الأربعاء, 09 يوليو 2025
197
صدق أو لا تصدق، فبعض الحقائق في هذا البلد لا تحتاج إلى مبالغة لتكون فضيحة.
حين كان أحد المواطنين يتابع قضية مالية له في بريد محافظة أبين، ظهرت على شاشة الحاسوب معلومة لم يكن يبحث عنها لكنها صدمته وأوجعته في العمق: راتب الشهيد القائد سالم ربيع علي – سالمين – لا يتجاوز 12,300 ريال يمني قعيطي فقط!
نعم، هذا هو ما يُصرف شهريًا كمرتب رسمي لرئيس دولة الجنوب الأسبق، رمز النزاهة والبساطة والكاريزما الشعبية. مبلغ لا يكفي لشراء مناديل في سيارة مسؤول صغير، ولا يساوي قيمة خمسة لترات من الوقود لموكب واحد من مواكب الفساد المنتشرة في شوارعنا.
يا أبناء هذا الوطن، بالله عليكم: أيعقل أن يُعامل رمز من رموز دولتنا بهذه الطريقة المهينة؟
أيعقل أن يُصرف هذا الفتات لرجل قاد أمة، بينما تُغدق الأموال على الوكلاء والمسؤولين عديمي الكفاءة مقابل ولاءات رخيصة؟
ألا يخجل من تعاقبوا على كراسي الحكم من هذا العار الذي يُسجّل في ذممهم السياسية والوطنية؟!
إنها ليست إهانة لسالمين وحده، بل إهانة لوطنٍ بأكمله.
إهانة لتاريخ الجنوب، لثورة أكتوبر، لدماء الشهداء، ولمفهوم الدولة ذاته.
الرجل الذي عاش شريفًا ومات واقفًا في وجه المؤامرات والانقلابات، لا يستحق أن يُكافأ بهذا الصمت المريب وكأن تاريخه أصبح عبئًا على من لا تاريخ لهم. سالمين، الذي رفض الامتيازات، وعاش بسيطًا بين شعبه، صار اليوم مجرد رقم باهت في زاوية شاشة جهاز كمبيوتر حكومي!
في بلدٍ تُهدر فيه المليارات على السفرات والصفقات المشبوهة، وتُصرف فيه رواتب فلكية للمنافقين والمطبلين، تُنسى رموز الوطن الحقيقيون، وتُختزل تضحياتهم في فُتات مهين.
أليس هذا استخفافًا بالتاريخ؟
أليس هذا مؤشراً على أن هذا الوطن أصبح في قبضة من لا يعرفون قيمة الرجال ولا معنى الوفاء؟
لم نعد نُطالب بتكريم الشهيد فحسب، بل نُطالب باستعادة ما سُلب من كرامة هذا الشعب.
لا يمكن أن يُبنى وطن على ذاكرة مُهانة، وعلى رموز تُرمى في زوايا النسيان، بينما تُرفع فوق المنصات وجوه التافهين.
حين يُهان الوطن، تبدأ الإهانة من الذين يفرّطون بتاريخه، ويجحدون رموزه.
وحين يُنسى سالمين، فاعلموا أن الجنوب في خطر، وأن ما تبقى من الدولة يتآكل بصمتٍ مذل.
فلتكن هذه الفضيحة جرس إنذار لنا جميعًا.
إما أن نستفيق، أو نستمر في السقوط نحو قاع اللا كرامة، حيث لا يُكرَّم شريف، ولا يُذكر شهيد، ولا يُبنى وطن.