​> التعريف بسورة الزلزلة
سورة الزلزلة سورة مكيّة، عدد آياتها ثمانية عند أصحاب العدد الكوفي، وتسعة عند أصحاب العدد المدني، وسمّيت بالزلزلة لافتتاح آياتها بقوله -سبحانه وتعالى-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، ومن أسماء هذه السورة أيضاً: الزلزال؛ لأنّها تحدّثت عن حدوث الزلزال يوم القيامة، وإذا زلزلت؛ لأنّ الله -سبحانه- افتتح السورة الكريمة بها.

* سبب نزول سورة الزلزلة
كان الكفار كثيرا ما يعمدون إلى سؤال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن موعد ووقت يوم القيامة فقال الله -تعالى- على لسانهم: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ)، وقال -تعالى-: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، وقال -تعالى-: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَـذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، فأنزل الله -تعالى- سورة الزلزلة وذكر فيها علامات يوم القيامة فقط، دون التطرق لموعد ذلك اليوم ووقته لكونه في علم الله وحده.

 وممّا تجدر الإشارة إليه أنّه قيل في سبب نزول قول الله -تعالى-: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)،أنّه كان هناك رجل يأتي إليه فقير فيسأله حاجته، إلّا أنّ الرجل كان يعدّ التمرة والكسرة والجوزة شيئاً قليلاً فلا يعطيه ذلك، كما كان هناك رجلاً آخر كثيراً ما يتهاون بالذنوب الصغيرة كالكذب، والغيبة، ومجانبة غض البصر، ويرى أنّ الله -تعالى- قد أعدّ النار لمن يرتكب الكبائر، فأنزل الله -تعالى- الآيتين المشار إليهما مسبقاً ترغيباً في القليل من الخير فقد يُكثره وينمّيه، وتحذيراً من الذنوب اليسيرة التي قد تكثر وتعظم.

* فضل سورة الزلزلة
- فضل السورة الخاص
وردت بعض الأحاديث التي تُبيّن فضل سورة الزلزلة لكنها ليست صحيحة وما يصحُّ فيها غير الحديث الذي رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (إِذَا زُلْزلَتُ تَعدِلُ نصفَ القُرآنِ، وَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ تَعْدِلُ رُبْعَ القُرْآنَ، وَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنَ).

*فضل موضوعاتها
تُعدُّ سورة الزلزلة من السور المكيّة في القرآن الكريم، ويأتي ترتيبها التاسعة والتسعون في المصحف، وتتضمّن ثمانية آيات، وقد سُمّيت سورة الزلزلة بهذا الاسم؛ كونها افتُتحت بلفظ الزلزلة.
 وتحدّثت سورة الزلزلة بشكلٍ أساسي عن يوم القيامة وما يسبقه من زلزلة الأرض بما عليها من المخلوقات، ثمّ بعد ذلك محاسبة ومجازاة كل إنسان على عمله، فإن كان عمله خيراً فمصيره إلى خير، وإن كان عمله شراً فمصيره إلى شرّ.

 يقول -تعالى-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا)،ثمّ قال -سبحانه وتعالى-: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)،وذلك وِفق ميزان العدل -سبحانه وتعالى- الذي لا يُظلم عنده أحد.

 وتقع سورة الزلزلة في ترتيب المصحف بعد سورة البيّنة، وترتبط السورتين معاً ارتباطاً وثيقاً حتى تكاد تكونا كأنّهما سورة واحدة، فقد انتهت سورة البيّنة بالحديث عن يوم القيامة وما فيه من جزاء كل من الكافرين والمؤمنين وما سيُلاقوه، ثمّ جاءت بعدها سورة الزلزلة لتقوم بنقل هذه الأحداث في يوم القيامة وما يتضمنه من الحساب والجزاء.

* فضل السورة العام
يدخل فضل قراءة سورة الزلزلة في عموم فضل قراءة القرآن، حيث إنّ قراءة القرآن من الأمور التي حثّ عليه الإسلام واستحبّ الإكثار منها، فبها يتوصل القارئ إلى معاني الآيات الكريمة وفهمها، وبها تُنال الأجور ويرفع الله بها الدرجات.

وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تبيّن فضل قراءة القرآن، فمن القرآن الكريم قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).

ومن السنة النبوية الشريفة ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها).

وكلّما زاد المسلم في القراءة وكان حريصاً على إخلاص النيّة لله -تعالى- زاد الأجر المتحصل من قراءته لكتاب الله، وزاد تمكّنه من القراءة وأصبح مُتقناً، وبهذا ينال شرف الماهر بالقرآن، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ).

* فوائد سورة الزلزلة
لقد احتوت سورة الزلزلة الجليلة على لطائف ونفحات قرآنيّة مباركة عديدة، ونذكر منها ما يأتي:

احتوت السورة على أدق آيتين في القرآن الكريم، يقول -سبحانه- فيهما: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

- يُستحسن للمسلم أن يقوم بالأعمال الصالحة في أماكن مختلفة؛ حتى تشهد له بها يوم القيامة، وهذا ما دعت إليه الآية الكريمة يقول -سبحانه-: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا).

- يجب على المسلم ألّا يستهين بالخير الذي يعمله، وعليه أن يستكثر منه، ولا يتستصغر الشرّ الذي يرتكبه، وأن يحرص على تجنّبه، فهو لا يعلم بم يُشفع له يوم القيامة، فقد ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (الجَنَّةُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِن شِراكِ نَعْلِهِ، والنَّارُ مِثْلُ ذلكَ).

- إثبات رؤية النّاس لأعمالهم في الدنيا يوم القيامة، لا باختيارهم ورضاهم، إنّما رغماً عنهم؛ فليس هنالك أحد يحب أن يرى ما كان يعمل في الدنيا، يقول -سبحانه-: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ).

- إنّ المولى -سبحانه- يُحبُّ العبد التوّاب، الذي يُذنب ثم يستغفر الله -سبحانه-، جاء في الحديث عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لو أنَّكُمْ لا تُخْطِئونَ ولا تُذْنِبونَ لخلَقَ اللهُ تعالى أُمَّةً من بعدِكم يُخْطِئُونَ ويُذْنِبونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ).

- سورة الزلزلة تٌعادل ربع القرآن الكريم، وقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على قراءتها، جاء في الحديث الضعيف: ("قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" رُبُعُ القُرآنِ، و"إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ" رُبُعُ القُرآنِ، و"إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ" رُبُعُ القُرآنِ).

- جاءت هذه السورة الكريمة بغرضٍ واضحٍ، فهي تُرغّب في عمل الخير، وتحذّر من أعمال الشر، وبذلك تتناسب مع سورة البينة التي أكّدت على أنّ المؤمنين هم خير البريّة، والكافرين هم شرها.
- سورة الزلزلة تُعتبر هزّة قوية في قلب كل غافل؛ ليدرك أهمية موضوعها، ويستيقظ من غفلته قبل يوم الجزاء ووزن الأعمال.