> تقرير/ صلاح الجندي
ليست أفواه البنادق والمدافع التي يتلقاها سكان تعز وحدها من تحصد ارواحهم، فثمة موت يأتي بطرق أخرى، كالموت جوعا بسبب الحصار المطبق على تعز والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية، وانعدام القدرة الشرائية للمواطن في ظل انقطاع الرواتب لما يقارب العام.
تدخل الحرب عامها الثالث، في ظل وضع معيشي صعب للمواطن اليمني والمواطن بتعز خاصة، حيث استنزف سكانها كل مدخراتهم المادية من ذهب ومقتنيات وأموال، وتبخر كل هذا الادخار بقساوة الحرب والوضع المعيشي وتصاعد غلاء الأسعار وارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية، كل ذلك ضاعف من معاناة الأسر القاطنة وسط حصار دام تفرضه المليشيات التي ترتكب بين الحين والآخر مجازر يومية، ويتزامن هذا مع حصار آخر للشرعية، الأمر الذي يصفه مراقبون بأنه في مستوى بالغ من الخطورة وينذر بمجاعة قاتلة.
يؤكد أمين الصبري صاحب محل لبيع المواد الغذائية، بقوله: «إن القوة الشرائية للمواطن تراجعت الى حد كبير، وأصبح المواطن لا يأخذ غير قوت يومه الضروري بسبب حالة الناس المادية وانقطاع رواتبهم».
ويضيف أمين: «نحن كتجار صغار نشتري البضائع بأسعار مرتفعة فنضطر لرفع سعر كل سلعة بما يتناسب مع قيمة الشراء، وزاد الوضع سوءا مع انهيار العملة، الذي جعل التجار الكبار يرفعون اسعار البضائع بشكل جنوني».
وتذهب نجود اليوسفي، وهي موظفة بالقطاع الخاص، إلى القول: «إن نسبة كبيرة من المواطنين ليس لديهم مدخرات لأن دخلهم لا يكاد يغطي مصروفاتهم الشهرية، وأن ارتفع الاسعار بهذا الشكل يعتبر موتا بطيئا لهم جميعا».

عملات جديدة
من بداية الأزمة منذ ثلاث سنوات لم يتأثر المواطن اليمني، لكن ارتفاع سعر الدولار، الذي كان نتيجة لطباعة عملات جديدة من قبل الشرعية بدون وجود احتياطي يدعم العملية، قصم ظهر المواطن، وكأن الأزمة لم تبدأ سوى في هذه الفترة.
ويقول الصحفي أمجد عبدالحفيظ لـ«الأيام: «لم تنته أزمة ارتفاع الاسعار لتبدأ أزمة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، التي ضاعفت قيمة نقل البضائع 100 %، حيث بلغت اجرة نقل كيس دقيق من محافظة عدن إلى تعز حوالي 850 ريالا، بعد ان كان 400 ريال في السابق».
انهيار مريع
استمرار الانهيار المريع في أسعار صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية خاصة الدولار، وبنسبة تقدر بنحو 95 % مقارنة بما قبل الحرب، ما أدى إلى موجة ارتفاعات سعرية للمواد الغذائية الأساسية بأكثر من 40 %، يقابله ارتفاع أسعار المشتقات النفطية ضاعف من المشكلة وأدى الى ارتفاع الأسعار للكثير من المنتجات رغم انخفاض أسعارها العالمية، إلا ان المستهلك هو الضحية والحلقة الأضعف.
وبحزن يصف ياسر الوضع بالموت السريري ويتابع: «من لم يمت بالقصف والمدافع وقبح حرب المخلوع والحوثيين سيموت جوعا وقهرا من واقعنا الذي زادت من معاناته الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية».
احتكار العملة
ترى الدكتورة رنا المخلافي أن من أبرز أسباب انهيار الريال وارتفاع الدولار هو قيام الكثير من التجار والنافذين وأصحاب المصالح بشراء العملة الصعبة من السوق بشكل مخيف ومتزايد واحتكارها، وتكديسها الى أيام قادمة.

وتوضح رنا عن معرفتها لدكاترة وتجار معروفين، قاموا بشراء عملات صعبة في الأيام الماضية بشكل كبير، لغرض الربح من قيمة سعر الدولار الذي وصلت قيمته حاليا الى 420 ريالا، وهذا ما جعل العملة المحلية تتدهور وكان سبب في هذا الوضع المعيشي اضافة الى الأسباب الاخرى المتمثلة في الحصار وطبع عملة محلية دون غطاء.
الموت جوعا
طاهر الجرادي، جريج جامعي، يقول إن سكان تعز وجدوا انفسهم داخل مدينة محاصرة داخليا وخارجيا وتآمر ممنهج ضد سكانها من خلال التواطؤ بتحريرها وتخليصها من قبضة المليشيات لدخول المواد الغذائية اليها ليتنفس سكانها الحياة من جديد.
ويضيف طاهر: «بل حدث عكس ذلك بارتفاع الدولار حتى وصل سعره الى 420 ريالا وفي الوقت نفسه يعلن التحالف العربي حصارا بإغلاق الموانئ والمطارات وكل المنافذ اليمنية، مما يجعل التعزي امام تحد آخر زاد من سرعة اعصار التجويع الذي يمارس على اليمنيين بشكل عام، وعلى سكان تعز خاصة» .
فمن وجهة نظر طاهر فان « انقطاع الراتب الذي يعد الدخل الوحيد لشريحة كبيرة من الأسر اضافة الى انعدام المشتقات النفطية مما جعل سعره 20 لترا للبترول يصل الى 9000 ريال.. وكذلك الحصار الداخلي والخارجي، وكل ذلك يصب فوق رؤوس المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة أمام هذا الحال المزري والممارس من قبل التحالف العربي الذي يعتبر «المنقذ» من العدو الداخلي خاصة وهو يترك تعز دون الضغط على الألوية العسكرية بسرعة استكمال التحرير» .

وفي تعز يعتبر نفاد مدخرات المواطنين بعد أن توقفت رواتبهم منذ أكثر من تسعة أشهر بمثابة انهيار سياج الأمان الأخير الذي كان يحميهم من السقوط في مستنقع الحرب والموت جوعا.
إذ يتطلب على الحكومة الشرعية الذي استبشرنا بها، ممثلا بوفدها الذي زار المدينة مؤخرا، سرعة إغاثة المواطنين من خلال صرف مرتبات الموظفين المتأخرة والاستمرار في صرفها بشكل منتظم إلى جانب وضع حلول عاجلة لمن فقدوا أعمالهم ممن لا يملكون وظائف.
حرب تتمدد إلى الأرياف
منذ عامين وأكثر عمل حلف مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية بالسيطرة على المداخل الرئيسية للمدينة، وإحكام حصار مرا ومنه تشن قصف متواصل على المدنيين فيما تخوض في ارياف المحافظة حربا ضاربا وتجتاح بشكل مستمر قرى متفرقة مما جعل سكان تلك المناطق يعانون نزوحا مكلفا، وتشرد أفقد مصدر الدخل الذي كان يعين تلك الأسر التي تعتمد أساساً على الزراعة، تارة والمواشي تارة أخرى.
يقول مفيد المقطري استاذ تربوي، أن تضييق الخناق بقصف المدينة وتضم ما يقارب ثلاثة مليون نسمة وقطع المواد الغذائية والنفطية عنها جريمة لم يشهد لها العالم مثيل خاصة بعد تمدد حرب الإنقلابيين في القرى الريفية الذي ظهر جليا بعد تصعيدها العسكري الأخير غرب المحافظة.
ويحكي مفيد قصة معاناتهم قائلاً: «عام ونص وموظفي تعز دون مرتبات وان أتت فتأتي بعد آلاف التصريحات والوعود والتبريرات فتكون بمثابة مسكنات ألم تعطى للمريض لينام، ويرافق ذلك زيادة الحصار والقصف ليصل الآمن في بيتة قبل المقاتل في متارس المواجهات ويطول الأحياء المأهولة بالسكان دون ردع أو استنكار من التحالف والشرعية»
لافتا الى أن تعز المدينة التي اوقفت زحف المليشيات، ووقفت حجر عثرة أمام مشروعهم الأمامي الاستبدادي تعاقب بالحصار الثنائي من قبل المليشيات والتحالف، يصحبه جوع وأمراض تكتسح المدينة، وتهدد سكانها بالموت البطيء منذرة بكارثة إنسانية تلوح من على بعد أسبوع او أسبوعين ما لم تكن خاطفة.