> واشنطن/ القاهرة «الأيام» العرب:

لا يتوقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إثارة الجدل وتفجير مشكلات عدة على الساحتين الإقليمية والدولية، تربك حسابات جهات معنية بها مباشرة، وكل من يتأثرون بشكل غير مباشر بسياسات الرئيس ترامب وتصوراته.

آخر تجليات الرئيس الأميركي طلبه جعل عبور سفن بلاده عبر قناتي السويس وبنما"مجانيًّا"، وإسناد معالجة القضية"فورا" إلى وزير خارجيته ماركو روبيو.

الجديد هذه المرة أن ترامب أقحم مصر وألقى عليها بأزمة أكبر من أزمتها الاقتصادية الداخلية بالتزامن مع مقترحه تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر.

وينطوي الزج بقناة السويس على ورطة للقاهرة وربما تشتيت لعقلها الإستراتيجي، حيث وضع ترامب في الطريق لغما لا أحد يعرف متى تدوسه قدماه بقوة أو موعد انفجاره.

ويقول مراقبون إن ترامب يريد تحولا في إستراتيجية المضائق بالعالم، وتحويل قناتي السويس وبنما إلى ممرات دولية، في محاولة لتغيير الخارطة البحرية التي يريد الرئيس الأميركي السيطرة عليها بطرق مختلفة، تخول لبلاده التحكم في مفاتيحها وحرمان خصومها من أي مزايا حصلت عليها سابقا.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن ترامب يسعى إلى تحويل ما كان في الأصل مشروعا تجاريا أنفقت عليه دولة مثل مصر مليارات من الدولارات بمقاييس اليوم إلى مياه دولية مشاع، وإذا كانت مضائق، مثل: هرمز وباب المندب وجبل طارق بين دولتين بينهما (نظريا) مياه دولية تمر من خلالها السفن البحرية، فما يمكن أن يحدث مع قناة السويس وبنما، قد يؤدي إلى نتيجة من هذا النوع لاحقا.

وقبل وبعد تولي ترامب السلطة في يناير الماضي، أعلن عن رغبته في السيطرة على قناة بنما، متوعّدا باستعادتها بذريعة أن الولايات المتحدة بنتها، وافتُتحت عام 1914 وظلت تحت السيادة الأميركية حتى عام 1999، ثم بدأ يصبّ تركيزه حاليا على قناة السويس المصرية، وهي من أهم الممرات للتجارة العالمية.

وقال ترامب على منصته"تروث سوشيال"،"يجب السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية بالمرور بحرّية عبر قناتَي بنما والسويس. هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة الأميركية".

وإذا كانت واشنطن شيّدت قناة بنما ولا أحد ينكر ذلك، فإن دورها بالنسبة إلى القناة المصرية غير معروف، حيث حفرت قناة السويس بعد عقود قليلة من ظهور الولايات المتحدة على الخارطة أصلا، إلا إذا كان الرئيس الأميركي يقصد أن الهجمات التي تشنها بلاده على جماعة الحوثي في اليمن وما يمكن أن تفضي إليه من هدوء في البحر الأحمر وعودة الملاحة عبر قناة السويس إلى حالتها الطبيعية.

وتسيطر مصر على قناة السويس منذ عام 1956، وكان يمر منها حوالي 12 في المئة من التجارة البحرية، و22 في المئة من تجارة الحاويات بالعالم تمر من خلالها.

وتراجعت نسب المرور والعوائد المالية بعد أن بدأت جماعة الحوثي في اليمن في تهديد السفن المرتبطة بإسرائيل، بذريعة التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث توجه إليهم إسرائيل ضربات عسكرية قاسية.

وتدخلت الولايات المتحدة بحجة تأميم البحر الأحمر، وبدأت في شن هجمات ضارية ضد الحوثيين، وزادت خسائر قناة السويس المالية نتيجة تعطل مرور السفن التجارية، واتجاه عدد كبير منها إلى المرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح.

وقال المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية (تابعة للجيش المصري) اللواء حمدي بخيت، إن حديث الرئيس الأميركي بشأن مرور السفن مجانا في قناة السويس يأتي في إطار ما يمارسه من قرارات يمكن وصفها بـ”البلطجة السياسية والتجارية" على بعض دول العالم، بحثا عن الحصول على أكبر قدر من المكتسبات التي تتماشى مع طبيعة ترامب، ذي الخلفية التجارية.

وأوضح لـ”العرب" أن مصر لديها دوائر تأثير عديدة في البحرين المتوسط والأحمر وليس من السهل الضغط عليها في ملف حيوي مثل قناة السويس التي لها قانون يسري على التجارة العالمية، ولا تعمل لصالح أحد على حساب الآخر.

وأشار إلى أن القاهرة قدمت تسهيلات لمرور السفن التجارية الأميركية عبر قناة السويس حينما كانت العلاقات في أفضل حالاتها، لكن الوضع يختلف الآن، في ظل الدعم الأميركي لقضية تهجير الفلسطينيين وتقديم كافة أشكال الدعم لإسرائيل، لافتا إلى أن سياسة ترامب في البحر الأحمر تقود إلى تعميق مشكلات الملاحة التجارية ولا تخدم المصالح المصرية بشأن تحقيق الاستقرار المطلوب لعودة السفن التجارية.

وشدد على أن ما ذهب إليه ترامب يدخل في إطار الضغوط السياسية والاقتصادية على مصر لحثها على القبول بتهجير الفلسطينيين إليها، ومع أن القاهر تواجه ضغوطا عديدة، لكنها تلتزم بقرارها السيادي الذي يضمن تحقيق مصالحها، خاصة أن قناة السويس تحمل رمزية شعبية تاريخية في الوجدان العام للمصريين.

وقناة السويس جزء من مصر وتخضع لسيادتها، وهي صاحبة الاختصاص الخالص في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتنظيم المرور في القناة ومداخلها وحمايتها.

وربطت قناة السويس منذ افتتاحها عام 1869 بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر ووفرت أقصر طريق شحن بين آسيا وأوروبا، وبدأ البناء فيها عام 1859، وحققت عام 2022 إيرادات بلغت 9.4 مليار دولار، وعام 2023 إيرادات بقيمة 10.2 مليار دولار، لكن إيراداتها تراجعت العام الماضي بنسبة 61 في المئة على وقع هجمات الحوثيين.

وتعد الولايات المتحدة والصين مستخدمتين رئيسيّتين لقناة بنما التي تمر عبرها 5 في المئة من التجارة البحرية العالمية، وحصل ترامب مؤخرا على تنازل مهم بزيادة النفوذ على قناة بنما بموجب اتفاق مع قيادتها، يسمح لواشنطن بنشر جنود حول الممر المائي المهم جنبا إلى جنب مع القوات البنمية للمساعدة في تأمين سيادة القناة.

وهناك فروق واضحة بين بناء قناة السويس وبناء قناة بنما، فالثانية توجد في أضيق جزء من المضيق بين أميركا الشمالية والجنوبية، ما يسمح للسفن بالتنقل بسرعة بين المحيطين الأطلسي والهادي ويمر عبرها 40 في المئة من الحاويات الأميركية سنويا.

وعبّر رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع مؤخرًا عن مخاوفه من أن تؤثر رسومُ ترامب الجمركية على حركة التجارة العالمية وحجم السفن المارة في القناة، وتأثيرِها على حركة مرور البضائع الصينية نحو الولايات المتحدة وأوروبا، لأن الصين تعد شريكًا تجاريًّا رئيسًّا لكلا الجانبين.