> عبدالله السيد الهاشمي:

في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة، يبدو أن الأذرع الإيرانية تكرر الأخطاء نفسها في كل ساحة صراع، بدءًا من غزة مع «حماس»، مرورًا بلبنان مع «حزب الله»، وصولًا إلى اليمن مع «الحوثيين». هذه الحركات التي رفعت شعارات المقاومة، غالبًا ما تتحول إلى أدوات لمشاريع خارجية، فيما تدفع الشعوب الثمن الأكبر. المغامرات العسكرية غير المحسوبة، بدءًا من إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، وصولًا إلى فتح جبهات لا قدرة لها على السيطرة عليها، تؤدي دائمًا إلى دمار شامل، مقتل القيادات، ومعاناة المدنيين، بينما تخرج إسرائيل أقوى.

بدأت القصة من غزة مع «حماس»، حيث اعتادت الحركة على إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، في محاولات متكررة لاستعراض القوة، بينما كانت النتيجة دائمًا ردًّا عسكريًّا إسرائيليًّا عنيفًا. في كل مواجهة، تكون غزة هي الضحية، حيث تدمر إسرائيل الأبراج السكنية، المدارس، المستشفيات، والمرافق الحيوية، بينما تتشرد آلاف العائلات. كل مرة، تجد «حماس» نفسها مجبرة على قبول هدنة بشروط إسرائيلية، وتتحول غزة إلى ركام، بينما يظل المدنيون الفلسطينيون هم الضحايا الحقيقيون.

المفارقة الأشد وضوحًا هي أن كل مواجهة تعزز موقف إسرائيل السياسي، حيث تستغل تل أبيب هذه المواجهات لتبرير القتل والدمار أمام المجتمع الدولي، بحجة «الدفاع عن النفس». في المقابل، تتراجع مكانة «حماس» السياسية، حيث تتهمها شرائح من الشعب الفلسطيني بأنها تتخذ قرارات غير مدروسة تؤدي إلى معاناة المدنيين وتشريدهم.

أما في لبنان، فقد كرر «حزب الله» الخطأ ذاته. في عام 2006، اختطف «حزب الله» جنودًا إسرائيليين، ما أعطى إسرائيل ذريعة لشن حرب شاملة ضد لبنان، استمرت أكثر من 30 يومًا. كانت النتيجة كارثية، حيث تم تدمير الضاحية الجنوبية لبيروت، وقُتل المئات من مقاتلي الحزب، فيما نزح الآلاف من العائلات اللبنانية. صحيح أن الحزب حاول تسويق الحرب على أنها «انتصار إلهي»، لكن الواقع كان يقول غير ذلك. فقد خرج لبنان من الحرب محطمًا اقتصاديًا، ودخل في دوامة أزمات سياسية ومالية لم يتعافَ منها حتى اليوم.

لكن الخطأ الأكبر للحزب لم يكن في 2006، بل كان في الضربة التي تلقاها مؤخرًا. قررت إسرائيل استهداف مركز القيادة في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث تم قتل الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، مع عدد من أبرز قادة الحزب. هذه العملية لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل كانت ضربة نفسية ومعنوية، حيث فقد الحزب زعيمه ورمزه القيادي، ما أدى إلى حالة ارتباك داخل الحزب، وانكشاف واضح في القدرة على القيادة والسيطرة.

لم يكن الشعب اللبناني بمنأى عن المعاناة. فقد تكررت مشاهد 2006، حيث تعرضت الضاحية الجنوبية لتدمير واسع، وتشردت مئات العائلات، في وقت يعاني فيه لبنان أصلًا من أكبر أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث. كان الهدف الإسرائيلي إرسال رسالة واضحة للحوثيين و«حماس»، بأن زعماء الميليشيات لن يكونوا في مأمن من الاغتيال المباشر، سواء كانوا في بيروت، أو في صنعاء أو غزة.

تأتي جماعة «الحوثي» لتكون الحلقة الأحدث في هذه السلسلة من الأخطاء الاستراتيجية. بدلًا من التركيز على المعارك المحلية مع التحالف العربي في مأرب وشبوة، قررت الجماعة فتح جبهة جديدة مع إسرائيل، حيث أطلقت صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة نحو تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى.

لكن، كما حدث مع «حزب الله» في لبنان و«حماس» في غزة، لم تحقق الجماعة أي مكاسب سياسية أو عسكرية.

الرد الإسرائيلي كان سريعًا وحاسمًا. حيث شنت غارات جوية دقيقة على مواقع «الحوثيين» في صنعاء والحُديدة، استهدفت مراكز القيادة، مخازن الأسلحة، ومنصات إطلاق الصواريخ. ووفقًا لتقارير دولية، قُتل عدد من كبار القادة الحوثيين، ما أدى إلى شل قدرة الجماعة على تنفيذ مزيد من الهجمات. وبعيدًا عن الخسائر العسكرية، تزايدت الضغوط الدولية على «الحوثيين»، حيث رأى المجتمع الدولي أن الجماعة أصبحت طرفًا في مشروع إيراني إقليمي، وهو ما دفع إلى تزايد الدعوات لتصنيفهم جماعة إرهابية دوليًا، وهو تطور خطير يعزل الجماعة سياسيًا، ويجعلها خارج أي تفاوض مستقبلي.

ما حدث في غزة ولبنان واليمن ليس مجرد مصادفة، بل هو نمط متكرر تعتمده الأذرع الإيرانية في المنطقة. يبدو أن إيران تفضل إشعال جبهات عدة ضد إسرائيل، لكنها تفعل ذلك بأدوات وكيانات ليست في مستوى هذا التحدي. في كل مرة تُفتح جبهة جديدة، تكون الشعوب هي الضحية، سواء كان ذلك في غزة، حيث يدفع الفلسطينيون الثمن الأكبر، أو في لبنان، حيث يُهلك الاقتصاد اللبناني وتُشرد العائلات، أو في اليمن، حيث يدفع الشعب اليمني ثمن قرارات الحوثيين المتهورة.

الدروس المستفادة من هذه السيناريوهات واضحة. في كل مرة تقرر فيها الأذرع الإيرانية التصعيد، تستفيد إسرائيل.

• في غزة، انتهت المواجهة بتدمير الأبراج السكنية، فيما تعزز موقف نتنياهو السياسي، ونجحت إسرائيل في فرض شروط الهدنة التي تناسبها.

• في لبنان، تعرضت الضاحية الجنوبية لتدمير واسع، وتم اغتيال حسن نصر الله، ما أدى إلى انهيار قدرة القيادة المركزية لحزب الله.

• في اليمن، شنت إسرائيل غارات جوية دمرت مخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ التابعة للحوثيين، بينما ازدادت عزلة الجماعة دوليًا، مع تزايد المطالب بتصنيفها كـ«جماعة إرهابية».

السيناريو الآن في اليمن يبدو أشد قتامة، لأن التحالف العربي، بقيادة السعودية، يستغل هذه الفرصة لزيادة الضغط العسكري على «الحوثيين». اليوم، تُشن عمليات جوية مركزة على معاقل الجماعة في مناطق مأرب وشبوة، مع استهداف مراكز القيادة والسيطرة، ما يضع «الحوثيين» في موقف صعب جدًّا.

هل استوعب «الحوثيون» الدرس؟ الأحداث تشير إلى أن ساعة الصفر تقترب، كما حدث مع «حزب الله» في لبنان. الأذرع الإيرانية لا تتعلم، بل تكرر الأخطاء نفسها، حيث تفتح جبهات دون النظر إلى قدرتها الحقيقية على خوض هذه المعارك. النتيجة واحدة في كل مرة: تدمير البنية التحتية، مقتل القادة، ومعاناة الشعوب.

في النهاية، يبدو أن «الحوثيين» في طريقهم نحو الهاوية، تمامًا كما حدث مع «حزب الله» في 2006 و2024، وكما حدث مع «حماس» في غزة. اليوم، أصبحت الجماعة تحت مرمى الطائرات الحربية الإسرائيلية، والتحالف العربي، والضغط الدولي المتزايد. ساعة الصفر قد اقتربت، ويبدو أن «الحوثيين» يواجهون نقطة اللاعودة. إذا لم يغيروا استراتيجيتهم، فإن مصيرهم قد لا يختلف عن مصير «حزب الله»، الذي فقد قيادته في ضربة واحدة، وترك لبنان ممزقًا ومحاصرًا بالأزمات.

*"لواء ركن طيار متقاعد - الاتحاد"