> محمد بلعجم

 بعد مضي أكثر من 4 سنوات على اشتعال نيران الحرب في اليمن، التي بدأت بمعارك وهجمات شنها الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح آنذاك للسيطرة على محافظة عدن وتعز ومأرب، وبدأ الهجوم في 22 مارس 2015م باندلاع اشتباكات في محافظة تعز، وكانت الاشتباكات في محافظة مأرب قد بدأت منذ أواخر 2014 بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وبحلول 25 مارس أسقط الحوثيون تعز والمخا ولحج، وتقدمت إلى مشارف عدن مقر الحكومة ومعقل الرئيس هادي، الذي غادر البلاد بعد تعرض القصر الجمهوري في عدن لقصف جوي.

 وفي نفس اليوم أعلنت المملكة العربية السعودية بدء عملية عسكرية أطلقت عليها «عاصفة الحزم» لاستعادة الشرعية في البلد بمشاركة العديد من الدول الخليجية والعربية، وتقديم المساعدة اللوجستية من الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع تمدد الحوثيين في العديد من المناطق وسيطرتهم على أسلحة العديد من المعسكرات والأسلحة الإستراتيجية مثل الصواريخ الباليستية، والتي في بداية الأمر لم يستطيعوا التعامل معها؛ ففي كثير من المرات عندما كانوا يحاولون إطلاقها من منصاتها تنفجر فوقها قبل إقلاعها، ومع مرور الوقت والتدرب أكثر تمكنوا من إطلاقها وإرسالها إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وقوات التحالف، ولم يتوقف استخدامهم لتك الصواريخ على تلك الأهداف بل امتدت إلى دول الجوار مثل المملكة العربية السعودية، التي تقود التحالف، مما مثل نقلة نوعية للحوثيين وإعلان تحولهم من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم.

ومع تطورات الحوثيين في القدرات الصاروخية رغم إعلان قوات التحالف تدمير العديد من منصاتها واستهداف العديد منها لم يكلّوا أو يملوا في تطوير سلاحهم الهجومي حتى تم استخدام الطائرات المسيرة، والتي كانت في بداية الأمر للكشف عن أماكن قوات التحالف والشرعية، وفي الآونة الأخيرة شاهدنا استغلال أكثر لهذه الطائرات حيث تحولت مهمتها من استطلاعية إلى هجومية؛ مثل عملية استهداف منصة القادة العسكريين في قاعدة العند أثناء العرض العسكري بها. 

وترجح حكومة الشرعية أن هذه الطائرات تم تهريبها إليهم من حليفهم الإستراتيجي إيران، ربما هي كذلك؛ ولكن السؤال الذي يحيرني ويحير الكثير من أبناء الشعب اليمني: كيف يتم تهريب السلاح للحوثيين وقوات التحالف تفرض حظراً على كافة المنافذ اليمنية؟!
وبين هذه الأحداث علِق الشعب اليمني بين مطرقة الحوثيين وسندان الحكومة الشرعية وحلفائها؛ ليعيش في وضع إنساني واقتصادي مزرٍ جداً حتى وصل الحال ببعض الأسر لجمع طعامها من النفايات في الشوارع وانتشرت بشكل مخيف وكثيف ظاهرة التسول والعديد من الأوبئة والأمراض المعدية.

وعلى الرغم من سلسلة المفاوضات الفاشلة بين الطرفين دعت منظمة الأمم المتحدة إلى مفاوضات جديدة في مدينة «ستوكهولم» في السويد، وأعلن طرفا النزاع مشاركتهم فيها، وفعلاً عقدت أولى جلسات المفاوضات في 13 ديسمبر 2018..
 حيث اجتمع في «ستوكهولم» وفد عن الحكومة الشرعية وآخر عن الحوثيين بحضور الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش»، حيث عقدت محادثات تمخضت عن اتفاق لوقف كامل لإطلاق النار وانسحاب عسكري لكافة الأطراف من محافظة الحديدة.

وتضمن الاتفاق إشراف قوى محلية على النظام في المدينة لتبقى الحديدة ممراً آمناً للمساعدات الإنسانية، وقضى الاتفاق بانسحاب ميلشيا الحوثي من المدينة، والميناء خلال 14 يوماً، وإزالة أي عوائق تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها. إلا أن هذه الهدنة ما لبثت أن انتهكها الحوثيون بعد الانتهاء من المشاورات.. فقد أكد شهود عيان في الحديدة لـ «رويترز»، عن سماعهم أصوات اشتباكات في ضواحي المدينة، وكذلك أعلنت «اللجنة العليا للإغاثة» أن الحوثيين احتجزوا ومنعوا دخول أكثر من 88 سفينة إغاثية وتجارية ونفطية إلى ميناءي الحديدة والصليف.

وأوضحت اللجنة أن الحوثيين نهبوا واحتجزوا 697 شاحنة إغاثية في الطرق الرابطة بين محافظات الحديدة وصنعاء وإب وتعز وحجة وذمار، ومداخل المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتها، آخرها احتجاز شاحنة تزن 32 طناً في ميناء الحديدة كانت متجهة إلى محافظة صنعاء يوم 29 ديسمبر 2018، مشيرة إلى أن بعض تلك الشاحنات المنهوبة كانت تحمل أدوية خاصة بوباء الكوليرا ولقاحات الأطفال.

ومع استمرار الحرب تزداد معاناة الشعب اليمني يوماً بعد يوم، بينما قيادة طرفي النزاع هاربة خارج البلاد وبعضهم بداخلها يعيش حياة الرفاهية التي تحلو عندهم بسماع بكاء الأطفال وأنين المرضى.
ويبدو أنه لا توجد بوادر انفراج للأزمة في الوقت الراهن في ظل أزمة ثقة متجذرة بين الطرفين، وفي ظل وجود مافيا منظمة تعيش من خلال استمرار هذه الحرب في بيع الأسلحة والاتجار بالممنوعات والتلاعب بأسعار المواد الضرورية من غذائية وعلاجية.

وفي خضم هذه الأحداث الجسام يبقى الشعب اليمني في انتظار بصيص أمل يهتدي إليه ليطفئ نيران تلك الحرب ويمحو مخلفاتها ويصحو من كابوس دامٍ استمر معه لأكثر من أربع سنوات.