> محمد الخطيب:
لا يزال تزويج الفتيات بين 9 و15 سنة شائعًا في البلد الذي زادته الحرب تهاونًا بالحقوق
وأرجعت العزي أسباب زواجها المبكر من رجل أربعيني إلى الحالة الاقتصادية والمعيشية القاسية التي كانت تعيشها أسرتها، فبعد توقف راتب والدها الذي يعمل مدرسًا ساءت الظروف كثيرًا داخل البيت، وبمجرد أن تقدم لزواجها شخص وافق والدها على زواجها منه، وفرض الأمر عليها، وأضافت في حديثها "كنت الزوجة الثانية لذلك الشخص الذي يكبرني بـ 27 سنة"، هكذا قالت، وتتمنى ألا تتكرر تجربتها المرة مع أي فتاة أخرى.
وتفيد دراسات سابقة تستند إلى إحصاءات النوع الاجتماعي أن "نسبة المتزوجات من سن (10- 19 سنة) تصل إلى 75 في المئة من إجمالي النساء المتزوجات. في حين تصل نسبة المتزوجات دون سن 15 سنة إلى 48 في المئة من إجمالي النساء في الفئة العمرية من (15- 19 سنة)". وذكر تقرير وضع المرأة في اليمن أن "37 في المئة من النساء في الفئة العمرية (20- 24 سنة)، تزوجن قبل سن الـ(18 سنة)، وأن الزواج المبكر للفتيات يؤدي إلى الخلاف والعنف وحدوث الانحراف".
في السياق تشير البيانات الرسمية السابقة إلى أن اليمن يشهد ثماني حالات وفاة يوميًا لقاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة. إلى ذلك، فإن فرص الالتحاق بالتعليم تكون ضئيلة وتعاني الزوجات القاصرات من الفقر والاعتماد على الآخرين بصورة كبيرة، وهو ما يعد من مؤشرات الأضرار الاجتماعية التي تعانيها القاصرة عند زواجها.
ولفت المحامي إلى أن "القانون اليمني حدد سن المساءلة الجنائية الكاملة بسن (18 سنة)، كما حظر تجنيد أي شخص تحت هذه السن. ويجب أن يقاس سن الزواج خصوصًا للإناث بهذه السن لأن الغالب بالنسبة إلى الأطفال الذكور إذا تم تزويجهم تحت سن 18 سنة أن يتم تزويجهم بفتاة نفس العمر أو أقل، لكن القاصرة يتم تزويجها تحت هذه السن أحيانًا بذكور يبلغ عمرهم 40 أو 50 سنة".
وبحسب حديث سابق مع "اندبندنت عربية" لوزير الأوقاف الدكتور أحمد عطية، فإن الرأي الشرعي في شأن زواج القاصرات، يستند إلى أهل الاختصاص في العلم التطبيقي كالطب البشري وأطباء النفس، والبحث في الأضرار التي قد يتسبب فيها الزواج المبكر، لأن من قواعد الشرع أنه لا ضرر ولا ضرار من ثم يتم الحكم بناء على ذلك".
"اندبندنت عربية"
> إذا كان الزواج بصفة عامة يشبع حاجات اجتماعية وبيولوجية واقتصادية وتربوية، فإن القاصرات في اليمن لا يمكن فإن يكن في قائمة الضحايا بعد زواجهن قسرًا، إذ غالبًا ما تنتهي قصصهن على نحو مأسوي يعشن مرارته ببطء طوال سنوات العمر، مما يفتح نافذة واسعة من التساؤلات حول هذه الظاهرة والأسباب التي أدت إلى انتعاشها.
تتساءل لمياء العزي (20 سنة) وهي من ريف تعز تزوجت في سن الـ 13 سنة برجل أربعيني قائلة "هل يعلم أبي كم عانيت كفتاة قاصرة من هذا الزواج حتى يدفع بأختي الصغرى إلى نفس الحلبة والمصير"؟ وتضيف في حديثها إلينا "زواجي المبكر جعلني أعاني على كل الصعد، دفعت الثمن من صحتي ونال القلق من نفسيتي المحطمة أصلًا، وأصبحت حينها لا أقوى على مواجهة المشكلات والانتقادات التي توجه لي من زوجي". وذكرت المتحدثة أنها كانت تتمنى الموت أحيانًا، وذلك لأن زوجها الذي يكبرها بنحو ثلاثة عقود كان يرى أنه "تزوج بفتاة فاشلة لا تقوى على خدمته ومجاراة رغباته".
- إحصاءات وأرقام
وانتعشت ظاهرة زواج القاصرات أو الصغيرات أخيرًا في البلاد بسبب الحرب خصوصًا في الأرياف والمناطق النائية، وتصل إلى ما نسبته 70 في المئة، وفي المدن تبلغ 35 في المئة. وذكرت دراسات اجتماعية ميدانية أن "متوسط العمر عند الزواج الأول للنساء في اليمن يراوح حاليًا ما بين تسع و15 سنة وهو مؤشر يوضح بجلاء مدى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع اليمني". وفقاً لإحصاءات سابقة صادرة عن الأمم المتحدة فإن 52 في المئة من الفتيات اليمنيات يتزوجن دون سن الـ18 سنة، و14 في المئة منهن قبل سن الـ15 سنة".
- مصير غير سعيد
وأشارت الدراسة إلى أن "الصغيرات لا يعرفن معنى الزواج والحياة الزوجية وقد تتحول الحياة الزوجية إلى عراكات وخلافات وعنف مستديم يلوث فضاء الأسرة ويلحق الضرر بمؤسسة الزواج". وأوضحت الاختصاصية النفسية زينب الأسدي أن ثالوث الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية يترتب عليه مصير غير سعيد للمتزوجات القاصرات. ومع ذلك لا بد من التوعية بأخطار ذلك واتخاذ إجراءات لمنع حدوث ذلك من بينها تشجيع الفتيات على تحقيق طموحاتهن وتوفير فرص التعليم والوعي الصحي. وتضيف الأسدي في حديثها مع "اندبندنت عربية"، أن القاصرات يعانين الإجهاد النفسي والاكتئاب والقلق، وصعوبة في التأقلم مع المسؤوليات الزوجية والأسرية، ويتعرضن للعنف الأسري.
وأردفت في حديثها، "يترتب على الزواج المبكر أخطار صحية منها أخطار الولادة في سن مبكرة والولادة المتكررة من دون فاصل زمني محسوب وفقر الدم وصعوبة الحمل والإجهاض المتكرر، وارتفاع معدلات الوفاة للأم والطفل وصدمة الليلة الأولى وتمزق الأعضاء التناسلية غير المؤهلة بيولوجيًا على الممارسات الجنسية المبكرة".
- وضع القانون
في حديث مع "اندبندنت عربية" يقول المحامي اليمني عبدالمجيد صبره، إن القانون اليمني ساعد على تعزيز ظاهرة زواج القاصرات بصيغ قانونية تجيز ذلك، ولم يضع حدًا معينًا بصورة جازمة وقاطعة لسن الزواج، وإنما يستنتج البعض من نص المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية اليمني أن الحد الأدنى لسن الزواج هو 15 سنة. لكن لا يوجد نص يمنع بصورة قطعية الزواج تحت سن 15 سنة".
ويضيف المتحدث نفسه، "نجد في الواقع حصول حالات زواج تحت عمر (15 سنة) كما لا يوجد نص يعاقب ولي أمر الطفلة إذا زوجها تحت هذه السن، ولم يعرف القانون الصغيرة بالعمر وإنما بنص عام لا يوجد أي ضابط لتحديده والعبرة في نص المادة (15) من القانون اليمني أنها متى كانت صالحه للوطء يتم تزويجها. ويعرف قانون حقوق الطفل، هذا الصنف بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الـ(18سنة)"، وهو نص عام للذكر والأنثى. وتنص المادة الـ(15) من القانون اليمني على أن سن الرشد هي 15 سنة".
- مشكلة اجتماعية
- لا ضرر ولا ضرار
من جهته يرى الداعية اليمني محمد الشرعبي في حديثه أن "موضوع زواج القاصرات يرجع إلى أهل البلد ذاته ويختلف من مكان إلى آخر. فإذا كانت الفتاة عمرها 15 سنة أو17 سنة، وبنيتها الجسدية والنفسية مكتملة وتتمتع بقوة جسدية ونضوج في الفكر بمعنى فلا مانع في تزويجها. أما إذا كانت أصغر من عمر الـ 15 سنة ولم تنضج فكريًا وجسديًا وجنسيًا فلا يجوز شرعًا زواجها، وجعل الشرع لرأيها اعتبارًا ولها الحق في رد الزواج".
- تغيير القانون
"اندبندنت عربية"