> «الأيام» عرب جورنال:

قبل أيام نشرت صحيفة فايننشال تايمز تصريحًا مثيرًا لرئيس "أرض الصومال" موسى بيهي عبدي، حيث قال إن الاتفاق مع إثيوبيا يمكن أن يدعم الجهود الدولية لتأمين حرية الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر من هجمات "الحوثيين"، حيث ستقوم إثيوبيا ببناء ميناء وقاعدة عسكرية بحرية في ميناء بربرة، ونشر أسطول تجاري وعسكري من شأنه أن يساعد في الدفاع ضد التهديدات البحرية.

وبحسب مراقبون فإن توقيت هذه التصريحات تكشف بأن رئيس إقليم "أرض الصومال" _غير معترف به دوليًا_ يرسل رسائل ترغيبية لواشنطن و"تل أبيب" في أن لديه خدمات يمكن الاستفادة منها لمواجهة اليمن الذي يفرض حصارًا على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى "إسرائيل"، مقابل الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، خصوصًا مع رفض الدول المجاورة لليمن بالسماح لأمريكا وبريطانيا أن تضرب اليمن من أراضيها.

هذه التصريحات المثيرة دفعتنا للبحث عن مستوى العلاقة بين "أرض الصومال" و "إسرائيل"، وهل سيسمح إقليم "أرض الصومال" للولايات المتحدة وبريطانيا أو ما يعرف بتحالف "حارس الازدهار" باستخدام قواعد عسكرية على أراضيه لاستهداف اليمن؟! 
  • علاقة "أرض الصومال بالكيان الإسرائيلي"
نظرًا للأهمية الجيوسياسية لإقليم أرض الصومال وامتلاكه لشريط ساحلي يمتد لحوالي 740 كيلو متر على سواحل عدن، فإنه من المنطقي أن يسعى الكيان الإسرائيلي لبناء علاقات مع هذا الإقليم ومحاولة التواجد فيه باعتبار أن الكيان الإسرائيلي يسعى لتأمين طرقه التجارية في مضيق باب المندب، كما أن إقليم "أرض الصومال" يسعى بكل لإقامة علاقات مع أي طرف لمواجهة العزلة الدولية التي يعانيها.

في عام 1993، بعد أن إعلان "أرض الصومال" انفصالها عن الصومال بعامين، وبعد أن تم انتخاب رئيسًا للإقليم، أرسل رئيس "أرض الصومال" محمد عقال رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في 3 يوليو 1995 يطلب فيها اتفاقًا استراتيجيًا مع إسرائيل ضد ما أسماها "الأصولية الإسلامية" على الرغم من أن 98 % من سكان أرض الصومال مسلمين، إلا أنه أضاف أنهم لا ينوون فرض الأحكام الإسلامية.

كما طالب "إسرائيل" بإرسال مراقبين لمراقبة الاستفتاء على دستور الجمهورية نهاية عام 1996، إلى جانب المعدات العسكرية والخبراء، وتقديم المساعدة جمهورية "أرض الصومال".

ولم تتوقف العلاقات بين الكيان الإسرائيلي وإقليم "أرض الصومال" عند هذا الحد بل إنها اتخذت بعدًا جديدًا في نوفمبر 2001، عندما وقع محمد عقال اتفاقية تتضمن قيام إسرائيل بتقديم مساعدات عسكرية إلى أرض الصومال وتدريب أفرادها، وهو ما اعتبره الكيان فرصة لوضع قدميه في هذه المنطقة الاستراتيجية، وبرغم هذه العروض والخدمات التي قدمها "أرض الصومال" إلا أن الكيان الإسرائيلي لم يعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة.

وفي 11 فبراير 2010م، أعلن الكيان الإسرائيلي استعداده للاعتراف بأرض الصومال، ورغبته في أن يجد دولة إسلامية صديقة في القرن الإفريقي، وهو بهذه التصريحات كان يهدف لأمرين، الأمر الأول هو مدى تقبّل المجتمع الدولي والإقليمي لهذه التصريحات، والأمر الثاني الضغط على الصومال لإعلان التطبيع مع الكيان، إذ أن الكيان الإسرائيلي استخدم هذه الورقة خلال العقود الماضية كورقة ضغط وابتزاز للصومال للتطبيع معه رسميًا وهو مالم يحصل عليه حتى اليوم.

وفي عام 2020 نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية مقالًا يحث الكيان الإسرائيلي لإقامة مزيد من العلاقات مع إقليم "أرض الصومال"، وجاء في المقال: "مع التغييرات في السياق الجيوسياسي للمنطقة التي تربط بين إسرائيل والإمارات واليونان وقبرص ومصر في شبكة أوثق من المصالح المشتركة، يمكن أن تكون أرض الصومال منطقة مهمة لهذه المجموعة من البلدان".
  • هل يمكن أن يكون "أرض الصومال" قاعدة لاستهداف اليمن؟
في البداية لابد من الإشارة إلى أن النشاط التجاري والعسكري في إقليم "أرض الصومال" ينحصر على ثلاث دول تقريباً "الإمارات" و "أثيوبيا" و "إسرائيل"، وهذه الدول الثلاث لها علاقات قوية على كل المستويات كما أنها دول صديقة وحليفة للولايات المتحدة، وتحاول هذه الدول السيطرة على منطقة باب المندب وخليج عدن وذلك من خلال السيطرة على الموانئ والسواحل والجزر المحيطة بباب المندب وخليج عدن سواءً من ناحية القرن الأفريقي أو من ناحية اليمن.

بعد أن أعلنت صنعاء بدء تنفيذ حصار بحري ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى "إسرائيل" مساندةً لغزة، رُصد نشاط مكثف في إقليم أرض الصومال لإنشاء وترميم قواعد عسكرية وبتنفيذ مباشر من الإمارات العربية المتحدة، وهذا النشاط لم يكن موجوداً بهذا الشكل قبل دخول صنعاء في معركة طوفان الأقصى.

وفي تحقيق معمق لمنصة أيكاد قالت إنه: "بعد اندلاع الحرب في غزة ودخول "الحوثيين" على خط الصراع في البحر الأحمر، لاحظنا تطورات عسكرية في قاعدتين تسيطر عليهما الإمارات في إقليم "أرض الصومال" على خليج عدن وهما بوصاصو وبربرة".

وأضافت المنصة في تحقيقها بأن: "عمليات التطوير تزامنت ذلك مع جسر جوي تقوده طائرات شحن عسكرية كانت تنطلق من الإمارات إلى تلك القاعدتين، وهذه القاعدتان تقعان تحت النفوذ الإماراتي، حيث تدير أبو ظبي قاعدة بربرة منذ عام 2016، وقاعدة بوصاصو منذ عام 2017، بموجب عقود وقعتها شركة "موانئ دبي العالمية" لتطوير وإدارة موانئ القاعدتين مع حكومة إقليم "أرض الصومال" ".

وبحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فإن الإمارات استخدمت قاعدة بوصاصو لأغراض عسكرية منها ردع النفوذ الإيراني ومكافحة تهريب الأسلحة للحوثيين ودعم الجماعات العسكرية الموالية لها في جنوبي اليمن.

وأشارت منصة إيكاد أن من خلال صور الأقمار الصناعية لوحظ بأن النشاط بدأ منذ مطلع نوفمبر 2023.

وذكرت منصة أيكاد بأن التحديث الذي طرأ على قاعدة بوصاصو في "أرض الصومال" تمثل في "حفر أساسات وإعادة تمهيد أرضية المطار في القاعدة، وبناء منشأة كبيرة رئيسية وسط المطار، متضمنة رصيفًا جديدًا وحظائر للطائرات، وتضمنت التغييرات أيضًا تشييد رصيف جديد على الجهة الغربية من المدرج تتوسطه عدة أبنية، وإنشاء بنائين جديدين شمال المنشأة الرئيسية، إضافة إلى تمهيد طريق يصل إليهما شمال القاعدة، بالإضافة إلى وجود طائرتي شحن عسكريتين تابعة للأسطول الجوي العسكري الإماراتي، ما يعني مبدئيًا أن الرصيف والأبنية الجديدة مخصصة لأغراض عسكرية".

أما قاعدة "بربرة" ومن خلال ما نشرته منصة أيكاد فقد حصلت لها عدة تغييرات خلال الفترة من 29 أكتوبر 2023 إلى 12 يناير 2024، وتضمنت تشييد عشرات حظائر الطائرات، وبناء مخازن ومنشآت لوجستية، إضافة إلى تأهيل الأرضيات وتمهيد الطرق".

وفي 1 يناير 2024، حصل تطور مهم في هذا السياق، حيث قامت أثيوبيا بتوقيع اتفاقية مع "أرض الصومال" يسمح لها باستخدام 19 % من ميناء بربرة البحري لأغراض تجارية لمدة 50 عامًا، بجانب 20 كلم2 حول الميناء، والسماح لها بنشر قطع عسكرية قريبة من الميناء، بحسب ما تحدثت عنه تقارير إعلامية متعددة، إلا أن هذه الاتفاقية قوبلت بالرفض من الحكومة الصومالية ومن مصر وتركيا على وجه التحديد.

وأشارت أيكاد إلى أن معظم التطورات في القاعدتين جاءت ما بعد 7 أكتوبر، وما بعد إطلاق "الحوثيين" تهديداتهم لإسرائيل ثم مهاجمة سفن في البحر الأحمر، مبينةً أنه يمكن للتحالف العسكري الجديد الذي شكلته أمريكا استخدام القاعدتين كقاعدة انطلاق إضافية للطائرات المقاتلة وطائرات الاستطلاع لضرب أهداف في اليمن".

واختتمت أيكاد تحقيقها بالقول: "وما يعزز ذلك هو أن القاعدة وحسب موقع "العين الإخبارية" التابعة للحكومة الإماراتية، فإنها تتضمن بالأساس جنودًا أمريكيين ما يعني أن توسيع القاعدة تم بعلم وبالتنسيق مع القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط".

كما أن تصريحات رئيس إقليم "أرض الصومال" قبل أيام لصحيفة فايننشال والتي قال فيها بأن "الاتفاق مع أثيوبيا سيساهم في ردع هجمات "الحوثيين" وتأمين خطوط الشحن في خليج عدن"، يؤكد بأن مخطط تحويل "أرض الصومال" إلى قواعد عسكرية لواشنطن ولندن و "تل أبيب" لاستهداف صنعاء قد يكون ممكنًا مستقبلًا أو على الأقل فإن هذه القواعد ستستخدم لنصب منظومات دفاع جوية لاعتراض الصواريخ والمسيرات القادمة من اليمن في محاولة لحماية السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى "إسرائيل" في خليج عدن.