> د. حمود ناصر القدمي
يتزايد الحراك الدولي والإقليمي بشأن الأزمة اليمنية في الفترة الأخيرة، تحت شعار أن الحوار هو السبيل الأمثل لإحلال السلام في اليمن الجريح منذ نحو ثماني سنوات مضت، سالت فيها الدماء وأُزهقت الأرواح وشُرِّدت النفوس، بسبب الانقلاب الحوثي على الشرعية، وما أعقبه من انتهاكات للمليشيا.
فهل هناك من سبيل لحل هذه الأزمة؟ وهل ما يجري من محادثات بين المكونين الإقليمي والدولي سيفضي إلى إحلال سلام حقيقي في هذا البلد؟
كل تلك التساؤلات يمكن الإجابة عنها بعد استعراض مواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية من الصراع اليمني، لنستشف منها صدق النيات من عدمه، وكذا توجهاتها المحكومة بمصالحها في المنطقة.- فجوة محلية:
باستعراض مواقف الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثيين، نجدهما يتحدثان عن السلام كهدف رئيسي يسعيان إليه، وكلا الطرفين يرفع شعار السلام أمام الشعب اليمني والأطراف الدولية. لكن واقع الحال يشير إلى تباعد المواقف وعدم إيجاد حل لدى الأطراف الداخلية؛ لأنها تتصارع بتدخلات خارجية تحكم إيقاع هذا الصراع وفقاً لمصالحها. وبالتالي فإن حل الصراع اليمني لن يتأتى إلا بتوافق خارجي؛ إقليمي ودولي، وهو ما نفتقده في الوقت الراهن.
وعند تناول موقف السلطة الشرعية، نجده نابعاً من قواعد وأسس دستورية وشرعية دولية وقرارات أُممية ومبادرة خليجية، وهي قواعد تأسست قبل وبعد أن اشتعلت نار الحرب بسبب سيطرة مليشيا عقائدية على السلطة بقوة السلاح. لذلك نجد سقف مواقف الشرعية يأتي بين حين وآخر على لسان قادتها، لأنها ترى، ومن خلال تجربتها مع مليشيا الحوثيين عبر عقدين من الزمن، عدم مصداقية المليشيا في كل شعاراتها تجاه السلام.
ففي تصريح لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، يوم 22 ديسمبر الماضي، وأثناء لقائه وفداً من البرلمان الأوروبي، طالب المجتمع الدولي بتصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية، بالنظر إلى ممارساتها وانتهاكاتها الفظيعة للقانون الدولي التي فاقت فيها تنظيمي القاعدة وداعش، وحلفاءها في الحرس الثوري الإيراني. وقبل ذلك وأثناء لقائه بممثل الأمم المتحدة لدى اليمن، هانس غروندبرغ، في 3 أكتوبر الماضي، وصف العليمي موقف الحوثيين بالمُعادي لجهود السلام، في ظل تقديم السلطة الشرعية التنازلات لتخفيف الأزمة الإنسانية. كما نبه العليمي الوسطاء الإقليميين والدوليين لخطورة الإذعان لابتزاز المليشيات الحوثية، وتجاهل انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان، وأفكارها العقائدية المتطرفة وارتباطاتها المدمرة بالمشروع الإيراني التخريبي العابر للحدود، وما يتطلبه ذلك من إجراءات عقابية رادعة، وفي المقدمة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. كل هذه التصريحات تشير إلى أن موقف جبهة الشرعية نابع من تجارب سابقة بعدم الوثوق في المليشيا الانقلابية؛ لأنها خاضعة للمشروع الإيراني في المنطقة ومرتبطة بتنفيذه وليس لها أي قرار مستقل. كما تشير هذه المواقف إلى إيمان الشرعية العميق بأن تحقيق السلام مع هذه الجماعة بالوسائل السياسية لن ينجح.
- خلافات إقليمية:
نستهل بموقف المملكة العربية السعودية باعتبارها من تقود التحالف الداعم للشرعية، ففي تصريح لوزير خارجيتها، الأمير فيصل بن فرحان، حول الشأن اليمني، خلال إحدى جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، يوم 18 يناير 2023، أوضح أن الصراع المستمر في اليمن منذ ثمانية أعوام لن يُحل إلا من خلال تسوية سياسية، وأن هذا يجب أن يكون محور التركيز، وأضاف أن بالإمكان القول إن هناك تقدماً يُحرز لكن لا يزال هناك عمل يتعين القيام به. ومضى قائلاً إن المطلوب الآن هو إيجاد طريقة لإعادة العمل بالهدنة وتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، لكنه أشار إلى أن إمكانية حدوث ذلك أمر غير واضح الآن، وأن هناك عقبات كبيرة على الطريق.
وعلى الرغم من وجود تقارير إعلامية مثل تلك التي نشرتها وكالة "أسوشيتد برس" في 17 يناير 2023، عن وجود محادثات أو تفاهمات سعودية حوثية "سرية"، أملاً في استمرار وقف إطلاق النار ووضع مسار تفاوضي لإنهاء الحرب في اليمن؛ فإنه لا توجد تأكيدات رسمية من أي من الطرفين لذلك، بيد أن سلطنة عُمان تمثل وسيطاً يلتقيه الجانبان السعودي والحوثي، وقد تكون هناك رسائل ينقلها الطرف العُماني بينهما.
وبشكل عام، أسهم التحالف العربي في تثبيت الهدن المتتالية في اليمن، لكن رؤيته لإحلال السلام ما زالت غير واضحة بسبب مواقف مليشيا الحوثيين المتصلبة والتي تريد سلاماً بمفهومها ووفق رؤيتها حول "ولاية الفقيه" وارتباطها العقائدي والفكري بمفهوم الثورة الإيرانية.
- تماهٍ دولي:
تمثل الأمم المتحدة الطرف الدولي الأكثر انخراطاً في أزمة اليمن، وقد جاء في إحاطة مبعوثها، هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن بتاريخ 16 يناير 2023، أن "الوضع ما يزال مُعقداً ومُتقلباً، فبناءً على المناقشات التي أجريتها مؤخراً مع الأطراف، أود أن أشير إلى أن جهود الحوار المختلفة في الأشهر الماضية أتاحت تحديداً أوضح لمواقف الأطراف ووضع خيارات لحلول مقبولة للطرفين متعلقة بالقضايا العالقة". وفي إحدى جلسات مؤتمر دافوس، قال غروندبرغ إن انعدام الثقة ما يزال قائماً، وإنهاء الحرب في اليمن ليس أمراً سهلاً، وشدد على الحاجة إلى نهج شامل وكامل من أجل الوصول إلى حل سياسي مستدام. ومن خلال هذه التصريحات، نستشف عدم وجود أي تقدم واضح المعالم في محادثات السلام قابلة التطبيق من قِبل الأطراف المعنية بأزمة اليمن.
أما الموقف الأوروبي فهو يتماهى مع نظيره الأمريكي ولا يتجاوزه، فموقف واشنطن هو الحاكم. وبالنسبة لروسيا، فهي منشغلة بصراعها مع أوكرانيا ومن ورائها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
- دلالات المواقف:
1- عدم ثقة الحكومة الشرعية في الوصول إلى سلام مع مليشيا الحوثيين من خلال الحوار السلمي؛ لأن تجارب السلطة مع هذه المليشيا مريرة، ما لم تنخرط الأخيرة في عملية سياسية تعلن من خلالها تشكيل حزب سياسي مدني، وتسليم السلاح، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يشترك فيها الجميع تحت إشراف أممي.
2- سعي الحوثيين لسلام من خلاله يتم تثبيت سلطتهم، وذلك بالتركيز على تحقيق مطالبهم بفتح الموانئ والمطارات، وهو ما يعني اعترافاً رسمياً بهم كسلطة أمر واقع، وصرف المرتبات من قِبل الحكومة الشرعية. وهنا إذا تم صرف المرتبات وفق كشوفات مرتبات 2014، فإن آلية الصرف لا بد أن تكون عبر البنوك دون أن يكون لمليشيا الحوثيين أي صلة بعملية الصرف، وإلا فستكون العملية توثيقاً لسلطة الحوثيين على ما تحت سيطرتهم من الجغرافيا اليمنية.
3- وجود حسابات ومصالح مختلفة للأطراف الدولية، وذلك سواءً الأمم المتحدة التي تعمل في إطار بيئة دولية تتحكم فيها قوى بعينها، أو الدول الكبرى التي ترتبط بمصالح ربما تتعارض مع الدول الإقليمية، وبالتالي لا تمارس الضغوط ولا تستخدم أدوات فعالة لإجبار المليشيا الحوثية على الانصياع لسلام مُستدام، وفق القرارات الأممية ذات الصلة.
الخلاصة، من خلال معطيات الواقع ودراسة مواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، فإن عملية السلام في اليمن ربما تكون بعيدة المنال في الوقت الراهن. فمليشيا الحوثيين لن تتنازل بسهولة عن مشروعها ذي الصلة بـ "ولاية الفقيه"، ولن تنصاع لسلام يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات، وهذا ما هو مُعلن في فكرها وممارستها على الواقع المعاش. ومن جانبها، فإن الشرعية اليمنية لن ترضى بسلام تدخل فيه تحت جناح سلطة الحوثي بعقيدته المُعلنة وبأحقيته في السلطة والمال، خاصة في ظل وضع إقليمي ودولي غير مواتٍ للسلام تتشابك فيه المصالح والحسابات، وأي تفاهمات في ظل هذه الظروف لن تفضي إلى سلام بالمعنى الشامل.
دبلوماسي وأكاديمي متخصص في الشأن اليمني