الأربعاء, 09 يوليو 2025
135
في كل مرة نتحدث فيها عن مستقبل اليمن، نرسم في مخيلتنا صورة وطنٍ مستقر، مزدهر، يُنبت جيلًا مختلفًا قادرًا على البناء بعد طول دمار، ولكننا ننسى أو نتناسى حقيقة بسيطة: أن هذا الجيل المنشود يُربّى اليوم على يد نساء لم يُمنحن حق التعليم، أو تمّ انتزاعه منهن مبكرًا.
من غير المعقول أن نطالب بثمرة لم نزرعها. كيف نرجو أمهاتٍ واعيات، مربيات قادرات، مواطنات فاعلات، ونحن نحرم الفتيات من مقاعد الدراسة في الأرياف، وندفعهن خارج أسوار المدارس في المدن تحت ضغط الفقر، العادات، أو التمييز غير المعلن؟
إن أي مجتمع يُريد أن ينهض لا بد أن يستند على جناحين متكافئين: الرجل والمرأة. أما حين يستهين بتعليم نصفه، فهو يُقصي تلقائيًا قدرته على الطيران، أو على الأقل يُعرّضه للدوار والسقوط المتكرر.
في التجربة اليمنية، التعليم ليس ترفًا، بل خط الدفاع الأول ضد التمزق والتطرف والجهل. والمرأة ليست مستفيدة فقط من التعليم، بل هي ناقلته الأولى، وراعيته الصامتة. حين تتعلّم الأم، يتعلّم معها الجيل كله. وحين تُجهّل، ينتقل الجهل كإرثٍ ثقيل لا فكاك منه.
ليس المطلوب هنا شعارات سطحية، بل تحوّل حقيقي في الأولويات. على الدولة، رغم وضعها المعقد، وعلى المجتمع، رغم تعبه، أن يضع تعليم الفتاة في مقدمة اهتماماته. يجب أن تصبح الفتاة أول من يُوفّر له الكتاب، وليس أول من يُطلب منه تركه. وأن تصبح المدرسة حماية لها، لا تهديدًا لسمعتها.
هناك مبادرات مجتمعية بدأت تنبت في مناطق متفرقة من اليمن، بقيادة نساء ورجال يُدركون قيمة التعليم. هؤلاء هم البذور التي تحتاج رعاية، لا عرقلة. هم الأمل البعيد في وسط ظلمة طويلة.
دعونا نكف عن ترديد مقولات من نوع "المرأة مربية الأجيال" ثم نحرمها من أبسط أدوات التربية: المعرفة. ودعونا نعترف بشجاعة أن تعليم المرأة ليس تفضّلًا منها أو من المجتمع، بل حقّ أصيل، وعدالة اجتماعية، وشرط رئيس لأي نهوض.
في الختام، إذا أردنا ليمن المستقبل أن يُحلّق، فلا بد أن نتيح لكل فتاة يمنية فرصة أن تكون جناحًا كاملًا، لا ظلًا لجناح آخر. فالأوطان لا تُبنى بنصف معرفة، ولا تنهض بنصف عقل.