في يوم المرأة العالمي يقف العالم احترامًا وتقديرًا لنصفه المبدع، ذلك النصف الذي لا يكتفي بإنجاب الحياة، بل يمنحها معانيها الأسمى، ويصنع من الصعاب سلمًا يرتقي به المجتمع نحو الأمل، وبين صفحات التاريخ تبرز المرأة اليمنية كأيقونة للصمود والتحدي، لم تكن يومًا مجرد ظلٍّ في وطنها، بل كانت شمسًا لا تغيب، تنير الدروب رغم العواصف، وتعطي دون أن تنتظر، وتصنع المستحيل رغم التحديات الجسيمة.

المرأة اليمنية منذ العصور القديمة ظلت رمزًا للقوة والحكمة من الملكة بلقيس التي حكمت أمة بحنكتها إلى اليوم، وهي التي لا تزال تحفر في الصخر كي تبني حياةً كريمة لأبنائها رغم الظروف القاسية.

إنها المرأة التي تحمل همَّ وطنها على كتفيها كما تحمل طفلها بين ذراعيها ترضعه حبًّا، وتزرع في قلبه الأمل رغم الألم.

لقد مرت اليمن بأوقات عصيبة صراعات مزّقت النسيج الاجتماعي، وأزمات اقتصادية خنقت الحياة، لكن المرأة اليمنية لم تكن يومًا ضعيفة، بل وقفت كالسد المنيع في وجه الأعاصير، تحمل الأعباء بثبات، وتواجه الصعوبات بعزيمة لا تعرف الانكسار. إنها الأم التي تغزل من شقاء الأيام ثوبًا من الصبر، وهي الزوجة التي تبني جدران بيتها من الحنان، وهي الأخت والابنة التي لا تنحني رغم كل الأوجاع، وحين عصفت التحديات بمجتمعنا، سعت المرأة بحنانها ودفئ مشاعرها وبكل قوتها كي تعيد وصل ما انقطع بخيط التسامح، وما زالت لليوم تزرع المحبة في قلوب أبنائها، لأن الحرب لا تسلب من الرجل وحده، بل تمزّق قلب المرأة ألف مرة.

إن دورها في تعزيز قيم التعايش والتسامح ليس مجرد شعار، بل هو نداء ينبع من قلبها، لأنها الأكثر إدراكًا لمعاناة الأجيال القادمة إن استمرت دائرة العنف.

إن تمكين المرأة اليمنية، ومنحها حقها في التعليم، والعمل، والمشاركة في جميع نواحي الحياة الاجتماعية ، ليس منّة أو رفاهية، بل هو ضرورة لنهوض اليمن من جديد. فكيف لمجتمعٍ أن ينهض وهو يُقصي نصفه؟ وكيف لوطنٍ أن يتقدم وهو يُغلِّف المرأة بقيود التقاليد والمفاهيم الخاطئة؟

إن تعزيز دور المرأة ليس مجرد قضية حقوقية، بل هو مفتاح لبناء وطن مستقر، ومجتمع متماسك، وأجيال تتنفس الأمل بدلًا من الألم.

إنها المرأة التي لا تعرف الراحة، تعمل بيديها، لكنها لا تمنح أفراد أسرتها فرصة لتقبيلها في الصباح، لأنهما مشغولتان دائمًا بين العجين والماء، بين البناء والرعاية، بين العطاء والتضحية. إنها الطبيبة دون شهادة، التي تعرف مكان الألم دون أن يُقال لها، تضع يدها على قلبها حين يتألم أحد أبنائها، فتستدل فورًا على موضع الجرح، ثم تباشر بالعلاج بروحها قبل يديها.

إنها المرأة التي لا تبكي حين توخزها إبرة الظروف، بل تخيط بثبات ثوب الأمل لتكمل المسير. إنها العاملة، والمربية، والمناضلة، التي تكافح في كل ساحة، ثم تعود إلى منزلها لتشعل فيه دفء الحب، وتطعم صغارها رغيف قلبها الساخن.

في هذا اليوم لا نحتفي فقط بوجود المرأة، بل نجدد العهد على أن نمنحها ما تستحق، لا بالكلمات، بل بالأفعال. فالمجتمع الذي يحترم نساءه، هو المجتمع الذي يزهر استقرارًا ورقيًّا. تكريم المرأة ليس خطابًا عابرًا، بل التزام حقيقي بأن تكون شريكة في القرار، وفي البناء، وفي صناعة المستقبل؛ لأن اليمن لن ينهض إلا بجناحيه معًا: رجلٌ وامرأة، متكاتفان لصنع غدٍ أكثر إشراقًا، ودمتم سالمين.