قابلتُ واحدًا من أفضل الإعلاميين والصحفيين اليمنيين في البدايات الأولى لعام 2019م، وتناقشنا في العديد من القضايا والأحداث السياسية، وفي خضّم الحديث كشف لي عن أمنية كبيرة كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها، ثم تعثرت، وتبدد حلمه.

قال لي: جلستُ مع الرئيس علي سالم البيض، وحاولتُ إقناعه بكل ما أوتيتُ من علاقة متينة معه، وجهد دؤوب، لكتابة مذكراته، والحصول على ذلك الشرف، وعلى مضض وافق الرئيس، فبدأت أُعدُّ نفسي، وأجهزُ مخيلتي وذاكرتي للانطلاق، وعندما هممتُ بالشروع لتحقيق ذلك الحلم والمكسب، اعتذر السيد علي سالم، وحاولت أن أثنيه عن ذلك، ودللت له بعدد من كتب مذكراته، ولكنه أصر، وقال في خلاصة كلامه:

"سيزعل البعض، وهناك من كذب ويكذب في مذكراته، ولن أكون كاذبًا".

هذا الأسبوع تناول عدد من الأساتذة والزملاء مقتطفات من كتاب سيصدر قريبًا عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان، يحمل عنوان:

علي سالم البيض: الوحدة والانفصال، وأعده الصحفي بشير البكر، ونشرت بعض الأجزاء من المذكرات التي حملت معها الكثير من الآراء حولها، والتناقضات، بل إن هناك من المعاصرين، ورجال السياسة اتهموا الرجل بفقدان الأهلية، لكتابة مذكراته، لوهن الذاكرة، ومرضه، وتعبه، مع تأكيدهم أن وقت كتابة مذكرات السيد علي سالم البيض، قد فات أوانه وستظهر هناك الكثير من المغالطات -بقصد أو بدون قصد- أو من خلال النسيان، أو كما قال، كي لا يزعل أحد.

كتابة مذكرات القادة السياسيين شيء إيجابي بحلوها ومرها، لكشف التجارب، والمحطات المهمة في تاريخهم، وتعطي الجيل الحالي القدرة على معرفة التاريخ، لكن عندما يتأخر وقتها، فهذا معناه أنها لن تأتي بجديد، سوى مزيد من الخلافات، والتهكمات، والاتهامات.

ليت السيد علي سالم البيض صمت، أو نطق إبان الذاكرة الحديدية، فكمية الردود والتباينات، والاختلافات، والتأكيد على تجاوز حقائق من خلال بضعة أوراق نشرت من المذكرات، كفيلة بأن يراجع مكتبه مذكراته قبيل الطبعة الأخيرة.

قيل إن الرقيّ ليس أن تُجادل، ولا أن تُثبت أنك على حق، بل أن تختار صمتك سلاحًا حين يدور الحديث في دائرة الحُمق.

الرقيّ هو أن تدرك أن الكرامة ليست في الانتصار بالكلمات، بل في الحفاظ على هيبة الصمت.