> عبدالله ناصر العولقي

لقد أفرزت الحرب العبثية التي مرت عليها أكثر من خمس سنوات تداعيات قاسية، وقد حصدت أرواح عشرات الآلاف ودمرت الاقتصاد، وتسببت في توقف كثير من الرحلات الجوية والبحرية، وعطلت بعض المرافق الهامة، كما حدث توقف مؤقت لمدارس وكليات، وكل ذلك أنهك البلاد والعباد، وما زالت الحرب ولسنوات خلت تدور في حلقة مفرغة، فلم تلوح في الأفق بوادر لحسم هذه الحرب التي توقفت عند منتصف الطريق، دون إحراز أي إنجاز يذكر سوى ارتفاع عدد ضحاياها، واستمرار بلاياها، ولا يزال الإعلام الحربي مستمراً في تضليله طوال نهاره وليله، بينما ما يجري على الأرض هو كر وفر وتقدم يلحقه تقهقر وتحرير مناطق سرعان ما يستولي عليها العدو أو ربما تسلم له، لذلك لم تبرح الحرب مكانها، وحافظت لسنوات خلت على البقاء في منتصف الطريق!.

وبالمقارنة بين تداعيات فيروس كورونا وتداعيات الحرب نجد أن هناك تقارباً في تداعياتهما وبعض التشابه في كوارثهما، فقد أحدث تفشي فيروس كورونا السريع الانتشار هلع عظيم في معظم دول العالم، وقد اتخذت دول كبرى وصغرى تدابير صعبة وقاسية، للحد من انتشاره، جعل شوارع مدن وعواصم دول كبرى خالية من المارة ودفع بعض الدول لفرض حظر التجول وعزل مدنها.

كان أول ظهور لهذا لفيروس كورونا ومداهمته لآلاف الناس في مدينة ووهان، منذ ما يقارب من شهرين، وكما يبدو كان ذلك بمثابة صدمة قوية أربكت الصين فلم تتخذ إجراءات سريعة وصارمة لمحاصرته حينها ومنذ أيامه الأولى، فلم تفق من صدمتها إلا بعد أن هوت أرواح العشرات إلى حتفها، وبعد أن داهم ذلك العدو المئات من المواطنين والأجانب، وأيضا بعد أن تسربت عشرات الحالات المصابة إلى خارج حدود الصين في رحلتها المرعبة لدول عديدة لتنقل الفيروس وتنشره بين سكان تلك الدول، ومنها عاود انتقاله إلى دول أخرى مجاورة وبعيدة أيضا، ليبلغ ويصل إلى دول وشعوب كثيرة في مختلف قارات العالم، ويحدث هزة قوية في جميع أرجاء البسيطة، حين هاجم أجساد عشرات الآلاف من البشر وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف مصاب، وأنهك اقتصاد دول غنية، وأحدث أزمات مالية ثقيلة، وتسبب في إغلاق مطارات، وهدد شركات عديدة بالإفلاس، منها شركات طيران ونقل بري وبحري، وتسبب في إغلاق مدارس وكليات ودور عبادة، وأوقف الحركة السياحة في أكبر المدن السياحية في العالم، كما تسبب في إلغاء مباريات كرة القدم، وفعاليات رياضية عديدة في مختلف دول العالم.

مثلت الصين أكبر بؤرة لتفشي الفيروس، ولكن بفضل الإجراءات الصارمة والتدابير السليمة التي اتخذتها، والتي تمثل ذخيرة يجدر استخدامها في بقية دول العالم من أجل حصر وعزل هذا الوباء، والحد من انتشاره، فقد استطاعت الصين وقف انتشار هذا الفيروس، حيث لم تعد تسجل حالات جديدة فيها، عدا ما تدخل من الخارج، وتتمكن أيضاً من رصدها، وذلك عكس ما حدث في دول أوربية عديدة، وعلى رأسها إيطاليا، التي تهاونت في تعاملها مع هذا الفيروس، فتعامل الصين في مكافحة هذا الوباء حمل في طياته قساوة كبيرة مع السكان، بل ربما حمل بعض ملامح الظلم، ولكن ذلك التعامل الظالم كان في حقيقته يمثل قمة الرحمة حيث أنقذ أرواح كثيرة من الهلاك، وتم عزل الفيروس السريع الانتشار عن مئات الملايين في البلاد، وبذلك أثبتت الصين وبلا منازع نجاح حكمتها وحسن تدبيرها في مواجهة جائحة كورونا.