عندما يأتي المساء في عدن، لا يهبط كظل هادئ على المدينة، بل كستار ثقيل من الخيبات المتكررة.
المساء هنا ليس وقتًا للراحة، بل بداية لجولة جديدة من المكابدة.
ترتفع حرارة البيوت، وتتعرق الجدران، ويبدأ الأطفال في بكاء متصل، لا بسبب الجوع فحسب، بل لأنهم لا يعرفون كيف ينامون في الظلام والحر.
في الجنوب، لا يتحدث المواطن عن غلاء المعيشة كمجرد رقم اقتصادي، بل كعقوبة جماعية تُفرض على من لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون هنا.
الموظف بلا راتب منتظم.
المريض بلا دواء، والمعلم بلا طلاب، والمواطن بلا أمل واضح في نهاية هذا النفق الطويل.
"نحن على وشك الانهيار، لكننا لا زلنا نصمد قليلاً."
والمواطن بدوره، ينهار بصمت، ويصمد أيضًا قليلاً.
فليس أمامه إلا أن يتحمل، أن يعتاد، أن يتأقلم مع كل شيء... حتى مع اللاشيء.
عدن، التي علّمت المدن معنى المدنية، تقف اليوم على حافة الفوضى المعيشية، ويقف معها الجنوب كله، حائرًا بين صبرٍ جميل، وغضبٍ مكتوم.
عندما يأتي المساء في عدن، لا ينام الناس، بل يسهرون على همومهم... ويُصلّون كي يأتي صباح لا يشبه هذا الليل.
لكننا نُدرك، أن الفجر لن يأتي وحده، ما لم تُفتح أبواب الإرادة، وتستيقظ ضمائر القرار، وتعلو مصلحة الإنسان على مصلحة الكرسي.