> فؤاد قائد جُباري:

  • زراعة فوق اللاممكن.. كيف صنع عبادي أسطورته الخضراء في جبال الضالع؟
  • جحاف تستفيق على حديقة نادرة تسافر زهورها من أربع قارات
> في أعالي مديرية جُحاف بالضالع، حيث تُعانق الجبال الشاهقة الغيوم وتحتض القمم الضباب، وتتناثر القرى كعقود من نور، وتختبئ الينابيع خجلا بين الصخور، وحيث يُعرف المكان بندرة المياه وقسوة التضاريس، ولدت حكاية استثنائية، تهمس فيها الأرض بسرٍّ لا يعرفه كثيرون. هناك، في قرية "قرنة"، وُلدت تجربة فريدة لا تشبه سواها، صنعها رجلٌ بسيط بإرادة خضراء وحلم لا يعرف حدودًا وحكاية ذات شغف وفن ووعي بيئيّ نادر، ليست قصة من كتب الخيال، بل واقع يزهر كل صباح، بطلها خالد عبادي حسن، الذي قرر أن يحول المستحيل إلى ممكن، وأن يزرع الحياة والجمال في أحضان الصخر.


  • حكاية تزهر في وسط صخور جبل جحاف
حين زرنا مديرية جحاف بمحافظة الضالع، دعانا الأستاذ خالد لزيارته في منزله الكائن في قرية "قرنة". وما إن وطأت أقدامنا المكان حتى أسرنا المشهد من الوهلة الأولى، مشهد يأخذك لعالم آخر، حيث ينفتح لك فضاء من الجمال الأخاذ وسط الجبال، فتستقبلك زهور مترفة، وأشجار تلامس السحاب، وثمار تتدلى بحنوٍّ في حضن الطبيعة، فيما يبهرك الأستاذ خالد بحفاوة استقبال رئعة وكرم جحافي أصيل.
  • معجزة خضراء في أحضان الجبال الصمّاء
في وسط قرية قَرنَة، إذ تشهر الصخور سيوفها في وجه الحياة، وتنذر شحّة المياه بعدم إمكانية الزراعة، يقف منزل خالد عبادي حسن (62 عامًا) شاهدًا على انتصار الإرادة الإنسانية. هنا، على ارتفاع يقارب 2000 متر عن سطح البحر، حول الأستاذ خالد فناء منزله الصخري إلى متحف بيئي مفتوح، ووجهة سياحية غير رسمية، ونموذج للزراعة المستحيلة.


بعد رحلة استغرقت أكثر من عقد من الزمن، أصبحت حديقته أول حديقة معلقة في مديرية جحاف، تضم أكثر من 50 نوعًا من النباتات القادمة من 4 قارات، وتنتج سنويًا مئات الكيلوجرامات من الفواكه والخضروات التي يوزعها مجانًا. هذا التقرير يروي قصة هذا الشغف، ويوثّق انطباعات الزوار، ويكشف التحديات، ويطرح تساؤلات عن غياب الدعم الرسمي.
  • بداية الحكاية، من شغف الطفولة إلى فسيفساء الحياة، هكذا ولدت الحديقة من رحم الصخور
يتحدث خالد وهو جالس في شرفته، وينظر إلى زاوية في الحديقة يتواجد فيها عصفور يبني عش له في أحد أغصان شجرة الفرسك، أن شغفه في الزراعة والتحديق يراوده منذ طفولته، لكنه بدأه فعليًا قبل أكثر من عشر سنوات، حين اتخذ قرارًا بأن يجعل من مساحة لا تتجاوز 100 متر مربع (20 × 5 م)، ذات طبيعة جبلية صخرية، واحة خضراء تتنفس الحياة. بدأ بزرع الفكرة في ذهنه أولًا ورأى هذه المساحات أمامه وكأنها قطعة قماش بحاجة إلى تلوينٍ وتزيين، ثم خطط بعناية، وقسم الفناء إلى أقسام هندسية مختلفة ذات مربعات ودوائر وأشكال أخرى تتناسب مع كل زاوية من الفناء، وخاطها بممرات رخامية جميلة، ومن ثم جلب لها التربة من الأودية، وشرع بزرعها وبذرها، ليُنشئ فسيفساء حية من الورود والأشجار والخضروات، حيث يتراقص اللون الأخضر في تناغم ساحر مع تدرجات الألوان الزهرية.
  • من بعد الفكرة إلى واقع نابض: قصة إرادة لا تعرف المستحيل
يواصل خالد:"قمت بتقسيم فناء المنزل إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم نباتات وأشجار الزينة، وقسم الفواكه، وقسم البقوليات والخضروات"، وبالرغم من أن مديرية جحاف تعد من أكثر المناطق عرضة للجفاف؛ حيث لا يتجاوز معدل هطول الأمطار 400 مم سنويًا وفقًا لسجلات مكتب الزراعة في المحافظة، فيما تشكل الصخور فيها نحو 80 %، لم يتراجع الأستاذ خالد عن حلمه، بل كان ينقل المياه من وسط مدينة الضالع على نفقته الخاصة ذهابًا وإيابًا في طريق وعرة تقدر بـ (15 كم)، وبمعدل ( 1000 لتر أسبوعيًا)، ثم شرع ببناء خزانات خرسانية لتجميع مياه الأمطار من سقف المنزل، والتي كلفته الكثير من الأموال، واستمر حتى تحقق له مؤخرًا الاستفادة الجزئية من الحاجز المائي الذي أنشئ في القرية إلى جانب خزانات المياه الخاصة به".


  • شُرفة الإبداع؛ حيث يلتقي الفن بالاسرتخاء وتتنفس الأرواح الجمال!
في الجهة الجنوبية الشرقية من منزله، شيّد الأستاذ خالد شُرفة دائرية رائعة، بُنيت باحتراف فوق سطح خزان الماء، وزينها بأعمال فنية مبهرة، صنعها من قصاصات الرخام والسيراميك المعاد تدويرها. هذه الشرفة ليست فقط مكانًا للجلوس والاسترخاء، بل لوحة فنية نابضة بالروح يحب أن يقضي وقته فيها من بعد الظهيرة حتى العصر، أو في المساء، مستمتعًا بالمنظر حوله بعد أن زودها بنوافذ زجاجية مطلة على الحديقة من كل جوانبها. أما أمام بوابة المنزل فيوجد مقاعد تم تصميمها على الطريقة الهندية يُحب أن يبدأ عليها يومه مع كوب قهوة وتمرات، يتأمل المشهد، ويتنفس النقاء، أو عندما يستقبل زواره.


  • جنة معلقة على كتف الجبل: عندما تزهر الذاكرة وتروى حكاية الطبيعة!
لا شك أنك عندما ترى محيط منزل الأستاذ خالد عبادي لأول مرة، تأسرك الدهشة وأنت تناظر واحة ربانية وكأنها جنان معلّقة على سفح الجبل، تتعانق فيها الورود من مختلف الألوان، تتراقص على ألحان النسيم، وتداعبك ثمار العنب والرمان والتين والفرسك والتفاح والبلس، بينما تفوح روائح الريحان والمشموم والشذاب والفل؛ فتأخذك في رحلة إلى ذاكرة الطفولة والطبيعة الأم.
  • بذور وشتلات لاتعرف الحدود: رحلة الأصناف النباتية من أربع قارات إلى قمم جبل جحاف!
يُؤكد الأستاذ خالد أن الأصناف النباتية التي زرعها ليست عشوائية ولم يتم جمعها بالسهولة، بل جُمعت بعناية من دول وقارات شتى، فمن الفجل بثلاثة أنواعه (الألماني، الروسي، المصري)، إلى شتلات الفواكه القادمة من تركيا وبريطانيا، والورود التي حمل بذورها الأصدقاء من بريطانيا وأمريكا، والشتلات التي جلبها معه من مصر أثناء رحلات العلاج.
  • عالم نباتي متكامل: تنوع بيولوجي نادر في صم الجبل!
تحتوي الحديقة على الكثير من النباتات والأشجار، ما جعلها مميزة ليس على مستوى مديرية جحاف فحسب، بل على مستوى المحافظة عمومًا، تتنوع بين أشجار الفاكهة، مثل: الرمان، والفرسك، والتفاح، والعنب، والبلس (نوعان: نوع نادر كبير الحجم جلبه من تركيا ونوع محلي)، والتين الشوكي، والعنبرود، والزيتون الشامي، والجوافة، والبرتقال اليوسفي، والباباي، والنباتات العطرية والطبية، مثل: الريحان والمشموم، والخوع، والفل، وإكليل الجبل، والعُثرب، والرنجس، والنعناع، والصبر، والشذاب (نبتة مهددة بالانقراض في مطنها الأصلي جحاف). وبالنسبة لأشجار الزينة والورود فقد حوت الحديقة على كثير من الأصناف، منها: الجهنمية (3 ألوان)، وإكليل الجبل، وجلد النمر (نوعان)، واليوكا، والورد الجوري (3 ألوان)، والصباريات (3 أنواع)، والورود العادية (4 أنواع). أما بالنسبة للخضروات والبقوليات، فتحتوي على الفلفل الحار بأصنافه المختلفة، والفجل (3 أنواع) والبصل، والحلبة، والحلف، والخس (نوعان) والكُبزرة والسبانخ، والخيار، والطماطم.


  • من واحة خاصة إلى ملاذ للجميع: حينما فاق الحب حدود الأسرة!
حين شرع الأستاذ خالد عبادي في إنشاء هذه الحديقة، لم يكن يطمح إلا لأن تكون واحة خاصة له ولعائلته، كأي إنسان يتوق للجمال والهدوء وسط الخضرة بجوار منزله. لم يتوقع أن يتحول هذا الحلم الشخصي إلى متنزه عام يقصده الزوار من مختلف مناطق الضالع وردفان وغيرها، باحثين عن الجمال والسكينة بين أحضان الطبيعة. والمدهش في هذه التجربة أن الأستاذ خالد وأسرته لا يتقاضون أي مقابل مادي، بل يستقبلون ضيوفهم بترحاب يليق بجحاف وأهلها، وبكرم ينبض من جبالها الشامخة وقلوب ساكنيها الكبيرة.
  • عندما يصبح المنزل قبلة للزائرين: كيف تحول صمت الجبل إلى قصيدة تتغنى بها الألسن؟
على مدار العام، يفتح الأستاذ خالد عبادي وأسرته أبواب حديقتهم لاستقبال مئات العائلات التي تأتي من مختلف المناطق للاستمتاع بسحر المكان وصفاء هوائه، وتزداد الزيارات كثافة في فصل الصيف حين يكتسي جبل جحاف بردائه الأخضر، ويغمره طقس معتدل يجعل من الحديقة وجهة مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية. وفيما يلي نستعرض بعضًا من انطباعات الزائرين الذين سحرهم هذا النموذج البيئي الفريد:


الأستاذ علي محسن سنان – مدير مكتب الثقافة الأسبق بمحافظة الضالع يقول:"سبق أن زرت حديقة منزل الأخ العزيز خالد عبادي بدعوة كريمة منه، وكان استقبالًا دافئًا، حيث أعد لنا أكياسًا من الخضروات الطازجة كهدية ترحيب. وقد لاحظت التطور الكبير في الحديقة، من حيث تنوع الأصناف وشبكة الري الحديثة، وأشجاره الجديدة كالزيتون الشامي. إنها تجربة زراعية مبهرة تستحق الدعم من الجهات المختصة."

ويضيف:"أناشد المهندس محمد ناجي حسين، مدير الزراعة، بدعم مثل هذه المبادرات التي تثري البيئة، وتُسهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتعد مصدر دخل كريم ومستدام."

الإعلامي رائد علي شائف – مدير دائرتي الثقافة والإعلام في المجلس الانتقالي بمحافظة الضالع يقول:"زرت حديقة الأستاذ خالد عبادي مرات عديدة، أولها لإعداد تقرير تلفزيوني، ثم أصبحت أزورها للراحة والاستجمام. ما يلفت الانتباه هو التنوع الكبير للورود المستوردة من الخارج، وترتيب الحديقة وأناقتها التي تشهد على شغف خالد بالجمال والطبيعة."

ويتابع:"منزل "أبو بشار" بات منتزهًا مفتوحًا، وقبلة لكل من يبحث عن الجمال الطبيعي والهدوء الروحي، في أجواء لا تتكرر."

الإعلامي علاء السلال، وهو صحفي ومراسل تلفزيوني وصانع محتوى، من جانبه تحدث عن زيارته للحديقة قائلًا:"في قرية قرنة بمديرية جُحاف بمحافظة الضالع يقف منزل قلّ أن نجد مثيلاً له؛ منزل مرصع بالدهشة ومطرز بتموجات السحر، فهو ليس مشتلاً ولا حديقة عامة، بل منزل تنفست فيه الأرض عشق صاحبه، فأنبتت توليبًا وجوريًا ونرجسًا بريًا، وأنواعًا مختلفة من الفواكه والخضروات والأشجار النادرة والجميلة حتى بدا وكأنه لوحة ربانية مفتوحة على السماء."


وأضاف: "صاحب هذا الجمال هو الأستاذ خالد عبادي حسن، الرجل الكريم المضياف الذي يستقبل زواره بابتسامة وحب، سواء عرفهم أو لم يعرفهم. منزله تحوّل في الآونة الأخيرة إلى قبلة لعشاق الطبيعة من كل المحافظات، وبات شاهدًا على علاقة الإنسان المتجذّر بأرضه، المشغوف بتراب عُجن بعرق الأجداد، تلك العلاقة التي لا تفيها الكلمات حقها."

ويختتم: "تحية لهذا الرجل بحجم الجمال الذي زرعه، وسحر الروح الذي بعثه في المكان."

الناشط الحقوقي والإعلامي أنيس راشد الشعيبي هو الآخر زار الحديقة، وقال معبرًا عن انطباعه:"بالنسبة لحديقة الأستاذ خالد عبادي حسن، فتُعد من أجمل الحدائق المنزلية التي شاهدتها في المنطقة؛ فبرغم شُحّ الإمكانيات، إلا أنها تضم جميع أنواع الأشجار والخضروات، وتبدو مكانًا رائعًا ومثاليًا للاسترخاء والاستمتاع بأجواء الطبيعة وهوائها النقي."

وأضاف: "يمكن أن تكون هذه الحديقة ملاذًا هادئًا للسكان المحليين وللزوار من كل مناطق الضالع وخارجها، ونتمنى من الجهات ذات العلاقة دعم هذا الرجل وتشجيعه لما يملكه من طموح في هذا الجانب."
  • أبناء الجبل يشهدون: كيف تحولت الصخور إلى واحة خضراء!
حديقة الأستاذ خالد ترك أثرًا جميلًا في نفوس أبناء المنطقة الذين عبروا عن فخرهم الكبير بما يقوم به والجمال الذي أضافه لقرية قرنة خصوصًا ومديرية جحاف عمومًا، فقد تحدث المواطن عبده عبادي سعيد، وهو من أهالي القرية، قائلًا:"الأستاذ خالد عبادي بدأ في تشييد حديقته منذ سنين، وكنا نشاهده وهو يعمل فيها بشكل متواصل بكل نشاط، حتى أننا كنا نتعجب عندما كان يقوم بشراء الماء وجلبه بسيارته لريها من وسط المدينة، في الوقت الذي نحن بأشد الاحتياج فيه لماء الشرب والاحتياج المنزلي! كنا نجهل ما يقوم به، حتى بدأ منزله يتحول إلى حديقة معلّقة وبدأ يُهدي الجيران وأهالي القرية من ثمارها وخضرواتها، عندها بدأنا نعي حقيقة هذا العمل الرائع."

وأضاف: "ما يقوم به أذهلنا قبل أن يُذهل أبناء باقي المناطق، وفي الحقيقة نشكر هذا الرجل العصامي على ما يقوم به من جهد رائع جعلنا نفتخر به ونتحدث عنه بكل فخر، فقد حوّل منطقتنا إلى قبلة للزوار والمتنزهين من خارج المديرية."

أما الشاب عيسى فضل قاسم وهو من أهالي قرية بَلَس في مديرية جحاف، فقد وصف منزل الأستاذ خالد بأنه "أصبح من أشهر المنازل في المديرية بل وفي المحافظة جمالًا وروعة"، مشيرًا إلى أن تجربته المُلهمة واصراره على تحدي الصعاب "حققت إنجازًا عظيمًا في جوانب شتى، بدءًا من الناحية الجمالية، ومرورًا بحفاظه على النباتات والبيئة، وانتهاءً بتقديمه وقتًا ممتعًا للزوار، فضلًا عن كميات الفواكه والخضروات التي يُوزّعها مجانًا."

وأضاف: "هذا كله يجعلنا نشعر بالفخر، وأتمنى أن نحذو جميعًا حذوه. فجحاف بيئة صالحة للزراعة، وتستحق منّا الاهتمام."
  • حصاد العطاء: رحلة الثمار التي لاتعرف الأسعار!
وبحسب الأستاذ خالد؛ فإن الحديقة تنتج من 100 - 300 كجم من كل نوع فاكهة في كل موسم جني خصوصًا الفرسك والرمان والجوافة، وذلك وفقًا لمذكرات أرشيفية يُدوّنها الأستاذ خالد بنفسه، ويتم توزيع هذه المنتجات مجانًا على الأقرباء وأهالي القرية وأيضًا للاستهلاك الشخصي، وحتى يُرسل جزءًا منها كـ"هدايا" إلى أصدقائه في مناطق ومحافظات أخرى وحتى إلى الخارج، كما أنه لا يغفل عن إسعاد الأهالي عند كل مناسبة بإهداءهم باقات من الورد الطبيعي في قوالب خاصة.

ثمار بلا شائبة: فلسفة النقاء التي تجعل حديقة خالد عبادي متفردة يلمس زوار الواحة الخضراء فرقًا واضحًا في ثمارها، حيث يؤكدون أنها تحتفظ بطعم أصيل نادرًا ما يجده المرء في الأسواق. ووفقًا للمرجعية الزراعية في المنطقة الحاج محمد قاسم القحطاني؛ فإن هذا التميز نتاج فلسفة زراعية فريدة تعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الانتظار حتى النضج الطبيعي الكامل للثمار، والامتناع التام عن استخدام المبيدات الكيميائية، والاعتماد على السماد العضوي الطبيعي. "هذه الطريقة التقليدية الذكية -رغم أنها تقلص الكميات المنتجة- إلا أنها تضمن أعلى معايير الجودة والنقاء"، يوضح القحطاني، مضيفًا: "ما يقدمه خالد عبادي هو إحياء للزراعة الأصيلة التي كادت تختفي، حيث تترك الثمار لتنضج تحت أشعة الشمس كما فعل أجدادنا". وتجسد هذه الفلسفة رؤية متكاملة تزاوج بين احترام الطبيعة والإصرار على التميز.
  • من الهواية إلى الخبرة: رحلة ذاتية صنعت خبيرًا زراعيًا بلا دعم!
ما يجعل تجربة الأستاذ خالد عبادي استثنائية هو أنها تمت بالكامل بجهده الذاتي وأسرته، دون أي دعم أو تمويل من جهات رسمية. فبمرور السنوات، تحول من مجرد هاوٍ إلى خبير زراعي متمرس يملك معرفة دقيقة بكل ما يتعلق بالنباتات: من مواعيد الزراعة والري، وخصائص كل نوع، وطرق الوقاية من الآفات، إلى أنواع التربة المناسبة والمواطن الأصلية لكل نبتة. كما أنه وزع نحو 80 شتلة من شتلات أشجار الجوافة والفرسك والبلس إلى مناطق عديدة داخل الضالع وعدن.


اليوم، وبعد أن أصبح مرجعًا زراعيًا في منطقته، يطمح خالد لتوسعة مشروعه ليصبح مركزًا للإرشاد الزراعي؛ حيث يقدم استشارات مجانية للمزارعين، ويأمل أن ينشئ مختبرًا زراعيًا لإنتاج المشاتل وتوزيعها مجانًا، إذا ما توفر له الدعم اللازم. هذه الرؤية الطموحة تطرح سؤالاً ملحاً: كم كان يمكن أن يكون تأثير هذا المشروع لو حظي بدعم مؤسسي حقيقي؟
  • صرخة مجتمعية: لماذا يترك هذا الجمال وحيدًا!؟
أصبحت حديقة الأستاذ خالد عبادي نموذجًا تنمويًا فريدًا يجمع بين الجمال والإنتاجية، مما دفع الأهالي والزوار إلى توجيه نداء عاجل للجهات المعنية بمحافظة الضالع ومديرية جحاف على وجه الخصوص، لدعم هذا الصرح الأخضر، الذي يحقق معادلة نادرة بين الاستدامة البيئية والتنمية الزراعية؛ فبينما يواصل الأستاذ خالد عطاءه اللامحدود دون دعم رسمي، يطالب المجتمع المحلي بتحويل هذه الواحة إلى مشتل مركزي ومركز تدريب زراعي، مؤكدين أن دعم هذا النموذج سيكون استثمارًا حقيقيًا في مستقبل المنطقة.
  • خاتمة خضراء: تجليات الحياة من قلب العزلة!
في أعلى السفوح، وتحت أنفاس الضباب العابر، اختار خالد عبادي أن يكتب فصله المختلف في كتاب الحياة، لا بالحبر، بل بالتراب والماء والنبات. وحين كانت الصخور تحت قدميه تنطق بالجفاف، بادرها بالعناية، فاستحالت بين يديه جنة معلّقة، تتدلّى منها ثمارٌ من أربع قارات، وتعبق أركانها بعطر الورد والريحان واليقين.

لم تكن حديقته مجرد فسحة خضراء، بل كانت إعلانًا بيئيًا صامتًا، يُجاهر بأن شعب الجنوب لا يزال حيًا، وأن في قرنة – جحاف، رجلًا يصالح الأرض كل يوم بزراعةٍ، ويبعث الأمل من بين شقوق الحجارة. هكذا، ومن قلب التحدي، وُلدت جنة خالد المعلّقة، لتخبرنا جميعًا: أن الحلم ممكن، وأن شعب الجنوب قادر على إنبات الجمال من العزلة، والحياة من الصخر.
  • بين الإنجاز والإهمال: تساؤلاتك مشروعة عن غياب الدعم الرسمي!
رغم النجاح الباهر الذي حققه الأستاذ خالد عبادي كنموذج للجمال وللزراعة المستدامة في بيئة جبلية قاسية، تبقى هناك تساؤلات عالقة: لماذا تظل مثل هذه المبادرات الفردية تعتمد على الجهود الذاتية دون دعم مؤسسي حقيقي؟

أين دور وزارة الزراعة والسلطات المحلية في تبني هذا النموذج وتعميمه؟

كيف يمكن تبرير إهمال مشروع يجمع بين الحفاظ على البيئة، ومكافحة التصحر، وتوفير الغذاء؟

هل يدرك صناع القرار قيمة تحويل مثل هذه التجارب إلى برامج تنموية تعود بالنفع على المنطقة بأكملها؟

الواضح أن الأستاذ خالد أثبت أن الإرادة قادرة على تحدي الصعوبات، لكن السؤال الأهم: متى ستتحول إرادة الأفراد إلى سياسات رسمية تدعم التنمية المستدامة في المناطق النائية؟