كُتب الكثير عن تظاهرة نساء عدن، وقيل فيهن شعر، واتُخذت مواقف، وارتُسمت تحليلات سياسية، واستُخدمت صورهن وأصواتهن لرسم ملامح ما بعد اللحظة. لكن ما لم يُكتب بعد، هو صدى هذا الحضور النسوي في وجدان المدينة، وفي عمق الوعي الجمعي الجنوبي، حين تقف المرأة وتقول: "أنا هنا".

لم تكن التظاهرة مجرّد مشهد احتجاجي أو انفعال عابر. كانت موقفًا متجذرًا، ورسالة مشحونة بالكرامة والغضب النبيل، في زمن خفتت فيه الأصوات، خرجت النساء في عدن ليكسرن الصمت، ويعدن ضبط البوصلة، ويفرضن على الجميع أن يستمعن لنبض الشارع لا لصدى المكاتب.

المرأة العدنية لم تكن يومًا تابعًا، بل كانت دومًا في صدارة المشهد الاجتماعي والسياسي. حضورها ليس طارئًا ولا طارئًا عليه، بل هو ركيزة في مدنية عدن، تلك المدنية التي لا تختزل في العمران، بل تتجلى في السلوك والفكرة والموقف.

من قال إن الدور النسوي يُختزل في الحيز الخاص؟ ومن ادّعى أن النساء مؤيدات فقط لا فاعلات؟ في عدن، كانت المرأة دومًا الميزان، المعادل الذي لا يميل، والصوت الذي لا يُزوّر. وحين تتقدم النساء صفوف المطالبين بحقوقهم، فإن ذلك لا يعني غياب الرجال، بل يعني أن الوجع بلغ مداه، وأن الشراكة في الهمّ تفرض الشراكة في الموقف.

ليست هذه التظاهرة "لحظة"، بل "علامة". علامة فارقة تقول: إن المرأة الجنوبية ليست فقط أمًّا ومربية، بل رائدة وصاحبة قضية، وشريكة في صناعة المواقف. حضورها هو إحياء للمعنى الحقيقي للمجتمع، الذي لا يستقيم حين يُقصى نصفه.

إن دلالات المشاركة النسوية تتجاوز الشعارات. إنها تمهر الواقع ببصمة لا يماثلها أثر. فحيثما وجدت المرأة، وُجد التوازن، وُجد الوعي، وُجد التصميم على رفض الانكسار. هي ليست فقط صوت الضمير، بل نبضه الحيّ.

عدن اليوم، عبر نسائها، قالت الكثير. ولا يجوز بعد الآن لأي جهة أن تتحدث عن الجنوب دون أن تضع صوت المرأة في صلب المعادلة. فالمجتمعات التي تهمل دور نسائها، تهمل جزءًا من روحها، وتخسر نصف قوتها.

في الختام، لم تكن التظاهرة مجرد فعل رمزي، بل خطوة أولى في درب طويل، تُرسم فيه الملامح القادمة بعد أن عُرّي الواقع، ولم يعد الصمت خيارًا. والمرأة العدنية، كما عهدناها، كانت وستظل دائمًا في مقدمة المراحل الحاسمة.