> «الأيام» عن الأندبندنت عربية
عجيب أن تتحول قِطع من لحاء خشب شجر الجوز بين يديه إلى بلبلٍ يغرّدُ طليقاً خارج قفصه، يرتحل بمستمعيه إلى عوالم مسكونة بالحزن والفرح كحال الشرق مذ ولِدت فيه آلة العود الموسيقية قبل آلاف السنين في بلاد بين النهرين والجزيرة السورية، تذرفُ على أوتارها أوجاعاً وحبوراً، وتنسكب من ريشة العود على الوتر حكايا الحب والحرب وكل الأساطير.
البداية هواية
وليس غريباً أن يكتنز قلب صانع الأعواد حبه للعود في مرحلة التسعينات من القرن المنصرم حين حطّ رحاله آتياً من مدينة الزيتون السوري، إدلب شمال غربي سوريا، إلى مدينة الطرب الأصيل حلب، ليزداد عِشقه بعد أن أنهى إصلاح رابع آلة عودٍ تأتي إليه من أصدقائه مندفعاً حينها إلى شيخ كار صناع الأعواد محمد رجب، طالباً حرفته وهو طالبُ علمٍ، مرتاداً ورشته كل يوم بعد أن ينهي محاضراته في الكلية.
تحسينات للآلة
وكما الموسيقي "زرياب" الذي أضاف الوتر الخامس للعود، لم يكتفِ سُكر بعد سنوات من العمل بإنتاج (عود) نمطي، بل دفع بنفسه إلى البحث والتقصي وبذل قصارى جهده لتحديث الآلة من باب العلم، مسخّراً خبرته ودراسته الأكاديمية بميكانيك الآلات، وبعد تجارب علمية وأبحاث توصل إلى العديد من العيوب، وانكفأ على إجراء ما يشبه التعديلات والتحسينات لثغرات في صلب الآلة.
أسرار الخشب
أسهب صانع الأعواد بالتعرف إلى خفايا العود بالتزامن مع إنتاج الآلات الأخرى مثل البزق والقانون وحقائب جديدة لتغليف الأعواد وحمايتها من الكسر، وهي الأولى من نوعها محلياً في البلاد، وشَغَلهُ العمل على خفايا بصمة الخشب لسنوات حتى تمكن بعد بحثٍ علمي كما يقول من "كشف العيوب والثغرات ومنها انحناء يحدث للعود، لهذا قمت بتعديلات وتركيب أدوات تمنع حدوث هذه الثغرة نهائياً ومنها انتشرت طريقتي لدى كثير من الورش".

من ورشة عمل صانع اله العود السوري
صناعة لا تتوقف
لم يتوقف شغف مبدع الأعواد على صناعة الآلة، بل صنع الأوتار بنفسه، منتقلاً بعدها لصناعة آلات خاصة لتصنيع العود، وأخذت أشجار الغوطة الدمشقية تصل ورشته في مدينة حلب ليعيدها إلى دمشق ومختلف المحافظات السورية إبداعاً، على الرغم من أنه يشكو من قلة الأخشاب الواصلة بسبب ظروف الحرب، لكنه لم ولن يتوقف عن العمل، ومع ذلك يكشفُ أنه خلال السنوات الماضية خرج صنّاع للأعواد جدد وأنتجوا الكثير منها.
تحسين الإنتاج
لا ينسى عام 1992 حين بدأ بالعمل والإنتاج، كانت مرحلة الانفتاح السوري على العالم بعد حصار دام فترة من الزمن، ووفر هذا الانفتاح طرق الشحن ووسائل الاتصال والمواصلات، وساعدته بذلك القدرة على إيصال الأعواد لبلدان ودول الخليج والمغرب العربي مع مشاركته بمعارض ومؤتمرات دولية.
قيمة العود
وتبلغ اليوم قيمة العود في الأسواق ما بين 200 دولار أمريكي إلى 500 دولار كحد وسطي، بينما ترتفع قيمته بحسب جودة العود وكمية الوقت والنقوش والزخارف وعوامل ثانية تزيد من سعره، لكن بالعموم، قيمة الآلة ازدادت بسبب زيادة تكاليف إنتاجه، والإقبال على شراء العود السوري لجودته إلى جانب العود العراقي.