اكتشفَ العلماءُ الفرنسيّونَ أنّ في مقدورِ النباتِ حسابَ الزمنِ، حيثُ إنّ بعضَ أوراقِ مجموعةٍ منَ النباتاتِ تؤدِّي حركاتٍ معينةً في وقتٍ محدَّدٍ من اليومِ، إذاً هذا النباتُ عنده ما يسمِّيه العلماءُ ساعةً بيولوجيةً، تحسبُ له الزمنَ.

واكتشفَ العلماءُ أيضاً أنّ في الحيوانِ ما يشبهُ ما في النباتِ، فهناك حيواناتٌ تعرفُ بدقَّةٍ بالغةٍ مرورَ الزمنِ، فتتّجهُ إلى مكانِ سُباتِها في الشتاءِ، لو تأخَّرَتْ أو بكّرتْ قليلاً لماتتْ، بحسابٍ في غايةِ الدقَّةِ تأوي بعضُ الحيواناتِ إلى أوكارِها لترقدَ طوالَ فصلِ الشتاءِ، ولولا أنها تعرفُ كيف يمرُّ الزمنُ لَمَا أمكنَهَا ذلك، قال تعالى: ((قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى)).

فماذا يكونُ في النهارِ من تبدلاتٍ في جسمِ الإنسانِ؟ وماذا يكونُ في الليلِ؟

في النهارِ يزدادُ استهلاكُ الجسمِ للطاقةِ، فترتفعُ درجةُ حرارتِه نِصفَ درجةٍ عن المُعَدَّلِ الوَسَطِيِّ، وتنخفضُ نصفَ درجةٍ في الليلٍ.

فمَن يُشعِرُ الخلايا وخلايا الاستقلابِ أنّ الوقتَ وقتُ نهارٍ؟ هذه الخلايا التي إلى جوارِ الغدةِ النخاميةِ تستشعرُ مِن خلالِ اقتباسِها لقاعِ العينِ أنّ الوقتَ وقتُ نهارٍ.

فَسَّرَ العلماءُ هذه الظاهرةَ بالشكلِ التالي: تزدادُ ضرباتُ القلبِ في النهارِ، من عشرٍ إلى عشرين ضربةً عنها في الليلِ، ويزدادُ إدرارُ البولِ مِن ضعفين إلى أربعةِ أضعافٍ في النهارِ عنه في الليلِ، ومن خلالِ تسجيلِ النشاطِ الكهربائيِّ للدماغِ تبيَّن أنه يزدادُ في النهارِ، ويضعُفُ في الليلِ، وتزدادُ درجةُ لزوجةِ الدمِ في النهارِ عنها في الليلِ، ويزدادُ عددُ كرياتِ الدمِ البيضاءِ - كسلاحٍ دفاعيٍ في الإنسانِ - في النهارِ عها في الليلِ، ما الذي يُشعِرُ الجسمَ أنّ الوقتَ وقتُ نهارٍ؟

أنت بعقِلك تدركُ، ولكنَّ هذه الخلايا التي تتبدَّلُ وظائفُها بين النهارِ والليلِ، أو ترتفعُ مُعدَّلاتُ وظائفِها بين النهارِ والليلِ مَن يشعِرُها بالزمن؟

هذا ما اصطلحَ العلماءُ على تسميتِه "الساعةَ البيولوجيةَ"، فالساعةُ البيولوجيةُ مجموعةُ خلايا إلى جانبِ الغدةِ النخاميةِ، تستشعرُ ضَوْءَ الشمسِ الذي يسقُطُ على قاعِ الشبكيةِ في النهارِ، لذلك إذا عاشَ الإنسانُ في ظلامٍ مستمرٍّ تَخْتَلُّ وظائفُه الحيويةُ، لأنّ هذه الساعةَ البيولوجيةَ تتعطَّلُ عن العملِ لانعدامِ وصولِ الشمسِ إلى قاعِ العينِ.

أوضحُ شيءٍ في جسمِ الإنسانِ أنّ كيماتِ الهرموناتِ في الدمِ تتبدَّلُ من النورِ إلى الظلامِ، فهذه الهرموناتُ لها نِسَبٌ في الليلِ، ولها نسبٌ في النهارِ؛ لأنّ اللهَ جعَلَ النهارَ معاشاً، وجعلَ الليلَ لباساً، في الليلِ يزدادُ هرمونُ النموِّ، وتزدادُ هرموناتُ الإخصابِ، ويقلُّ استهلاكُ السكرِ ثلاثين في المئةِ عما هو في النهارِ، ولهذا تقلُّ فعاليةُ الجهازِ التنفُّسيِّ في الليلِ ثلاثينَ بالمئةِ عما هي في النهارِ، هذا من بعضِ معاني قولِ اللهِ عز وجل: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)). وهذا التبدُّلُ يحدِّدُ مستوى حيويةِ وظائفِ الجسمِ الإنسانيِّ إلى أدنى مستوى لها خلالَ الليلِ، وتأخذُ بالارتفاعِ إلى أقصى درجةٍ في الساعةِ السادسةِ صباحاً، ويتبدَّلُ نبضُ القلبِ من الليلِ إلى النهار، ويتبدَّلُ الضغطُ الشريانيُّ من الليلِ إلى النهارِ.

قال العلماءُ:"مع الاستيقاظِ تتراكمُ في الدمِ مادةٌ تؤدِّي إلى تسارعِ النبضِ، وارتفاعِ ضغطِ الدمِ، وهذا يؤدِّي إلى نَشاطِ الجسمِ"، لذلك فهناك عند معظمِ الناسِ ذروتان للعملِ، مِنَ التاسعةِ حتى الثانيةِ عشرة ظهراً، ومن الرابعةِ حتى السادسةِ، في هذه الساعاتِ التي هي ذروةُ النشاطِ تزدادُ قدرةُ الحواسِ الخمسِ، ويُنصحُ ببذلِ الجهدِ في هاتين الذروتين، والخلودِ إلى الراحةِ في أوقاتِ انخفاضِ مستوى النشاطِ البشريِّ، لذلك قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللُّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا".

إنّ هذه الساعةَ البيولوجيةَ تشعِرُ الأجهزةَ، والأعضاءَ، والنُّسُجَ، والخلايا، والغُدَدَ أنّ الوقتَ وقتُ نهارٍ، فافْعَلِي كذا وكذا، وامتنِعِي عن كذا وكذا، ثم تُشعِرُ هذه الخلايا التي هي الساعةُ البيولوجيةُ الأعضاءَ، والأجهزةَ، والنُّسُجَ، والغددَ، والخلايا أنّ الوقتَ وقتُ ليلٍ، فافْعَلِي كذا وكذا، فما تفعله في النهارِ لنْ تستطيعَ أنْ تفعلَه في الليلِ.

عندك ساعةٌ، تبرمجُ الهرموناتِ، والنبضَ، والضغطَ، والحرارةَ، والقدرةَ على الهضمِ، وهذه الساعةُ تدركُ إذا كنتَ في النهارِ أم في الليلِ، دون أنْ يكونَ لها علاقةٌ بقوتك الإدراكيةِ، هذا صنعُ اللهِ الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ، ((وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)).