> الستر من صفات الله تعالى
ففي هذا النص الشريف يبين النبي -عليه الصلاة والسلام -أن من أسماء الله تعالى: السِتِّير، ومن صفاته السَتر، فهو سبحانه وتعالى يحب الستر على عباده ويكره الفضح، ويأمر بتغطية القبائح والعورات وينهى عن إبدائها وكشفها.
وجوب ستر الإنسان نفسه
يحب الله من عبده إذا عصاه أن يستر نفسه، ولا يجاهر بذنوبه، ومتى فعل العبد ذلك ولم يظهر الله أمره بين الخلق ويفضحْه بينهم؛ فبشراه بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "لَا يَسْتُرُ اللهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا, إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
إن على المسلم إذا عصى مولاه، وانتصر عليه شيطانه وهواه، فوقع في ترك الواجبات، أو فعل بعض المحرمات؛ أن يستر نفسه، ولا يجاهر أمام الخلق؛ لأن المجاهرة بالخطايا جرأة على رب البرايا، وتشجيع للناس على ارتكاب الذنوب، وعصيان علام الغيوب، وفي المجاهرة أمارات استهانة وقلة حياء وضعف خوف من الله تعالى، وهذا ليس من المعافاة التي توصل إلى غفران المعاصي، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ بمعاصيه عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ".
عظم التعدي على فضح الناس
هذا إذا لم يعلم به صاحب القصور والزلل والعيب، أما إذا علم بأنه قد رأى منه ذلك فإنه يعظه في السر على التوبة من خطيئته، وستر عيبه، ويعده بأنه لن يحدث أحداً بجريرته.
عواقب كشف الإنسان عيوب غيره وتتبع عثراته
ومن العواقب الوخيمة لكشف ستر المسلمين: المشاركة في إثم ذلك الفعل؛ لأن نشره يجرِّئ الناس على فعل أمثاله. قال بعض السلف: "من سمع بفاحشة فأفشاها كان فيها كالذي بداها".
قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ".
فضل ستر المسلم غيره من المسلمين
قال بعض العلماء: "فهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم، ولم يحرك لسانه بذكر مساويهم، ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون لو سمعوه، فهذا جدير بأن يجازى بمثله في القيامة".
من لا ينبغي الستر عليهم
- وصنف ثالث وهو الذي قد عزم على فعل جريمة ولما يفعلها بعد وقد نصح على ترك الإقدام عليها، ولكنه لم يستجب، فهذا أيضًا لابد من رفع أمره إلى السلطة أو من يستطيع كفه عن جريمته.
فستر هؤلاء الأصناف وأمثالهم لا ينبغي؛ لأنه يؤدي إلى تماديهم ونشر فسادهم وأضرارهم بين العباد.
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ". وفي رواية: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ".
وجوب ستر الإنسان نفسه
يحب الله من عبده إذا عصاه أن يستر نفسه، ولا يجاهر بذنوبه، ومتى فعل العبد ذلك ولم يظهر الله أمره بين الخلق ويفضحْه بينهم؛ فبشراه بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "لَا يَسْتُرُ اللهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا, إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ولا ينال الإنسان هذه الفضيلة إلا إذا كان غير مجاهر ولا متمادٍ، ولعله صحبه خوف من الله في السر، وندم بعد الفعل، فهذا ينال هذا الجزاء الكريم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:" يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ-أي: ستره وعفوه-، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ".
عظم التعدي على فضح الناس
ولما كان الله تعالى ستِّيرًا يحب السَّتر من عباده على أنفسهم، فإنه كذلك يحب الستر منهم على غيرهم من الناس؛ فإن الناس بخير وأمان، وعز واطمئنان ما داموا مستورين، ولا يزالون متواصلين متحابين متعاونين ما لم تظهر بينهم العثرات والعيوب، وما لم يشهّروا بالهنات والذنوب.
وما أجمله من خلق، وأحسنه من صنع أن يرى الإنسان عيوب الناس فيسترها ولا يشهرها، ويكتمها ولا يظهرها، ويُغضي عنها، كأنه لم يرها ولم يسمعها.
وصاحب هذا الخلق الكريم إذا رأى أخاه المسلم قد وقع في خطيئة وحصلت منه زلة وكشف له منه عيب لا يحب انتشاره؛ فإنه يغض بصره عنه كأنه لم ير منه شيئًا.
عواقب كشف الإنسان عيوب غيره وتتبع عثراته
ومن العواقب الوخيمة لكشف ستر المسلمين: إفساد الناس، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:"إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ".
ومن صور هذا الإفساد: قلة الحياء من المعاصي والعيوب، وحصول القطيعة في المجتمع بين الناس، وربما وصلت الحال إلى العراك والقتال أو القتل، خاصة ما يحدث اليوم من نشر بعض الناس صوراً للنساء، فكم يسبب هذا الفعل من الفساد والإفساد والعداوة!.
ومن العواقب أيضا لكشف ستر المسلمين: أن يعاقب كاشف ستر المسلمين، والساعي في فضيحتهم بمثل فعله، والجزاء من جنس العمل.
فضل ستر المسلم غيره من المسلمين
إن الستر على المسلمين، وتغطية عيوبهم، والحرص على عدم كشف أسرارهم وما يستحيون من إشاعته؛ عبادة عظيمة لها فضل كبير، ولها بين الناس خير كثير:
فمن فضل الستر: أنه يعين العاصي على التوبة من عصيانه، ويقلل فشو الشرور في المجتمع المسلم، ويلقي على المذنب رداء السلامة والخير وترك المجاهرة، ويحبب الناس بعضهم إلى بعض.
ومن فضل الستر على الناس: أن ينال الساتر الأجر العظيم، والذكر الحسن الكريم:
قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"من ستر على مؤمنٍ عورةً؛ فكأنما أحيا موؤدةً".
ومن فضل الستر على الناس: أن يستر الله تعالى في الدنيا والآخرة من ستر مسلمًا، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:"وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
من لا ينبغي الستر عليهم
هناك ناس لا يُستَرون، بل يسعى الناس إلى كشف أمرهم؛ بغية إصلاح حالهم، وتسليمِ الناس من شرهم، ولكن بحكمة وقصد حسن، فمن تلك الأصناف:
- الإنسان المعروف بالشر والفساد، المتمادي في الغي والعناد، فهذا ينصح ويوعظ، فإن استمر في فجوره، وأبدى أمارات تكبره وغروره فإنه يرفع أمره إلى أجهزة الدولة.
- وصنف آخر وهو المعلن بفسقه، المجاهر بشره، فهذا لا محظور من التحدث عن جرائمه بغية التحذير منه، وإبعاد الناس عن ضرره؛ لأنه لا يبالي بالتحدث عن جرائره، بل ربما يفرح بذلك؛ طلبًا للشهرة.
فستر هؤلاء الأصناف وأمثالهم لا ينبغي؛ لأنه يؤدي إلى تماديهم ونشر فسادهم وأضرارهم بين العباد.