سعادة دولة رئيس الوزراء سالم بن بريك المحترم.. السلام على من لا تزال في صدره بقية من حياة، وفي ضميره بقية من وطن، وفي قلبه موضع لصرخة إنسان.

دولة الرئيس، هل وصلك صدى الرسالة الأولى؟ هل قرأت كلماتها في هدوء الليل كما كتبناها؟ أم أن الرسالة ضاعت في زحام الوعود والتوجيهات التي نسمع جعجعتها ولا نرى طحينها؟.

نكتب إليك اليوم من ذات العتمة، لا جديد سوى أننا صرنا نحفظ مواعيد الانطفاء كماه نحفظ أعيادنا، ونعرف عدد ساعات الكهرباء كما يعرف المريض عدد حبوب الدواء الذي لا يملك ثمنه. نكتب إليك وكل شيء على حاله… إلا الصبر، فقد نفد.

أكتب إليك هذه المرة لا من نافذة هاتف مضيء، بل من جدار ساخن كالصفيح، من غرفة تشتعل فيها الجدران، ويختنق فيها الكبار دون الأطفال، وتتحول فيها الليالي إلى ساحة تعذيب بدون امل

أكتب إليك من عدن التي لم تعد تفرق بين النهار والليل، فالظلام سيد الجميع، والحرارة لهيب لا يرحم، والناس كأنهم في جحيم مفتوح على الأرض.

هذه ليست رسالة جديدة، بل هي استمرار لصوتٍ لم يسمع، وأنين لم يصغ إليه، ووجع لم يُحسّ. هذه ليست مجرد كلمات، بل شظايا من غضبٍ يتراكم في صدور الناس، لا تواسيه وعود، ولا تبلسمه بيانات صحفية، ولا تسكنه جولات مصورة وكلمات محفوظة.

في الرسالة الأولى، كتبنا إليك ونحن ننتظر، نرجو، نمد أيدينا في عتمة باحثين عن لمسة مسؤولية. أما اليوم، فنكتب إليك لا لنسأل، بل لنضع أمامك مرآة الحقيقة. مرآة لو نظرت فيها بصدق، لأدركت حجم الخراب الذي نعيشه، ولربما خجلت من كل "توجيه" لم يصل، ومن كل وعد لم يتحقق.

لقد اختنق المواطن من كثر التوجيهات وأغرقتموه بالتصريحات، ودفنتم صرخاته تحت عبارات جوفاء من نوع:

تم التوجيه… تجري المتابعة… تم تشكيل لجنة…

كل هذا الهراء البيروقراطي لم يضئ مصباحًا واحدًا في بيوت عدن.

دوله الرئيس، الشعب لا يريد بيانات تبث في القنوات، بل يريد نورًا في بيته المظلم.

لا يريد "توجيهات عاجلة" بل أفعالاً عاجلة.

لا يريد "متابعة حثيثة"، بل نتيجة ملموسة.

لقد شبعنا "العمل جاري على الحل"، و "تم تكليف اللجنة"، و"سيتم المحاسبة"، و"نهيب بالمؤسسات"، و"نوجه بسرعة المعالجة"... هذه الكلمات صارت في آذان الناس مرادفًا للخذلان.

دولة الرئيس المدن لا تنهار فجأة، بل تذبل تدريجاً… وعدن الآن ذبلت. ليست مدينة بلا كهرباء فقط، بل مدينة بلا روح، بلا طاقة.

نتحدث عن عدن كأنها مجرد منطقة إدارية بحاجة لخطة تشغيلية، بينما هي قلب يحترق. هي المدينة التي حملت الدولة على كتفيها يوم تخلى عنها الجميع، واليوم تترك وحدها تموت على يد الإهمال، والفساد، والتراخي.

وختامًا، إذا لم تكن الكهرباء في أولوياتكم، فاعلم أنكم خارج حسابات الناس، وإن لم تنيروا بيوت الفقراء، فلن ينير التاريخ أسماءكم، وإن لم ترفعوا الظلام عن عدن، فلن تقدروا على مواجهة نور الحقيقة حين يجيء.