> إعداد / عبدالقادر باراس:
نستعرض في حلقتنا اليوم أجواء رمضان في عدن أيام زمان، حيث كانت الحارات – "الحوافي" – تتحول إلى ساحات ترفيهية، وأنشطة فكرية، ومسابقات ثقافية ورياضية، وألعاب شعبية ورياضية متنوعة. كما كانت الدراجات الهوائية جزءًا من المشهد الرمضاني.
كان رمضان في عدن أيام زمان بهيجًا، حيث كانت تتحول حاراتها إلى مشهد بديع إذ يلعب الأطفال ويتسابقون في حاراتها وأزقتها، بينما يستمتع الشباب بليالي رمضان بممارسة الرياضة والألعاب الشعبية المختلفة.

وكان من أبرزها "لعبة العصا" التي يشارك فيها فريقان، يتألف كل منهما من خمسة لاعبين. حيث كانت تُوضع العصا على كومة صغيرة من التراب في وسط دائرة، وبعد إجراء القرعة، يبدأ الفريق الفائز بالهجوم. يقوم أحد أعضاء الفريق المهاجم بأخذ العصا والابتعاد بها إلى مسافة محددة، بينما يلاحقه الفريق المدافع في الأحياء والشوارع المجاورة، وأحيانًا تمتد المطاردة إلى مناطق أخرى. يهدف المهاجم إلى التسلل والوصول إلى العصا دون أن يتم كشفه من قِبَل الحارس المكلّف بحمايتها. وتستمر هذه المطاردات الممتعة طوال الليل.

إلى جانب لعبة العصا، كانت هناك ألعاب شعبية أخرى تُمارس خلال تلك الفترة، بعضها مخصص للكبار وأخرى للأطفال، كما تشمل الأنشطة والألعاب الذهنية مثل الشطرنج وبعض المسابقات التي كانت تنظم في المراكز والأندية الرياضية، مما جعل ليالي رمضان مليئة بالمرح والتسلية التي تعكس روح الشهر الكريم.
كان الشباب يستمتعون بالألعاب الرياضية المعروفة، مثل كرة الطائرة في الأحياء والأندية والساحات حيث كان لها جمهورها. كما كانت تقام مسابقات فكرية وألعاب شعبية في الحواري، منها التي كانت تُسمى لعبة "أصحاب المعصرة"، وكذلك لعبة التصاوير أو الصور التي تُلعب باستخدام البطة أو الكوتشينة، ولعبة "من كبتو طيار" التي تشكل حلقة دائرية، وهناك أيضًا لعبة تُسمى "ساري القماري".
كانت الفتيات يقضين وقتًا ممتعًا ويستمتعن باللعب، خاصة بعد عودتهن من المدرسة حتى الرابعة أو الخامسة عصرًا، وأحيانًا يستمر اللعب حتى وقت الإفطار.
كانت الفتيات يلعبن ألعابًا في المساء، وكان الصغار بعد صلاة المغرب، يخرجون إلى الحارات للعب فرحين ومرددين أغاني رمضان، ويمارسون بعض الألعاب التقليدية مثل لعبة التابو، و"الشبدلو"، و"سبع الصاد"، و"سامان سامان"، و"بالعرايس"، و"بيدان بيدان حالي سويدان". كانت هذه الألعاب تستمر حتى الحادية عشرة ليلاً.
كانت أحلى أوقات الأطفال في رمضان حينما تخف حركة مرور السيارات في الحارة، ويقل المارة في الطريق، فيغتنمون الفرصة بخلو الشارع فينتشرون للعب أفرادًا وجماعات، بعضهم يلعب البلي (الفتاتير)، وآخرون يلعبون ويجرون خلف كرة صغيرة في الأزقة والطرقات. أما الفتيات، فعددهن قليل، فيقمن بلعب "قفز الحبل" و"بيدن بيدن".
وخلال فترة اللعب في العصر، كانت تمر على الأطفال أوقات من السأم، خاصة عندما يُطلب من أحدهم الذهاب إلى السوق من قبل أهله أو يُدعى لتناول الطعام. تلك اللحظات – لحظات إحضار شيء أو تناول شيء – كانت تُعد من أسوأ اللحظات بالنسبة لهم. ومع ذلك، كانوا يعودون بسرعة بعد أداء ما طُلب منهم، (النفعة – النفاع) سواء لإحضار الفطور أو تلبية الدعوة.
كانت بعض الألعاب تتطلب صيحات قوية وارتفاعًا متواصلًا في الأصوات باستخدام كلمات مثل: "سبعة صاد"، و"هنا يا شيخ"، و"مرفوع"، وهذه العبارات تشكل عماد اللعبة. كما كانوا يشاركون بحماس بالانضمام إلى فرق لعبة السبعة صاد، والتنافس في رمي الكرة.

كان الشباب والأطفال يقضون وقتهم في الشوارع خلال ليالي رمضان حتى الساعة العاشرة، فقد كانت الأسر حريصة على أن يعود أبناؤها إلى منازلهم في وقت مبكر، ليخلدوا إلى النوم ويستيقظوا نشيطين للذهاب إلى مدارسهم في الصباح.
كانت ربة الأسرة تجد صعوبة في قضاء أولادها الصغار في فترة ما بعد الظهر، حتى يتوفر لها جزء من النهار لتنام فيه وتستريح، ولتوفر بعض الوقت لينام زوجها فيرتاح. كما كانت بعضهن تفكر في تخصيص بعض الأعمال المنزلية أو المدرسية التي يمكن لأطفالهن إنجازها خلال ساعتين من بعد الظهر، لإتاحة الفرصة للوالدين للنوم والراحة.
وتُولي بعض الأندية الرياضية اهتمامًا خاصًا في رمضان بتنظيم المسابقات الرياضية والمحاضرات الثقافية والدينية، إلى جانب إقامة الحفلات الغنائية التي تضفي أجواءً مميزة على هذا الشهر الفضيل.
وكانت بعض الأندية الرياضية تحيي ليالي رمضان بشكل مميز بألعاب رياضية متنوعة، كما كانت تقوم بتنظيم حفلات غنائية ساهرة، ولم تقتصر أنشطتها على الترفيه، بل خصصت أيامًا في الأسبوع ضمن برامجها لإلقاء المحاضرات الأدبية والوطنية والرياضية.

يصف التربوي الأستاذ نبيل أنعم أجواء رمضان في الماضي، مستذكرا الأنشطة الرياضية التي كانت تُقام في عدن آنذاك، حيث يقول: "كان لرمضان في عدن نكهة رياضية خاصة، حيث تميزت الأنشطة الليلية بحيوية كبيرة، وكان الإقبال على الفعاليات الرياضية مرتفعًا بشكل ملحوظ، مثل كرة السلة وكرة الطائرة.
وكانت مباريات كرة القدم للأندية الرسمية تتوقف، ولكن كانت تُجرى بطولات دوري لكرة القدم في أغلب المناطق، وكان السباق إليها في منطقة الشيخ عثمان والمنصورة".
ويضيف: "كانت تجتمع لجان من الأعيان والرياضيين والمعلمين والشخصيات الاجتماعية لتجمع فرق الحواري (الحوافي) والأقسام والبلوكات، بنفس نظام الدوري الرياضي لكرة القدم الرسمي. وكانت كل فرقة تلتزم بالأسماء المحددة، ولا يُسمح بالتغيير فيها وتلتزم بالاشتراك المالي، ويُعين الحكام، وتُقسم القرعة بحضور ممثل كل فريق ابتداءً من أول يوم في رمضان، وفي تاريخ 25 و26 من رمضان، بعد التصفيات، تبقى أربع فرق تُحدد لها نظام ترتيب الأول والثاني والثالث، على أن توزع لها الكؤوس والجوائز".
وكان هناك ملعب في منطقة المنصورة، حالياً أمام شارع أنيس، وفي القاهرة كان يوجد ميدان قرب مبنى مولد الكهرباء. الآن، هذين الملعبين أصبحا بنايات سكنية. وفي منطقة المنصورة كان هناك ملعب في مدرسة 22 مايو، مدرسة المقبلي حاليًا.
وفي منطقة الشيخ عثمان، كان هناك ملعب في المدرسة المتوسطة التي تسمى حاليًا مدرسة عمر المختار، وكذلك في المدرسة الشرقية التي تسمى حاليًا مدرسة ردفان خلف نادي الوحدة أمام مسجد زكو.
كانت ليالي رمضان مملوءة بالنشاط والحيوية والمتعة للصائمين، وما زالت منطقة المنصورة تقيم هذه الدوريات (البطولات الرمضانية) في مدرسة 22 مايو - المقبلي حاليًا، وتُقام حتى يومنا هذا. وكان يدعم مثل هذه البطولات الرمضانية عدد من الشخصيات الاجتماعية ورجال الأعمال.
في عدن، كان للدراجات الهوائية حضور مميز في شهر رمضان حيث كانت حوافي عدن تضج بأنواع من الدراجات (السياكل) وكان لها رواج كبير في رمضان، حيث كان الكثيرون يعتادون على استئجارها. كانت لا تؤجر إلا للبالغين والشباب، وكان صاحب الدراجات يقوم بتجهيز دراجاته تجهيزًا كاملاً، وكانت الدراجات مضيئة، وكأن مستخدميها يسيرون بها أحيانًا إلى خارج منطقتهم. كان مجموعة من الشباب يزيد عددهم أحيانًا إلى خمسة يتفقون على استئجار الدراجات ليقوموا بماراثون سباق إلى نقطة معينة ثم يعودون.
كانت الدراجات الهوائية تؤجر بالساعة بـ "شلن – درهم"، وكانت بالنسبة للمستأجرين من أفضل الرياضات للشباب لأنهم لم يكونوا قادرين على شراء الدراجات.

ومن أماكن تأجير الدراجات المشهورة في ذلك الزمان في الشيخ عثمان، خاصة في حارة فرزة القاهرة، وكان أشهرهم سعيد النجاشي. كما كان يوجد في القاهرة مكان آخر لتأجير الدراجات لصاحبه السيد ثابت.
وكان هناك أيضًا مكان آخر مشهور لاستئجار الدراجات خلف روضة 11 فبراير حاليًا وملعب الأطفال سابقًا في الشيخ. وكذلك كان يوجد مكان آخر أمام فرزة دار سعد وسوق الدجاج، وكان يديره السيد سعيد هادي. وكان هناك مكان آخر في حافة الهاشمي لصاحب الدراجة السيد "الجهامي" أو "الجهمي"، القريب من حارة مشهورة تضم نادي الهلال الرياضي ونادي الفيحاء الرياضي سابقًا.
وكذلك، في خلف شرطة الشيخ عثمان المرتبط بسوق اللحم حاليًا، كانت هناك دراجات نارية يملكها السيد الزبيدي ودراجات هوائية يملكها السيد مهدي. وكانت من أفخم الدراجات: "الدبل"، "الهاركليس"، و"أبو أسد".
وفي منطقة كريتر، كان أصحاب السياكل يؤجرونها بنظام السن، ومن أبرز أصحاب السياكل المشهورين في حافة القاضي العم عبده سلامي، الذي كان يملك السياكل في ركن الحافة، وسياكل سيف في حارة الشريف.
كان إيجار السيكل نصف شلن للشوط الواحد داخل الحارة، بينما كان الشوط الآخر الذي يمتد لمدة ساعة يُستأجر بشلن واحد. كما كان بإمكانك أخذ السيكل في مشاوير عديدة خارج الحارة. كما في حوافي منطقة المعلا كانت تضج بأنواع من السياكل حيث كان الصغار يعتادون على استئجارها من محل "الطلي".
كان هناك ثلاث فئات للإيجار عند النجاشي: "سنجل"، "دبل"، و"وسط"، وكذلك الأمر عند الجهمي. أما السيد سعيد هادي والسيد مهدي، فكان لديهما دراجات دبل.