لم تكن علاقة الجنوبيين ودية مع نظام الائمة الزيديين وخاصة بيت حميد الدين، بل كانت عدوانية من جانب الأئمة تخللتها أزمات وحروب طاحنة.

لذلك تطوع العديد من أبناء القبائل الجنوبية للمشاركة في الدفاع عن انقلاب أو"ثورة 26 سبتمبر 1962" ضد الإمامة، التي دعمتها مصر عبدالناصر.

بعد عودة هؤلاء الشباب إلى قراهم وبالذات في ردفان حدثت اشتباكات مسلحة مع مجموعة من القوات البريطانية... فاستغلت الجبهة القومية هذا الحادث لإعلانه يوم انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963م بقيادتها هي.

ولطالما ظل الجنوبيون يقاومون الاحتلال البريطاني منذ احتلاله لعدن عام 1839م بكل الأشكال والوسائل الممكنة، فقد أيدوا ثورة 14 أكتوبر التي دعمتها أيضًا مصر عبدالناصر.

لكن الجبهة القومية التي تشكلت من سبع فصائل جنوبية هيمنت عليها حركة القوميين العرب التي تعمدت انتهاج سياسة يمننة الجنوب من خلال تغيير اسم الجبهة من الجبهة القومية لتحرير الجنوب العربي إلى الجبهة القومية لتحرير"جنوب اليمن".

وتجدر الإشارة إلى أن تأسيس اتحاد الجنوب العربي 11 فبراير 1959 كان قد قوبل بهجمة شرسة من جانب متبني المشروع اليمني، لأن الاتحاد كان سيؤسس لدولة جنوبية فيدرالية مزدهرة بعد خروج المستعمر البريطاني، من المهرة شرقا وحتى باب المندب غربا.

استعدت الجبهة القومية كل سلاطين وأمراء ومشايخ الجنوب وكبار الضباط والموظفين وحتى عقال المناطق والقرى اعتبرتهم "عملاء".

وأفشل الجناح اليساري المتطرف في الجبهة القومية برئاسة عبدالفتاح إسماعيل كل المحاولات الجنوبية والمصرية لتوحيد فصائل العمل الوطني بما فيهم سلاطين وأمراء الجنوب من خلال تشكيل منظمة التحرير وعقد مؤتمر توحيدي بينهم في الإسكندرية عام 1966م نتج عنه تشكيل جبهة التحرير.

حيث أعلن هذا الجناح المتشدد في اجتماع عقده في منطقة جبلة لواء إب عن رفضه لاتفاق الإسكندرية... ومهد هذا الإعلان لحرب أهلية طاحنة داخل مناطق الجنوب، مما أدى إلى سيطرة العناصر المتطرفة والمستهترة على حساب العناصر الناضجة والحريصة على وحدة وتماسك الجنوب.

أثناء مفاوضات الاستقلال مع الوفد البريطاني في جنيف نوفمبر 1967 كان ضغط الجناح المتطرف والمتشدد في الجبهة القومية يسير نحو تضييق الخناق على الجناح المعتدل ويتجه إلى خلق عزلة مطبقة للجنوب مع دول الخليج ومع الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.

لم يكن هذا بدافع النفس الثوري المتطرف فحسب، بل كان لعزل الجنوب وإجباره على اليمننة والتوجه الاشتراكي.

وبدلًا من تسمية دولة الاستقلال بجمهورية الجنوب العربي كما كان يجب، تم تسميتها بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

وما حدث بعد ذلك كان أخطر.