> «الأيام» عن «العربي الجديد»
بات اسم الجنرال الهولندي، باتريك كاميرت، الاسم الأكثر تداولاً في الأوساط السياسية اليمنية، خلال الأيام الأخيرة، بعد إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيثس، أن العسكري الخبير في الشؤون الأفريقية، سيقود قوات أممية معنية بالإشراف على التهدئة في مدينة الحديدة، وذلك في إطار الاتفاق الذي أعلنته الأمم المتحدة في ختام مشاورات السويد. لكن تفسير ما تم التفاهم حوله في مشاورات السويد بشأن الحديدة، يختلف بين الحكومة الشرعية والحوثيين. كما أن للوسيط الأممي تفسيره الخاص، على نحوٍ يجعل الوضع في مدينة الحديدة مفتوحاً على كافة الاحتمالات، وسط مخاوف من انهيار كلي للتفاهمات بعدما اشتعلت المدينة ومناطق أخرى قريبة منها، مجدداً ليل السبت الأحد، بمواجهات وغارات هي الاعنف منذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.
وكشف مصدر يمني مقرب من الوفد الحكومي المفاوض أن الجانب الحكومي لم يكن يعلم بشأن خطوة الأمم المتحدة بالإعلان عن قوات أممية (قوات حفظ سلام)، على اعتبار أن الاتفاق كان يتحدث عن مراقبين، ويفترض أن يفضي إلى انسحاب مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومعها المدينة (مركز المحافظة). وسبق أن أعلن رئيس الوفد الحكومي المفاوض، وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، خلال مشاورات السويد، عن رفض الوفد الحكومي مقترح نشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في ميناء الحديدة.
لكن الجدل بشأن الموضوع عاد مع إعلان المبعوث الأممي، أمام جلسة خاصة حول اليمن عقدها أعضاء مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الماضي، عن أحد أهم مقتضيات الاتفاق، حين دعا إلى إنشاء نظام مراقبة لتطبيق الهدنة في الحديدة، وقال: «إن الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كاميرت الذي سبق أن قاد بعثات للأمم المتحدة، وافق على ترؤس آلية المراقبة»، في إشارة على ما يبدو إلى اللجنة المعنية بالإشراف على الخطوات الأمنية المطلوبة في الحديدة، تحت مسمى «لجنة الإشراف على عملية إعادة الانتشار»، على أن تضم اللجنة أعضاء من الحكومة اليمنية ومن الحوثيين.
وأثار تصريح جريفيثس موجة تعليقات يمنية في مواقع التواصل الاجتماعي وصفته بـ «قائد قوات حفظ السلام»، التي ستتسلم ميناء الحديدة، وتشرف على وقف إطلاق النار. وعبّر يمنيون عن مخاوفهم إزاء خطوة كهذه على اعتبار أن من شأنها إتاحة المجال للمزيد من التدويل للأزمة. ورأى بعضهم أن تأمين خطوط الإمدادات عبر الحديدة، التي تعد الشريان اليمني، قد يطيل من عمر الحرب الداخلية في الجبهات الأخرى الأقل أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي، أو يرسّخ وضع الانقسام، بتطبيع حدود السيطرة حالياً بين المحافظات والمناطق المختلفة، ما لم تتزامن إجراءات الحديدة مع حلٍ شاملٍ وإجراءات تنفيذية تقود إلى إنهاء الحرب.
ترى الحكومة أن الاتفاق يقضي بانسحاب الحوثيين، وبتعبير نائب رئيس الوفد المفاوض عن الحكومة، عبدالله العليمي، في تصريحات الجمعة الماضي، فإن «اتفاق ستوكهولم بخصوص الحديدة يؤدي في محصلته إلى خروج المليشيات الحوثية من الحديدة، وتسلم السلطة الشرعية مسؤولية الأمن وإدارة المؤسسات بشكل كامل». ويضيف أن «هذا ما يفهمه كل العالم باستثناء الوفد الحوثي الذي ما يزال يسوق الوهم لاتباعه وحليفته إيران».
في المقابل، قال رئيس وفد الحوثيين المفاوض، محمد عبدالسلام، في تصريحات صحافية لدى وصول الوفد إلى صنعاء: إن «المرحلة الأولى من اتفاق الحديدة الذي تم التوافق عليه في مشاورات السويد هي وقف العمليات العسكرية»، وانسحاب ما وصفه بـ»القوات الغازية التي وصلت لأطراف المدينة» (في إشارة إلى قوات الشرعية والتحالف). أما المرحلة الثانية بالنسبة له فهي «إيقاف المظاهر العسكرية فيها، وعدم وجود تهديد على المدينة من أي طرف». ووفقاً لتفسير الحوثيين، يلزم الاتفاق قوات الشرعية بالانسحاب من أطراف المدينة، وإزالة المظاهر المسلحة للقوات التابعة للجماعة (وليس انسحابها).
وفي مقابل اعتبار الشرعية أن السلطة المحلية المعنية بإدارة مدينة الحديدة، هي التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، رأى عبد السلام أن «السلطات المحلية القائمة حالياً (التابعة للحوثيين) ستكون هي السلطات الرسمية في الحديدة بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وهي من تشرف على الملف الأمني، وأن القوات التي ستعمل في موانئ محافظة الحديدة هي قوات الأمن المحلية». وهذه القوات الأمنية تعد بمثابة لغم إضافي، إذ ليس واضحاً من هي «قوات الأمن المحلية» على وجه التحديد، وكل طرف يرى أنها ستكون تابعة له، حتى بالنسبة للأمم المتحدة، الطرف الثالث - الوسيط.
وتثير الثغرات والتباينات في التعريفات المقدمة لمقتضيات اتفاق الحديدة، التساؤلات، عن ظروف موافقة الطرفين عليه في ختام مشاورات ستوكهولم السويدية الخميس الماضي، لكن من دون وجود أي توقيع على الاتفاق المعلن بنهاية المشاورات. وفي السياق، تتحدث تسريبات عن أن أعضاء الوفد الحكومي كانوا يعارضون الصيغة المقترحة بشأن الحديدة، قبل أن تفضي ضغوط التحالف العربي إلى دفع الجانب الحكومي للموافقة. وكانتا السعودية والإمارات أظهرتا ترحيباً واضحاً منذ الساعات الأولى لإعلان السويد. وفسر ذلك على أنه رغبة في التخفيف من الضغوط التي تتعرض لها السعودية في أعقاب جريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي.