الدولة" المزعومة.

سالم العبد عبدالله علي أحد ضحايا الألغام
وتؤكد المصادر أن هناك العديد من الضحايا الذين يسقطون يوميًا بين قتيل وجريح، إضافة إلى حالات الإعاقة المستدامة، إلا أنه لم يتم تسجيل أسمائهم. وتعمد الجماعة إلى التكتم على أخبار الضحايا، خصوصاً في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية ووسائل الإعلام، مستغلة جهل السكان وخوفهم من بطش المليشيات. وفي حالات أخرى، تسارع جماعة الحوثي إلى التكتم على الأخبار ومراضاة أقارب الضحايا، بل وتهديدهم، مجبرة إياهم على الصمت وعدم الحديث علنًا عن الحوادث، والاكتفاء بالقول إن "الحادثة قضاء وقدر".

مسن من الحبج يدعى ناصر حسين مسهر الحبجي قتل بانفجار لغم
- مقذوفات نارية جوار آبار مياه الشرب
شهود عيان من أهالي مناطق آل حميقان في جنوب البيضاء أكدوا أن شعاب ووديان وقُرى المنطقة المأهولة بالسكان مليئة بالألغام التي زرعتها جماعة الحوثي، بالإضافة إلى مقذوفات نارية تُركت عمدًا في الوديان والمزارع. هذه المتفجرات غير المعروفة مواقعها بدقة تواصل حصد أرواح الأبرياء يوميًا، دون أن يلتفت أحد إلى حجم الكارثة الإنسانية التي تواجهها هذه المناطق المنكوبة. إلى جانب ذلك، تسببت قذائف المدفعية التي لم تنفجر أثناء إطلاقها في مقتل العديد من الأطفال الذين يلتقطونها، دون معرفة خطورتها، لتتحول إلى قنابل موقوتة تفجر المزيد من الأرواح البريئة في الشعاب والوديان.

أطفال في الحبج يحملوا امتعه لذويهم في الجبهة
- نداء إنساني
وجّه مواطنون في مديريات ومناطق جنوب محافظة البيضاء نداءً إنسانيًا واستغاثة عاجلة إلى قوات التحالف العربي والمجلس الرئاسي اليمني، وإلى المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية والمحلية، وكل الجهات المعنية، للتدخل الفوري لوقف جرائم جماعة الحوثي في تلك المناطق. وطالب السكان بضرورة نزع الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها الجماعة، والتي تحصد أرواح الأبرياء يوميًا، وتشكل تهديدًا مستمرًا على حياتهم.
وأشار المواطنون إلى أن مناطق جنوب البيضاء تعاني من أوضاع إنسانية كارثية، حيث يفتقد السكان لأبسط مقومات الحياة الكريمة. تعاني المنطقة من الفقر المدقع، وعدم توفر أي نوع من الإغاثة الإنسانية. كما تعاني من غياب المستشفيات والمرافق الطبية، مع نقص حاد في الأدوية وغياب سيارات الإسعاف. مما يؤدي إلى وفاة العديد من الجرحى أمام أعين أهاليهم، بسبب عدم قدرتهم على إسعافهم.