> خيرالله خيرالله
يظلّ اللقاء بين اليمنيين في استوكهولم نجاحاً لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن جريفيثس الساعي إلى تحقيق اختراق ما. لكن ذلك لا يمنع القول إن نجاح جريفيثس يظلُّ محدوداً لأسباب عدّة. في مقدمّ الأسباب أن الذين التقوا في العاصمة السويدية لا يستطيعون التوصّل إلى أي حل سياسي حقيقي دائم للأزمة اليمنية المستمرة منذ العام 2011م، والتي دخلت مرحلة جديدة منذ الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م. يوم نجح الحوثيون (أنصار الله) في وضع يدهم على صنعاء، وباشروا التمدد في كلّ الاتجاهات، قبل أن يتصدّى لهم التحالف العربي، ويخرجهم من عدن والمخا ويحاصرهم في الحديدة.
تبقى نقطة الضعف الأبرز في لقاء استوكهولم «اقتصاره على طرفين لا يستطيعان الدخول في الموضع الأساسي»، أي الحل السياسي الذي كان في متناول اليد في الكويت، حيث سعى أمير الدولة، الشيخ صباح الأحمد، إلى طي صفحة تلك المأساة عبر حل سياسي شامل. التقى اليمنيون بكل فئاتهم في الكويت صيف العام 2016م، وكادوا بلوغ وقف للحرب الدائرة على أرض البلد، والتي تُهدد بكارثة إنسانية ذات حجم مخيف من النوع الذي لا سابق له في زمننا.
لماذا لا يستطيع الطرفان اللذان يتفاوضان وإن بطريقة غير مباشرة في استوكهولم تحقيق تقدّم حقيقي في مجال الوصول إلى حلّ سياسي؟ هذا عائد أوّلاً إلى أن الحوثيين لا يمثلون سوى قسم من الشمال اليمني. ليس صحيحاً أنّهم ورثوا الجمهورية العربية اليمنية، وهو الاسم الذي كان يطلق على اليمن الشمالي قبل تحقيق الوحدة في العام 1990م. لا يمثّل الحوثيون الذين يسمّون أنفسهم «أنصار الله» سوى جزء من الزيود في اليمن. لا يحظون حتّى بتأييد كل العائلات الهاشمية التي تُشكل طبقة بحد ذاتها في اليمن، وذلك منذ عهد الإمامة الذي كان يستند إلى هذه العائلات المعروفة.
أمّا «الشرعية» التي تفاوض الحوثيين في استوكهولم، فلا تبدو في أحسن أحوالها، خصوصاً أنّه لم تجرِ إعادة تشكيل لها تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى إشراك قوى مختلفة من كلّ المناطق ومن كلّ القوى السياسية تتولى المواجهة مع «أنصار الله». ليس سرّاً أن الحوثيين في موقف أفضل من موقف «الشرعية»، بعدما بذل جريفيثس وقوى دولية ضغوطاً من أجل عدم حسم معركة الحديدة.
تكمن مشكلة «الشرعية» في أنّها لا تضمّ شخصية قويّة ذات صفات قيادية قادرة على جمع اليمنيين حولها. تجد هذه «الشرعية» نفسها مضطرة إلى الأخذ من رصيد التحالف العربي، بدل أن تكون سنداً لهذا التحالف الذي استطاع وضع حدّ للمشروع الإيراني في اليمن. ليس سرّاً أن «أنصار الله» يمثلون رأس الحربة لهذا المشروع الذي كان من بين أهدافه التحكّم بالملاحة في مضيق باب المندب لو لم يوجد من يتصدّى له في المخا وقبل ذلك في عدن.
من أجل إقناع الحوثيين بالمجيء إلى استوكهولم، لبّى جريفيثس معظم طلباتهم. بدا كأن لقاء استوكهولم نظّم من أجل استرضاء «أنصار الله» والوقوف على خاطرهم. وهذا ما مكنهم من نقل بعض الجرحى، بينهم عدد لا بأس به من حملة الجنسيات غير اليمنية، إلى خارج اليمن كي يعالجوا هناك.
قبل عامين، غلب على المفاوضات التي أجريت بين اليمنيين في الكويت الطابع السياسي. كان الهدف الوصول إلى حل شامل بمشاركة كلّ الأطراف اليمنية. توجه في مرحلة معينة، فيما كانت المفاوضات دائرة في الكويت، وفد حوثي إلى السعودية من أجل عقد لقاءات مع مسؤولين في المملكة. كان ذلك دليلاً على أن التحالف يبحث قبل غيره عن حلّ سياسي في اليمن، وأن ليس صحيحاً أن هدفه التدمير من أجل التدمير كما تدّعي أبواق إيران وأدواتها.
الأكيد أن أحداً، بما في ذلك مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، لم يستطع إلى اللحظة الحصول على جواب عن هذا السؤال المتعلق بما يريده الحوثيون. هذا ما يدعو إلى الاكتفاء في الوقت الحاضر بتحقيق تقدّم في المجال الإنساني في حين يبدو أن البحث عن حلّ سياسي لا بدّ أن ينتظر ظروفاً أخرى، وذلك بعد تفويت فرصة الكويت قبل ما يزيد على عامين.
إنهّا مرحلة الأسئلة أكثر بكثير مما هي مرحلة الأجوبة في اليمن. مرحلة يفرضها بقاء وضع الحديدة يراوح مكانه استجابة لتمنيات المبعوث الأممي والقوى التي تدعمه.
عن (المستقبل) اللبنانية