> «الأيام» إندبندنت عربية:

مع تصاعد أصوات التهديد بالرد والرد المضاد بين إسرائيل وإيران تزداد معها التخوفات من حدوث السيناريو الأسوأ وهو استهداف المواقع النووية الإيرانية، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية محققة تؤثر في الإقليم بأكمله وبخاصة دول الخليج العربي، بحسب ما أكد متخصصون لـ "إندبندنت عربية".

وترى بعض الدوائر في إسرائيل أن الوضع الحالي في المنطقة يمنحها وقتاً مثالياً للإجهاز على البرنامج النووي الإيراني، الذي ترى فيه تهديداً لم ينقطع طوال العقود الماضية، إذ كتب رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت على منصة "إكس"، "علينا أن نتحرك (الآن) لتدمير البرنامج النووي الإيراني ومرافق الطاقة المركزية، وشل هذا النظام الإرهابي نهائياً".

كذلك يؤيد كثير من حلفاء إسرائيل في واشنطن تلك الخطوة المحتملة وعلى رأسهم الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترمب، الذي صرح بأن على تل أبيب "استهداف المنشآت النووية أولاً والاهتمام بالباقي لاحقاً".

وفي المقابل، أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الأسبوع الماضي أنه تم تأمين المنشآت النووية ضد أية هجمات.
  • توزيع المنشآت النووية
وتتوزع المنشآت النووية الإيرانية على مواقع متفرقة من البلاد وتنقسم إلى مراكز للبحث ومفاعلات ومواقع لتخصيب اليورانيوم وهو برنامج لتوليد الطاقة وفق المعطيات الرسمية، إذ لا تعترف طهران بأية أغراض عسكرية لأنشطتها النووية.

خريطة المنشآت النووية الإيرانية تشمل أول محطة نووية في بوشهر على الخليج العربي، التي مثلت مهد البرنامج النووي الذي انطلق عام 1974 بدعم ألماني، قبل أن يتعطل لاحقاً بفعل سقوط الشاه عام 1979 ودخول الحرب مع العراق، ثم عاد المشروع بالتعاون مع روسيا في التسعينيات من القرن الماضي، ومنذ 2013م يعمل مفاعل بوشهر بكامل طاقته حسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويولد 700 ميجاواط من الكهرباء.

أما مفاعل خونداب المعروف سابقاً بمفاعل آراك فيحتوي الوقود المستنفد منه على مادة البلوتونيوم التي يمكن استخدامها في صنع قنبلة نووية. ويقع في شمال غربي البلاد ويضم محطة لإنتاج الماء الثقيل لخدمة المفاعل. وأبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تشغيله عام 2014، وخلال العام التالي وقع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية الكبرى، الذي وافقت بموجبه طهران على إيقاف البناء وإزالة قلب مفاعل خونداب وملئه بالخرسانة، لكن انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 من الاتفاق دفع طهران لإبلاغ الوكالة عزمها تشغيل المفاعل بحلول عام 2026م.

الموقع الرئيس لتخصيب اليورانيوم في إيران هو منشأة نطنز الواقعة على بعد 250 كيلومتراً جنوب طهران، وتتكون من مبان تحت الأرض ومصنع فوق الأرض، وتستطيع تشغيل 50 ألف جهاز طرد مركزي لتنقية اليورانيوم حتى نقاء خمسة في المئة، إلا أنها تحوي حالياً 14 ألف جهاز منها 11 ألفاً قيد التشغيل، وفق وكالة "رويترز". واستُهدف المفاعل من قبل في هجوم سيبراني عام 2010 يُعتقد أنه كان بتنفيذ إسرائيلي، كما تعرضت المنشأة لحريق عام 2020 قالت السلطات الإيرانية إنه نتاج عمل تخريبي سيبراني.

وعلى مشارف أصفهان ثاني أكبر مدن البلاد يوجد مركز كبير لإنتاج ألواح الوقود النووي ومنشأة لمعالجة اليورانيوم، إضافة إلى آلات لصنع قطع غيار أجهزة الطرد المركزي، وتراقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية محطة أصفهان منذ عام 2013م.

ويعد مفاعل فوردو من المواقع التي توصف بالحصينة إذ يقع داخل منطقة جبلية جنوب العاصمة طهران. وكانت السلطات الإيرانية تنكر في البداية وجود الموقع الذي بني سراً، لكنها اضطرت إلى الاعتراف خلال سبتمبر (أيلول) 2009 بعد ظهور صور أقمار اصطناعية. وقد صمم لتشغيل 3 آلاف جهاز طرد مركزي. ووافقت إيران على وقف تخصيب اليورانيوم في فوردو لمدة 15 عاماً بموجب اتفاق 2015، إلا أنه بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق استؤنفت أنشطة التخصيب لتصل إلى 60 في المئة بحلول نوفمبر 2022م.
  • كارثة قد تمتد إلى الخليج
توزيع المواقع النووية على رقعة جغرافية شاسعة والمباعدة بينهم كانت خطوة متعمدة برأي كبير المفتشين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً يسري أبو شادي، الذي يشير إلى أن هذا النطاق الواسع من الأهداف النووية يجعل ضربها جميعاً في وقت واحد مهمة صعبة، واستبعد ضرب إسرائيل منشآت إيران النووية "لأنها بلا جدوى"، في ظل تجاوز طهران لما سماه "العتبة النووية" وهو القدرة على تصنيع القنبلة الذرية.

وقال أبو شادي إن أخطر موقع يمكن استهدافه هو مفاعل "بوشهر" الواقع على الخليج العربي في حال توجيه ضربة "موجعة" للمنشأة النووية، ويوضح أن المقصود بذلك هو استهداف قلب المفاعل ذاته وليس منشآت محيطة مثل برج التبريد. وحول أسباب خطورة "بوشهر" تحديداً يقول أبو شادي إنها المحطة المكتملة في عملية توليد الطاقة من الوقود المشع، محذراً من أن تلك الضربة -إذا كانت بقوة مدمرة- قد تؤدي إلى تضرر الوقود المشع مما ينتج "كارثة إشعاعية" قد تمتد إلى دول الخليج العربي، في سيناريو مشابه لكارثة مفاعل تشيرنوبل في الاتحاد السوفياتي سابقاً على دول أوروبا، لكنه في الوقت نفسه يؤكد صعوبة التأثير في المفاعل لأنه محمي بغلافين من الخرسانة الصلبة تتحمل القنابل الثقيلة التي تخترق أعماق الأرض، مثل تلك التي استخدمت في اغتيال الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله، بالتالي فإن إسرائيل "نظرياً" قادرة على ضرب المفاعل ولكن بصعوبة بالغة قد تصل إلى الحاجة إلى قوة تدميرية تشبه القنبلة الذرية لإحداث تأثير في المفاعلات النووية الإيرانية، مما يمكن أن يؤثر في المناطق السكنية في محيطه بالخليج إضافة للآثار البيئية المدمرة، ولفت إلى محاولة العراق استهداف مفاعل بوشهر مرات عدة خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، لكنه لم يتضرر سوى ببعض "الخدوش".
  • استهداف المنشآت البحثية
وأضاف أبو شادي أن "إسرائيل لن تضرب المواقع النووية الإيرانية إلا في حال أصيبت بالجنون، لمعرفتها بالتداعيات الكارثية التي ستلحق بالمنطقة وقد تتأثر بها شعوب دول الخليج"، واستشهد بتوقف القوات الأوكرانية عن مهاجمة المنشآت النووية في كورسك الروسية أو زابوريجيا شرق أوكرانيا، وهي منشآت قديمة لا تحوي النسبة العالية من التحصين المتوافر في "بوشهر"، وذلك لأن قيادة كل من روسيا وأوكرانيا تدركان خطورة تأثير المفاعلات النووية في البلدين والدول المحيطة، لذلك لا يتصور منطقياً أن تقوم إسرائيل بضربة موجعة للمنشآت النووية، وذلك من وجهة نظر سياسية.
  • تسريع امتلاك القنبلة
وحذر أبو شادي من سيناريو قد يدفع لتسريع امتلاك إيران للقنبلة النووية، وهو قيام إسرائيل بضربة للمنشآت النووية الإيرانية فترد طهران بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية باعتبار ذلك تهديداً لأمنها القومي، وبعد ذلك تصنع إيران القنبلة النووية، وبخاصة أنها قادرة خلال الوقت الحالي على ذلك بعد أن وصلت إلى معدلات تخصيب عالية لليورانيوم، مشيراً إلى أن ذلك سيمثل تكراراً لما حدث في كوريا الشمالية التي عدت العقوبات الدولية تهديداً لها وبادرت بصنع قنبلة نووية.