> إعداد / عبدالقادر باراس:
تتناول حلقتنا اليوم مائدة الإفطار الرمضانية في عدن، وما تحتويه من أطباق متنوعة، بالإضافة إلى المشروبات المختلفة، كما نسلط الضوء على تقاليد التعاون والتكافل الاجتماعي المتبعة بين أهالي المدينة.
تتكون مائدة الإفطار في عدن خلال شهر رمضان من عدة أصناف متنوعة من المأكولات، ومن أبرزها طبق الشوربة المصنوعة من قمح البر، والتي تُعد بطرق تقليدية مميزة. في الماضي، كانت حبوب البر تُطحن باستخدام "الملاكد" اليدوية، ثم تُطبخ على نار الحطب، وليس باستخدام الغاز كما هو الحال اليوم. كان هذا التحضير التقليدي يمنح الشوربة نكهة مميزة، خاصة عند إضافة اللحم أو الكوارع، المعروفة محليًا بـ"الكراعين"، وتُنكه بمزيج من التوابل مثل الفلفل الأسود والقرفة.
في الستينيات، اعتادت بعض الأسر على احتساء رقائق الشعير المعروفة بـ"الشربة" من ماركة كويكر أوتس البريطانية، إلى جانب السمبوسة والباجية التي تُعد من المكونات الأساسية على المائدة الرمضانية، إضافة إلى الكاتلس، واللبنية، والعتر. كما كان الشفوت، المصنوع من اللحوح والحقين الطبيعي المستخلص من ألبان الأبقار، يحتل مكانة مميزة بين الأكلات الرمضانية.

تُعد "السمبوسة بالنبات الحالي" من الأكلات الفاخرة والنادرة، حيث كانت تُحضّر بكميات قليلة جدًا في بعض المنازل التي تهتم بالحفاظ على التقاليد الأصيلة. وما يميز هذه السمبوسة ليس فقط جودتها العالية، بل أيضًا مكوناتها الفريدة التي تعتمد على النباتات المحلية الطازجة. قديمًا، كان يتم تقديمها مع قهوة القشر.
من أشهر أنواع السمبوسة التي كانت تُباع في عدن، تلك التي كان يقدمها زيد أحمد، الذي كان يقع محله في شارع رقم (9) بجانب مسجد الجبرتي في منطقة التواهي. كان يبيع السمبوسة بجميع أنواعها، بما في ذلك السمبوسة باللحم، والسمك، والجبن، والبيض، بالإضافة إلى السمبوسة التقليدية.

الباجية العدنية تُعد واحدة من أبرز المأكولات الشعبية، لا سيما خلال شهر رمضان المبارك. وتُحضّر الباجية العدنية من "الدُجرة" (العدس الأسود)، حيث تُبشر وتُطحن باستخدام مطحنة الحجر التقليدية، وكان يتم طحن "البسباس" (الفلفل) أيضًا باستخدام المطحنة نفسها. لاحقًا، بدأت الطواحين الحديثة تُستخدم لطحن "الدُجرة" في محلات بيع البهارات.
أما المشروبات، فقد اشتهرت في بداية الخمسينيات عصائر محلية تعرف بعصائر "عرفان"، كانت تُصنع من الفواكه مثل البرتقال، والليمون، والتمر الهندي (الحُمر)، واللوز، والرمان، بالإضافة إلى شراب البرتقال، والأناناس، والمانجو، وشراب رايبينا (Ribena). كما كانت هناك المشروبات الغازية مثل كوكا كولا، بيبسي، كوتر، كندا دراي، ستيم، كيتي كولا، ميرندا، سفن آب، بالإضافة إلى عصائر أخرى مثل عصير "القها" المصري. وكان هناك من يفضل تناول شراب زهرة الكركديه، بلونه الأحمر الطبيعي، الذي كان يُنتج في مصنع فلاكا لصاحبه علوي الكاف.

لمليت الفارسي هو مشروب رمضاني يحمل ذكريات جميلة، حيث كان الناس قبل أذان المغرب يشترونه من "البمبة" الخاصة بالفارسي، ثم يعودون به إلى منازلهم. كانت "البمبة" تصنع مشروب "اللمليت"، وهو من المشروبات الغازية التي كانت تُعبأ في قنينات، وجاءت تسميته من الكلمة الإنجليزية Lime Light.
- التكافل الاجتماعي في رمضان
كان لشهر رمضان في عدن تقاليد رمضانية جميلة تعكس روح التعاون والتكافل الاجتماعي بين الأهالي، ولا تزال بعض هذه التقاليد مستمرة حتى اليوم.
من العادات القديمة تحضير كميات كبيرة من المأكولات وتوزيعها على الجيران قبل موعد الإفطار. يتذكر البعض كيف كانت تُجمع ست إلى ثماني أسر لتناول الإفطار والعشاء معًا في منزل أحدهم، حيث كان المضيف يتكفل بتقديم الطعام للجميع. وكان الأطفال، عقب سماع أذان المغرب، يحملون الأواني المليئة بالمأكولات الرمضانية إلى منازل الجيران.

عادةً ما كانت هذه الموائد تحتوي على القهوة المعروفة بـ"القشر المزغولة" مع حبات التمر، بالإضافة إلى الشوربة، والسمبوسة، والباجية، والمدربش، والخمير الحالي، والشفوت، واللبنية. كانت هذه العادة تعزز المحبة والألفة بين الناس، حيث كان البعض يقومون بطبخ كميات كبيرة من الشوربة وتوزيعها على العديد من المنازل، بما في ذلك الفقراء.
كما كان الأطفال يدخلون إلى بيوت بعض الميسورين، فيجدون طاولات مليئة بمختلف الأطباق، حيث يأخذون منها ما يحتاجون، ومنهم من يتناول الطعام مباشرة.