> "الأيام" غرفة الأخبار:

قال تحليل نشره أمس مركز سوث24 للدراسات، إن جماعة الحوثي تواجه مرحلة غير مسبوقة من الغموض والتحديات في ظل التصعيد العسكري المتواصل ضد إيران، الداعم الأبرز للجماعة.

وأضاف التقرير أن الضربات الغربية الأخيرة، التي طالت منشآت نووية وعسكرية داخل الأراضي الإيرانية، قد تُحدث تحولًا جوهريًا في قدرة طهران على تمويل وتوجيه أذرعها المسلحة، وعلى رأسها الحوثيين في اليمن.

ووفقًا للمركز، فإن التصعيد العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل ضد البنية التحتية الإيرانية يأتي ضمن جهود تهدف إلى تحجيم النفوذ الإقليمي الإيراني، ووضع حد لتقدّم مشروعها النووي. واعتبر التقرير أن هذه الضربات، التي استهدفت مواقع استراتيجية وحيوية، قد تُفضي إلى تقويض قدرة طهران على الحفاظ على دورها التقليدي في دعم حلفائها الإقليميين، بما فيهم الحوثيين، الذين يشكلون أحد أبرز أذرعها في المنطقة.
  • الدعم الإيراني.. حجر الأساس
وتابع المركز أن جماعة الحوثي استفادت خلال السنوات الماضية من دعم متعدد الأوجه قدمته إيران، تمثل في التدريب العسكري، ونقل التكنولوجيا، وتقديم التسليح المتطور، وصولًا إلى الدعم السياسي والإعلامي. وقد مكنها هذا الدعم من توسيع سيطرتها داخل اليمن، وشن عمليات عبر الحدود، بما في ذلك استهداف السفن في البحر الأحمر، وتنفيذ هجمات ضد إسرائيل.

وأوضح التحليل أن هذا الدعم تركز بشكل كبير من خلال "الحرس الثوري الإيراني"، الذراع العسكرية والأمنية المسؤولة عن تنفيذ السياسات الخارجية لطهران. ومن خلال فيلق القدس، أشرف الحرس الثوري على نقل صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة إلى الحوثيين، كما تولى تقديم الاستشارات والتكتيكات القتالية المعقدة التي ساعدت الجماعة على تحقيق مكاسب ميدانية.

كما أشار التقرير إلى أن الحرس الثوري أرسل قادة عسكريين إلى اليمن، من أبرزهم العقيد رضا باسيني والقائد علي الرجبي، وأشرف على تدريب ما لا يقل عن 1100 عنصر حوثي داخل إيران، إضافة إلى تصنيع الأسلحة محليًا في اليمن بقيادة فريق إيراني متخصص، ما عزز من قدرة الجماعة على الاستمرار رغم الحصار والقيود المفروضة.
  • شبكة تمويل معقدة
ولفت تحليل سوث24 إلى أن الدعم الإيراني للحوثيين لم يقتصر على البعد العسكري، بل شمل كذلك بناء شبكة مالية واسعة تمكّنت من التغلّب على العقوبات الدولية باستخدام أدوات مثل العملات المشفرة، وشركات شحن وهمية، ومكاتب صرافة في الصين وماليزيا.

وبحسب التقرير، فإن العقوبات الأمريكية الأخيرة طالت شبكة تمويل كبيرة مرتبطة بالحرس الثوري وفيلق القدس، يقودها سعيد الجمل، وتشمل شخصيات حوثية بارزة مثل هاشم إسماعيل المدني، محافظ البنك المركزي في صنعاء، وأحمد محمد الهادي، الذي تولى إدارة عمليات غسل الأموال والتحويلات.

وأضاف التقرير أن هذه الشبكة مولت الحوثيين عبر عمليات مرتبطة ببيع النفط الإيراني، وشملت أسماء مثل محمد علي من شركة الثور للصرافة، وعبدالله الجمل، وخالد الحازمي، بالإضافة إلى شخصيات لوجستية مثل وائل الودود وعمر الحاج، الذين تولوا تنسيق عمليات تهريب الأسلحة عبر القرن الأفريقي.
  • تداعيات الضربات على الحوثيين
وأشار تقرير سوث24 إلى أن استهداف مراكز القيادة والسيطرة داخل إيران، لاسيما تلك التابعة لفيلق القدس، قد يؤثر بشكل مباشر على قدرة طهران في توجيه وإمداد الحوثيين، ويضعف من مستوى التنسيق والقدرات الميدانية للجماعة.

كما حذر التقرير من أن تراجع الدعم الإيراني سيلقي بظلاله على فعالية الجماعة، خاصة في حال تعثر خطوط الإمداد البحرية أو الجوية، ما سيؤثر سلبًا على قدراتهم القتالية، لا سيما في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.

وأوضح أن استمرار العقوبات الدولية والوضع الاقتصادي المتردي داخل إيران قد يُجبر طهران على تقليص دعمها المالي والعسكري للجماعة. وفي حال تحقق ذلك، قد تُجبر جماعة الحوثي على إعادة النظر في استراتيجيتها وتحالفاتها، والبحث عن مصادر دعم بديلة.
  • خيارات الجماعة.. وقيود الواقع
قال التحليل إن مستقبل جماعة الحوثي في ظل هذا المشهد الإقليمي المعقّد بات رهينة لقدرتها على التكيف مع بيئة تفتقر للدعم الخارجي التقليدي. وتابع التقرير أن الجماعة قد تسعى لتعزيز علاقاتها مع قوى كبرى كروسيا أو الصين، إلا أن هذه الرهانات محفوفة بالتحديات؛ إذ لا تبدي هذه الدول استعدادًا للانخراط المباشر في الصراع اليمني، نظرًا لتكلفته السياسية والإنسانية.

وأضاف أن الحوثيين لا يملكون أوراق ضغط كافية لجذب تحالفات استراتيجية مع هذه القوى، كما أن المسافات الجغرافية وضعف الروابط التاريخية والمصالح المشتركة تجعل مثل هذه التحالفات في حكم المحدودة والطارئة، إن وُجدت أصلًا.

ولم يستبعد التقرير أن تحاول الجماعة تطوير قدراتها الذاتية في مجال تصنيع الأسلحة وتعزيز بنيتها التحتية العسكرية، إلا أن هذا الخيار يتطلب موارد وغطاء تقني يصعب توفيره دون مساعدة خارجية.
  • خطر التآكل الداخلي
وفي جانب آخر، حذر تحليل سوث24 من أن غياب الدور الإيراني قد ينعكس على التماسك التنظيمي داخل جماعة الحوثي، مشيرًا إلى احتمال نشوء صراعات داخلية بين أجنحتها المختلفة نتيجة غياب الوسيط الإيراني الذي لعب دورًا في ضبط التوازنات.

وأضاف أن الجماعة قد تواجه أزمات داخلية بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرتها، ما قد يؤدي إلى تآكل شعبيتها ويصعّب من قدرتها على الاحتفاظ بالولاء الشعبي، لا سيما إذا فشلت في تبرير استمرار مشروعها السياسي وسط ضغوط معيشية خانقة.
  • مستقبل غامض.. واختبارات صعبة
واختتم مركز سوث24 للدراسات تحليله بالتأكيد على أن الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار جماعة الحوثي، خاصة إذا استمرت الضربات الغربية ضد إيران وتصاعدت وتيرتها. فبين ضغوط التمويل، وتعثر الإمداد العسكري، وتنامي السخط الشعبي، تواجه الجماعة احتمال الدخول في مرحلة تراجع استراتيجي.

وخلص التقرير إلى أن مستقبل الحوثيين بات محاطًا بالضبابية، إذ يواجهون معادلة جديدة تتطلب إما إعادة تشكيل تحالفاتهم الخارجية في ظل بيئة دولية شديدة التعقيد، أو التراجع تحت وطأة فقدان الدعم الإيراني الذي طالما كان شريان الحياة الأساسي للجماعة.