> علي الكثيري:

علي الكثيري
علي الكثيري
يتعمّد الحزب الحاكم - مع سبق الإصرار- اختزال المعارضة الوطنية داخل البلاد، في صورة ثلاثة من أحزاب (اللقاء المشترك) وتمعن أحزاب ذلك اللقاء في ممارسة أفضح أشكال الإقصاء والإلغاء من خلال الادعاء الفج بأنها العنوان الأوحد للمعارضة السياسية في البلاد، وبأن ما عداها من أحزاب لا يعد شيئاً مذكوراً، لذلك يتطاول الطرفان على الوطن وأبنائه وقواه السياسية، من خلال استبعاد الآخرين عن أي حالة حوار أو نقاش تتمحور حول أي شأن وطني أو ديمقراطي أو انتخابي وهو نهج إقصائي تجاوزه الزمن وكشف عقمه وخطورته ومأساوية مخرجاته.

إن ما نسمعه هذه الأيام عن حوارات بين الطرفين يندرج ضمن ذلك التوصيف، وهي حالة تكررت على مدى الأعوام الفارطة، وعند اقتراب أي استحقاق انتخابي، ولا تنتج -في الغالب الأعم- غير صفقات تلبي بعض المنافع الحزبية والشخصية الضيقة، وتضرب في الصميم مصالح الوطن وضرورات الانماء الديمقراطي المنشود، ولعل ما يتسرب اليوم عن تلك الحوارات وموضوعاتها وقضاياها، يجعلنا نلمس حقيقة ما يراد وما يمكن أن تفضي إليه، إذ يبدو جلياً أن نقاش المتحاورين يتمحور حول قضية اللجنة العليا للانتخابات وكأنها القضية المفصلية التي يتوقف على معالجتها إنقاذ البلاد من مجاهل الأزمة الكارثية الشاملة التي تعصف بها.

بل وكأني بـ (التقاسم) و(الصفقة) المتوقع أن تتمخض عنها تلك الحوارات، كأني بها المأثرة التي ستكتب للوطن انفراجاً شاملاً يؤسس لانطلاقة جديدة مرتجاة.. إنه لأمر مؤسف أن يتواصل التعاطي على هذا النحو مع واقع وطني مضطرم بالأزمات المرعبة.. وإنه لأمر مفجع أن تتمادى بعض أحزاب المعارضة في أن تبيح لنفسها حق شطب الآخرين من منظومة العمل السياسي المعارض، والمضي في حوارات تسوغ للسلطة نهجها السادر في تكريس الأوضاع المختلة وتأجيج الانهيارات ورفض الحاجة الوطنية للإصلاح السياسي الشامل.

يتعين - والحال كذلك- الكف عن نهج الاختزال والشطب والإلغاء، فالوطن ملك للجميع، وليس ملكاً لحزب حاكم ولبضعة أحزاب معارضة، ذلك أن توجها استبدادياً كهذا، قد اندحر باندحار عصر الدكتاتوريات الشمولية التي يلعنها حكامنا ومعارضونا صباح مساء، أما الحوار فهو السبيل الأسلم للعبور بالوطن إلى فضاءات النماء والازدهار، وهو ما يوجب ضرورة أن يكون حواراً وطنياً لا يستثني أحداً، وأن ترتكز مستهدفاته على مقتضيات التجسيد الفعلي لمنظومة الإصلاح الوطني السياسي الشامل والتأسيس لانطلاقة نهضوية جديدة ومجيدة طال أمد انتظارها.

والله الموفق من قبل ومن بعد.