نزلت سورة المسد في صنديدٍ من صناديد كفار قريش، وهو أبو لهبٍ عمُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في سبب نزولها قولان، وفيما يأتي ذكرهما:
القول الأول: نزلت بأبي لهب؛ لأنَّه استهان بالنبيِّ عندما أخبرهم بأنَّه نذيرٌ لهم، فقد ورد ذلك في صحيح البخاري عن ابن عباسٍ رضي الله عنه: (صَعِدَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الصَّفَا ذَاتَ يَومٍ، فَقالَ: يا صَبَاحَاهْ، فَاجْتَمعتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ، قالوا: ما لَكَ؟ قالَ: أرَأَيْتُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أوْ يُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فأنْزَلَ اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ}).
*القول الثاني: نزلت بأبي لهبٍ لأنَّه كان ينطلق إلى الوفود التي كانت تأتي لمقابلة رسول الله، ويُخبرهم بأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ما هو إلَّا ساحرٌ كذاب، ثمَّ جاء وفدٌ وأصرَّ على مقابلة النبيِّ، فقال لهم أبو لهب إنَّ النبيَّ ما زال تحت العلاج تبًا له، فبلغ ذلك النبيَّ فحزن، فنزلت السورة الكريمة. مكان نزول سورة المسد يُمكن القول بأنَّ مكان نزول سورة المسد هو مكةَ المكرمة، وذلك استنباطًا من حديث ابن عباس الذي بيَّن سبب نزولها، حيث قال: (صَعِدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الصَّفَا ذَاتَ يَومٍ)، كما أنَّ سورة المسد تعدُّ أساسًا من السور المكيةِ.
- ترتيب نزول سورة المسد
مناسبة سورة المسد لما بعدها: ذُكر في مناسبة سورة المسد لسورة الإخلاص قولان، وفيما يأتي ذكرهما:
إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ذكر في سورة المسد عداوة أبي لهب لرسول الله وما لاقاه النبيُّ من عبَّاد الأوثان، فجاءت بعدها سورة الإخلاص مصرحةً بالتوحيد لتردَّ على كلِّ عبَّاد الأوثان. إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- عندما ذمَّ أعداء الدين في سورة المسد، فقام في سورة الإخلاص ببيان حقية التوحيد وبأنَّه أساس الدين.
- تفسير سورة المسد
- دفاع الله عن نبيه
والتباب هو الخسران، ونظيره قول الله -تعالى- عن فرعون: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ)،وأسند الله الهلاك إلى يدي أبي لهب؛ لأن العمل لا يكون إلا بهما، ولأن ذكر الجزء قد يراد منه الكل، فالمعنى تبت نفس أبي لهب، بسبب عمله الذي عمله.
وذكرت "تب" الأولى دعاءً عليه في الدنيا بالخسران، و "تب" الثانية هي جملة خبرية، أي أنه قد حصل له الخسران، وفي هذا معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان بإمكان أبي لهب أن يثبت بطلان هذه الآية بإسلامه، ولكن كلام الله أحكم وحكمه أنفذ.
- المال والولد لا ينفع من دون الله
وكلمة "سيصلى" ابتدأت بالسين لتحقيق وقوع العذاب عليه، وهو النار، وصُلي بالنار أي شوي بها، ووصفت النار بأنها صاحبة اللهب، إشارة إلى كنية أبي لهب؛ زيادة في التناسب بين اسم أبي لهب، وبين النار ذات اللهب.
- عاقبة أذية المؤمنين
وكان جزاؤها على ذلك الفعل في الآخرة؛ أن الله وعدها بحبل من نار يلف حول عنقها، فأبدل الله مجوهراتها، وذهبها الذي كانت تلبسه في رقبتها في الدنيا، بذلك العذاب في الآخرة.
- دروس مستفادة من سورة المسد
ملخّص المقال: نزلت هذه السورة بأبي لهب؛ لأنَّه دعا على رسول الله بالتباب والهلاك، ومكان نزول سورة المسد هو مكة المكرمة، وتعدُّ سورة المسد سادس السور من حيث ترتيب نزول سور القرآن الكريم، وقد احتوت سورة المسد على عددٍ من الدروس والعبر، من أهمها أنَّ الذي يُنجي المسلم من العذاب هو عمله وصدقه مع الله، وليس ماله ونسبه.