​في عدن، المدينة التي كتبت أولى فصول الصحافة في الجزيرة والخليج، لا يكون احتجاب صحيفة "الأيام" حدثًا عابرًا، بل صمتًا يشبه انقطاع نبض مدينة اعتادت أن تصرخ بالحق وتُدوِّن وجعها بالحبر.

تأسست "الأيام" عام 1958، كأول صحيفة أهلية يومية تصدر من عدن، وكان مؤسسها الراحل محمد علي باشراحيل مدركًا أن الصحافة ليست مهنة، بل موقف ومسؤولية. ومنذ ولادتها، لم تعرف "الأيام" طريقًا سهلًا، بل سلكت دروبًا محفوفة بالملاحقة والتوقيف والاحتجاب.

فترات الاحتجاب:
1967: بعد الاستقلال وخروج الاستعمار البريطاني، أُغلقت الصحيفة بأمر من النظام الجديد في عدن، الذي لم يكن مستعدًا لصوت خارج عن سلطة الحزب الواحد، فاحتجبت "الأيام" قسرًا لمدة 23 عامًا.

1990: عادت الصحيفة للصدور بعد قيام الوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي، في 7 نوفمبر 1990، لتستعيد دورها التنويري في مرحلة سياسية مضطربة.

2009: داهمت قوات الأمن منزل الناشران هشام وتمام باشراحيل، وتم إيقاف الصحيفة ومطاردتها بتهم سياسية وأمنية، فاحتجبت قسرًا لمدة خمس سنوات، في واحدة من أكبر عمليات استهداف لحرية الصحافة في اليمن.

2015: خلال الحرب، تعرضت مطابع "الأيام" لأضرار كبيرة نتيجة الاشتباكات في عدن، مما أدى إلى احتجابها حتى يوليو 2017، حين عادت للصدور وسط أنقاض الحرب وبرائحة الرماد.

2021: وفي أكتوبر من ذات العام، احتجبت الصحيفة مؤقتًا بسبب اشتباكات عنيفة في مديرية كريتر حيث يقع مقرها، ما أوقف عملية الطباعة والنشر.

فبراير 2025: أعلنت "الأيام" احتجابها ليوم واحد فقط، بسبب عطل فني في المطابع، في مشهد يحمل دلالة مؤلمة عن هشاشة البيئة التي تعمل فيها الصحافة الحرة حتى في السلم. في كل مرة تحتجب فيها "الأيام"، يحتجب معها جزء من ذاكرة الجنوب. تتوقف الكلمات، و يتلعثم الحبر، وتغيب الشوارع التي تعوّدت أن تستقبلها مع أول شعاع صباح. ليست "الأيام" صحيفة كغيرها. إنها شاهدٌ على زمنٍ مضى، وراصدٌ لتحولات مجتمع، ومنبرٌ ظل وفيًّا لقضايا الناس رغم كل التحديات. احتجابها المتكرر لا يعكس ضعفًا، بل يُظهر ثمن الكلمة في وطن لم يتصالح بعد مع الحقيقة.

لقد آن الأوان أن يُنظر إلى "الأيام" كأصل وطني وثقافي، وأن تحظى بما يليق بها من حماية ورعاية، لا أن تُترك لتواجه الأعطال والرصاص وحدها. لأن "الأيام" حين تحتجب، لا يصمت الورق فقط، بل يخفت صوت الجنوب كله.