> عدن «الأيام»
أصدر حزب رابطة أبناء الجنوب العربي الحر، أمس، بيانا بمناسبة الذكرى الـ (68) لتأسيس الحزب، استعرض فيه المنعطفات التاريخية التي مرت بها الرابطة، وعاصر خلالها أحداثاً سياسية في مسار قضية الجنوب منذ ما قبل الاستقلال الأول عن بريطانيا حتى الوقت الرهن، الذي يناضل فيه شعب الجنوب لاستعادة هويته ودولته.
مدخل:
“تهل علينا هذه الذكرى التاريخية وبلادنا تمر بمرحلة تبدو حرجة، وشعبنا يعاني الأمرّين في كل مفاصل الحياة، وقضيته العادلة في التحرير والاستقلال وبناء دولته الفيدرالية الجديدة، تتعرض لبعض التجاذبات التي يجب حلّها وتجاوزها. ونعتقد أن الذكرى الـ 68 لإشهار أول كيان يمثّل الحركة الوطنية لكل مناطق الجنوب العربي، قد تمنحنا، مع ما تلاها من تطورات وأحداث عِبراً كثيرة نتعلم منها جميعاً كيف نخدم قضيتنا وشعبنا.
لقد استغرق روّاد الحركة الوطنية الجنوبية سنوات ثلاث، من عام 1948م إلى مثل هذا اليوم 29 أبريل من عام 1951م، ليعلنوا أول كيان وطني جنوبي عربي على مستوى كل الجنوب. وقد ضم نخبة من كل الجنوب العربي ومن كل الأطياف الفكرية والتوجهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، واتفقت جميعها على الهدف الواضح وهو كالتالي:
- ضمان وحدة أراضيه.
- انتقال السيادة لشعبه.
ولم يستثنِ هذا الكيان أحداً بسبب انتماء مناطقي أو جذور غير جنوبية، طالما أصبح مواطناً جنوبياً يتبنّى الهدف الجامع المذكور.
ولنا أن نعلم جميعاً، على سبيل المثال، أن شخصية يسارية، يقود هذا التوجّه، كان من الرابطة وكاتبها الأساسي في “صحيفة الجنوب العربي” هو الأستاذ عبدالله باذيب، وفي مراحل لاحقة استقل البعض بمكونات تمثل توجهاتهم الفكرية، ولم يخلق ذلك عداءً.
كما نود أن نذكر هنا أن حركات وانتفاضات على مستوى مناطق في الجنوب العربي، سبقت إنشاء الكيان الموحد للجنوب وهو (الرابطة)، لم تتوقف عن النضال لمناطقها بقصد التخلص من النفوذ البريطاني والاستعمار في عدن. وقدموا التضحيات، سواء في ثورة حضرموت أو في مناطق مثل بيحان ومنطقة الربيزي والواحدي ومعظم مناطق أبين، سواء في باكازم أو دثينة أو العواذل أو الفضلي أو يافع، وفي لحج مثل الصبيحة والحواشب وردفان والضالع ويافع، وتعرضوا لقصف الطيران وتدمير البيوت والتشريد وغير ذلك، وإن لم تكن لكل تلك الانتفاضات والنضالات رؤى سياسية مستقبلية أو قيادة تجمعها، وشعبنا لم يكن مستضعفاً أو خانعاً، ولم توقظه إلا ثورة في اليمن الشقيق أو غيرها، بل كان طوال تاريخه رافضاً للاستعمار الأجنبي والنفوذ الأجنبي منذ لحظة الهجوم البريطاني على عدن لاحتلالها، حيث قدّم الشهداء ومنهم أحد أمراء سلطنة لحج وغيره.
وكان الكيان الرابطي هو الكيان السياسي الوحيد الذي تم نفي بعض قياداته الرئيسية رسمياً من قِبل بريطانيا.
وهو الكيان الذي أصدر تصوراً واضحاً لمستقبل الجنوب العربي في بيانه الصادر في شهر مارس 1956م، وحددته بأن دولة الجنوب العربي القادمة تقوم على النظام الفيدرالي بين مناطقه وعلى الديمقراطية وحرية الرأي والمواطنة المتساوية، وأن الشعب مصدر السلطات، تنبثق حكومته عبر انتخابات نيابية حرة، وأن يكون قضاؤه مستقلاً.
وكانت حركة الرابطة سلمية ناجحة، ولكن الرابطة قاومت عندما استخدم الاستعمار السلاح ضدها وضد الجنوب في الأعوام 1956م و1959م و1960م و1961م)، واستطاعت الرابطة بتحركها سياسياً، سواء محلياً أو عربياً أو دولياً، تحقيق تأييد لقضية الجنوب العربي على مستوى دول ومنظمات إقليمية ودولية مثل مؤتمر شعوب آسيا وأفريقيا، ومؤتمر شباب آسيا وإفريقيا، واتحاد المحامين العرب، واتحاد الكتّاب العرب، واتحاد العمّال العرب، حيث كانت أول نقابة تأسست في الجنوب العربي في عدن، أسسها أحد قيادات الرابطة وهو السيد زين صادق الأهدل، والتي كانت نواة للمؤتمر العمّالي الذي شارك في ما بعد في مؤتمرات اتحاد العمّال في العالم العربي والعالم، وكان عبدالله علي عبيد من أوائل من شاركوا عن المؤتمر العمّالي في عدن في تلك المؤتمرات العمّالية العربية والدولية بتشجيع ومؤازرة من الرابطة، ثم واصل المؤتمر العمّالي طريقه، وقام بدوره المهني والوطني في كل المراحل.
والحصول على تأييد وقرارات الأمم المتحدة لصالح قضية الجنوب العربي، منطلقة من نفس المطالب التي تقدم بها حزب الرابطة، حيث بدأ الحزب بطرق أبواب الأمم المتحدة منذ 1959م، عندما توجّه الأستاذ القائد شيخان عبدالله الحبشي إلى الأمم المتحدة. وتواصلت جهود الرابطة لدى المنظمة الدولية عند تشكيل لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة، حيث توجّه رئيس الرابطة آنذاك السيد محمد علي الجفري وأمينها العام الأستاذ شيخان الحبشي إلى الأمم المتحدة، وصدرت قرارات لجنة تصفية الاستعمار الخاصة بالجنوب العربي واستقلاله في شهر يونيو وشهر يوليو 1963م والتي كانت أساساً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر في شهر ديسمبر1963م، حيث أشارت (الجمعية) في قرارها إلى تأييد وتبنّي قرارات لجنة تصفية الاستعمار. ثم حددت بريطانيا موعد استقلال الجنوب العربي ليكون في 9 يناير 1968م. واستمر التواصل مع لجان الأمم المتحدة الخاصة بالجنوب العربي حول كيفية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. وشارك بعد ذلك كل الأطراف الجنوبية، التي أُنشئت في ما بعد، والشخصيات الجنوبية وكذلك حكومة اتحاد الجنوب العربي في لقاءات مع لجان الأمم المتحدة حول كيفية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. كما صرّح اتحاد الجنوب العربي عبر وزير خارجيته آنذاك الشيخ محمد فريد بقبولهم بقرارات الأمم المتحدة.
واعتدت بريطانيا في 13 أكتوبر 1963م على ردفان واستشهد الشهيد لبوزه، وكانت انطلاقاً لما سُمّي بثورة 14 أكتوبر. وتبنّت الجبهة القومية ثورة أكتوبر63م، عند إعلان إنشاء الجبهة القومية في 1964م.
وعلينا أن نؤكد للأمانة التاريخية، بأن الشباب الذين انتموا لهذه الثورة، والقيادات المحلية، قد قدّموا تضحيات بإسناد من الشقيقة مصر التي كانت قواتها موجودة في اليمن الشقيق. وذلك بعد اتفاق بين الرئيس عبدالناصر رحمه الله وحركة القوميين العرب بزعامة جورج حبش، آنذاك، على التحالف على المستوى العربي كبديل للبعث الذي اختلف مع مصر الشقيقة بعد فصل سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة. إلا أن هذا الاتفاق تعثّر في أواخر عام 1965م. فساندت مصر الشقيقة إنشاء جبهة التحرير التي تم إعلانها في تعز في 13 يناير 1966م، والتي ضمّت جزءاً كبيراً من الجبهة القومية وجزءاً من منظمة التحرير بقيادة المرحوم عبدالله الأصنج وبعض المستقلين ومنهم السلطان أحمد بن عبدالله الفضلي، والأمير جعبل بن حسين العوذلي وغيرهم. وجاء الأستاذ عبدالقوي مكاوي، رحمه الله، أميناً عاماً لجبهة التحرير، وهو الذي كان رئيساً لوزراء عدن، وكانت له مواقف وطنية، واعترضت بعض قيادات الجبهة القومية في الداخل على هذا الأمر واستمروا كجبهة قومية، وإن كان بزخم أقل، حتى جاءت هزيمة العرب ونكبتهم في حربهم مع إسرائيل في عام 1967م، وهذا أدى إلى ضعف السند لجبهة التحرير، حيث إن مصر بدأت تنسحب من اليمن. وجاءت ظروف تم تسليم الحكم فيها من قِبل بريطانيا للإخوة في الجبهة القومية، وترحيل سلاطين وحكام الجنوب خارج الجنوب. وهذا الأمر سيكون أكثر وضوحاً في الوثائق البريطانية.
وفي هذا السياق أدركت قيادة الرابطة ما هو مقبل على الجنوب، ورفضت الدخول في أي صراعات (جنوبية - جنوبية) رغم العروض. ودُفع بالإخوة في الجبهتين إلى صراع دامٍ على من يمثّل الجنوب، مع أن الجامعة العربية قد أصدرت توصية بأن تقوم حكومة وحدة وطنية من حزب الرابطة والجبهتين لاستلام استقلال الجنوب، ولكن للأسف لم يقبل أيُّ من الجبهتين هذا الأمر، ولعل هذا الأمر واضح في مقطع تسجيلي مصور للرئيس جمال عبدالناصر يقول فيه: إنهم حاولوا توحيد قوى الجنوب العربي لإدارة الجنوب العربي ولكنهم لم ينجحوا.
وهذا الاستطراد قادتنا إليه ذكرى تأسيس رابطة الجنوب العربي والأسس التي قامت عليها واستيعابها وقبولها لكل التوجهات التي كانت مع الجنوب واستقلاله عن الاستعمار البريطاني وضمان وحدة أراضيه وانتقال السيادة لشعبه. لعل هذا الاستطراد ينير لنا طريقنا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها قضية الجنوب العربي، لعلنا جميعاً نعتبر من تجاربنا لبناء جنوب عربي فيدرالي يتسع لكل أبنائه وتتسع قلوب كل أبنائه لبعضهم البعض.
ولم نتعرض في هذا الإيجاز لقضايا كثيرة منذ استقلال الجنوب حتى اليوم، وذلك لأنه سبق التعرض لهذه القضايا في ما كتبه زملاء من الرابطة صاغوا إيجازاً عن الذكرى الـ 67 لتأسيس الرابطة في العام الماضي، وموجودة في الموقع الإلكتروني لحزب الرابطة وغيره من المواقع الالكترونية.
إنني جعلت هذا الإيجاز، كما ذكرت آنفاً، لنستفيد جميعاً من تاريخ بلادنا وحركتها الوطنية للسير بقضية بلادنا اليوم نحو هدفها المنشود دون أن نقع في أخطاء قد وقعنا فيها سابقاً”.
عبدالرحمن علي بن محمد الجفري
رئيس حزب رابطة الجنوب العربي الحر(الرابطة).