في قلب التاريخ اليمني يتجلى مشهد يعكس الصراع الأبدي بين الحاضر والماضي، حيث يبقى الشعب اليمني أسيرًا لذكرياته، متأرجحًا بين مراحل مختلفة من الحكم، وكأن كل حقبة جديدة تأتي لتجدد الآلام وتستدعي الأماني المفقودة.

إن حالة الرفض المتكرر التي يعيشها اليمنيون تجاه الواقع تجعلهم يتطلعون إلى ماضٍ قد يحمل لهم الأمل، حتى وإن كان ذلك الماضي مليئًا بالتحديات.

لقد شهدت اليمن محطات سياسية متعددة كان لكل منها تأثيرٌ عميق على الوجدان الجمعي للشعب، ففي الشمال عانت الجماهير من حكم الإمام ورفضت تلك المرحلة بكل ما فيها من قيود، لكن سرعان ما جاء التحول ليجد الشعب نفسه يتذكر تلك الأيام بحنين متألمًا من التحولات التي أعقبتها، وعندما أطيح بنظام علي عبدالله صالح في عام 2011م كان هناك صدى من الندم على تلك الحقبة وكأنهم يترحمون على ما كانوا يرفضونه بالأمس.

أما في الجنوب فلم يكن الحال مختلفًا، فكان رفض الاستعمار البريطاني سيد المشهد ليتحول بعد سنوات إلى ذكريات عزيزة في ظل حكم نظام الحزب الاشتراكي، ثم أيدوا الوحدة مع الشمال، إلا أنهم سرعان ما انتابهم شعور بالحنين إلى حقبة التشطير، لتصبح حلمًا يناضلون في سبيل العودة إليه.

تتجلى هذه الظاهرة في تسلسل تاريخي محزن، حيث يبدو أن كل مرحلة جديدة تأتي لتكون أسوأ من سابقتها.

إن الشعبين الشمالي والجنوبي رغم اختلاف تجاربهما يتشاركان في هذا الشعور العميق بالحنين إلى الماضي، في الوقت الذي يفترض أن يتجهوا فيه نحو المستقبل، ما جعلهم يعيشون في دائرة مفرغة من الانتكاسات المتسلسلة، متناسين أن التطلع نحو غدٍ أفضل هو السبيل للخروج من هذه التجارب المتكررة.

إن هذا التوجه نحو الماضي الذي يسيطر على عقول الكثيرين شمالا وجنوبا يطرح تساؤلات عميقة حول الرغبة في التغيير: لماذا يتطلع الشعب اليمني إلى ما مضى بدلاً من أن ينظر إلى المستقبل بصدر رحب؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في الحاجة إلى الوعي والقدرة على رؤية المستقبل كفرصة جديدة، وليس كتهديد.

فليكن هذا النداء بمثابة دعوة للشعب اليمني أن ينفض غبار الذكريات، ويستعد لصنع مستقبلٍ جديد يتجاوز فيه آلام الماضي، ويستشرف آفاقًا جديدة من الأمل والتغيير.

إن التاريخ قد علمنا أن العودة إلى الوراء ليست الحل، بل إن العزيمة والإصرار على بناء غدٍ مشرق هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الدوامة.