- التعريف بسورة الكوثر
أطلق على سورة الكوثر هذا الاسم بسبب ذكر الكَوثر فيها، كما يُطلق عليها اسمٌ آخر ألا وهو "سورة النَّحر"، وتُعدُّ سورة الكوثر أقصر سورة في القرآن الكريم؛ حيث إنَّ عدد آياتها ثلاثٌ بلا خلاف، وعدد كلماتها عشرة، وعدد حُروفها اثنان وأربعون حرفاً، ولا يُوجد في كلِّ القرآن الكريم سورة عدد آياتها أقلُّ من ثلاث، وآياتها هي قول الله -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، وتُعدُّ سورة الكوثر من السُّور التي بشَّر الله -تعالى- بها رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ حيث بشَّره بالخير الكثير والعطاء الجزيل الذي سيكون من نَصيبه في الآخرة، وبالذِّكر الخالد له في الدُّنيا.
وقد نزلت سُورة الكوثر بعد سُورة العَاديات، أمّا في كونها سورةٌ مدنيَّةٌ أم مكِّيَّةٌ خلافٌ؛ فهي مكِّيَّة بحسب الجُمهور، ومدنيَّة بحسب قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة، وتُعدُّ سورة الكوثر من السُّور المُحكَمات؛ أي ليس فيها ناسخٌ ولا منسوخٌ، بل جاءت كلُّها مُحكَمةً.
- لماذا نزلت سورة الكوثر؟
ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (بيْنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ بيْنَ أظْهُرِنَا إذْ أغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: ما أضْحَكَكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ* إنَّ شَانِئَكَ هو الأَبْتَرُ}).
ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- في شأن نزول هذه السُّورة أنّه: (لما قدم كعبُ بنُ الأشرفِ مكةَ؛ أتوْهُ فقالوا: نحنُ أهلُ السقايةِ والسدانةِ، وأنت سيدُ أهلِ يثربَ، فنحنُ خيرٌ أم هذا الصنيبيرُ المنبترُ من قومِه يزعمُ أنَّهُ خيرٌ منا؟ فقال: أنتم خيرٌ منه، فنزلتْ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)،فنزلت السُّورة ردَّاً على مزاعم كعب بن الأشرف الذي ادَّعى أنَّ قريشاً خيرٌ من النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
وللجمع بين هذا الآراء ومعرفة الرَّاجح منها، قام العلماء في البحث عن نوع سورة الكوثر هل هي مكِّية أم مدنيَّة؛ فهي عند الجمهور سورةٌ مكيَّة، بينما قال الحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة إنَّ سورة الكوثر من السُّور المدنيَّة، ودليلهم حديث أنس المُتقدِّم ذكره؛ حيث إنَّ أنس أسلم في بداية الهجرة، وقد ذكر في حديثه: "أُنزلت علي آنفاً سورة"، وكلمة آنفاً تدلُّ على الزَّمن القريب، ممَّا يعني أنَّ السُّورة نزلت في المدينة.
ويُمكن الجمع بين حديث أنس وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ بأنَّ الحادثة التي رواها ابن عباس والتي وقعت بين كعب بن الأشرف وبين قريشٍ في مكَّة هي سببُ نزول السُّورة، ولكن في أثناء هذه الواقعة كان النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قد هاجر إلى المدينة؛ فكانت الواقعة التي تُعدُّ سبباً في نزول السُّورة موقعها في مكَّة كما رواها ابن عباس -رضي الله عنه-، بينما كان نُزول السُّورة على الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المدينة كما رَوى أنس -رضي الله عنه-.
والهدف من السُّورة مُواساة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد استضعاف قريشٍ له وشماتتُهم فيه؛ بسبب موت أبنائه، والرَّد عليهم أنَّ ذلك لن يُضعف منزلته أو ذِكره بين النَّاس؛ بل إنَّ مُبغضيه هم الذين سينقطع ذِكرهم.
- فضل سورة الكوثر
ويمكن أن يُستخلص فضلٌ لسورة الكوثر من الحديث الشَّريف سابق الذكر، وهذا الفضل مُتمثلٌ في استبشار النبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- وضحكه عند نزول السُّورة عليه، ممّا يُشير إلى مكانتها وعِظمها، وهذا هو الحديث الشَّريف الوحيد الذي يمكن اعتباره مباشراً في فضل السُّورة، أمَّا باقي الأحاديث والآثار فهي مُنصبَّةٌ على نهر الكوثر وصفاته وفضله.
ممَّا جاء في نهر الكوثر ووصفه ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال:(بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ فَإِذَا طِينُهُ أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ شَكَّ هُدْبَةُ).
أمَّا الأخبار الواردة في أنَّ لقراءة سورة الكوثر يوم الجمعة أو غيره من الأيام ألف مرَّةٍ فضلٌ مخصوصٌ، وأنَّ الله يسقي من قرأها من أنهار الجنة فلم يثب ذلك، واعتُبِرَ الحديث المُطوّل الوارد في فضائل سور القرآن بتعدادها سورةًَ سورةً بما فيه الكوثر موضوعاً؛ أي مكذوباً على النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، أو كما وصفه ابن الجوزي: "حَدِيث فَضَائِل السُّور مَصْنُوع بِلَا شكّ".
*موضوعات سورة الكوثر تحدثت سورة الكوثر في آياتها الثلاث عن موضوعات واضحة وهي:
- العطاء أو الخير الكثير الذي أعطاه الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، ومن ذلك نهر الكوثر.
- طلب الإخلاص لله -سبحانه وتعالى- من النبي -صلوات الله عليه- في الصلاة المفروضة أو النافلة، وفي النحر-الذبح-.
- وصف الكفار المبغضين للنبي وللحق والإسلام الذي جاء به بالمنقطع المنذل.
- بينت سورة الكوثر بعض مظاهر العبادة، وهي: الإخلاص لله، والأمر بالصلاة، والنحر داعية المسلمين لتطبيقها والالتزام بها.
تحدث المقال عن سورة الكوثر وما ورد في فضلها وسبب نزولها؛ وهو قول أحد المشركين للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أبتر؛ أي منقطع الذكر لعدم وجود ذرية ذكور له، فرد الله تعالى عليه بهذه السورة، وأخبره أن المشرك هو الذليل منقطع الذكر، وأما محمد -صلى الله عليه وسلم- فذكره سيبقى مخلداً إلى يوم الدين.