> حاوروه/ سليم المعمري

كشف رئيس قسم الرقابة والتفتيش بمكتب الصحة بالعاصمة عدن ورئيس قسم الصيدلية بمديرية المنصورة، د. فؤاد ناصر عبد الله، عن أسباب توقيف مكتب الصحة لمهام قسم الرقابة والتفتيش، والذي تسبب بانتشار الأدوية المهربة والمحظورة في الأسواق المحلية.
وأكد في حواره مع "الأيام" أن المنشآت الصحية العامة والخاصة تعمل من بدون رقابة منذ 2018م.

د. فؤاد ناصر
د. فؤاد ناصر
وحمّل د. عبد الله الهيئة العليا للأدوية مسئولية انتشار الأدوية المهربة بشكل مخيف في الأسواق المحلية.
هذا المعلومات وغيرها تقرؤونها في سياق الحوار الآتي:

بداية حبذا لو تطلعنا على مستوى رقابة مكتب الصحة على الأدوية؟
بالنسبة إلى الأدوية وما ذكر حولها كنا ملتزمين فيها بالعمل وفق اللوائح المنظمة، ولكن في فترة ما بعد الحرب 2015م وحتى 2017م وما نتج عنها من أوضاع صعبة مصحوبة بحالة الانفلات الأمني عملنا خلالها بحسب الضمير، غير أن فترة ما بعد 2018م استاءت الأحوال كثيراً لتصبح الأدوية داخلة وخارجة بدون أي رقابة.
أدوية تابعة للتحالف العربي توزع مجاناً لكنها تباع في الصيدليات
أدوية تابعة للتحالف العربي توزع مجاناً لكنها تباع في الصيدليات

هل هناك من إجراءات متخذة ضد المخالفين؟
ليس هناك أي إجراءات، فالأدوية تدخل البلاد ولا نعرف عنها شيئاً، ونتفاجأ بوجودها في السوق المحلية، وإذا ما سألنا عنها يقولون وكيلها فلان ونحن لا نعرف عنه شيئا.

من الجهة التي تتحمل هذا التجاوز والمخالفة؟
الهيئة العليا للأدوية هي الملزمة بتصريح هذه الشركات لدخولها البلد، وفهي التي سمحت بالكم الهائل لدخول هذه الأدوية للبلد، حتى أصبح اليمن البلد رقم واحد في استيراد الأدوية وعدد الأصناف الموجود فيها.
أدوية تابعة للتحالف العربي توزع مجاناً لكنها تباع في الصيدليات
أدوية تابعة للتحالف العربي توزع مجاناً لكنها تباع في الصيدليات

هل هناك تنسيق بين الرقابة والهيئة العليا للأدوية؟
المفروض أن يكون هناك تنسيق مسبق بين الهيئة وبين رقابة التفتيش؛ لنعرف الأدوية المستوردة، لكن ما يحدث الآن العكس؛ حيث بتنا نسمع عن أشخاص كوكلاء لاستيراد الأدوية، بل انفتح الباب على مصراعيه فأي واحد عنده إمكانيات يسجل له شركة أو شركتين ليتمكن من استيراد الأدوية.

ما نوعية الشركات والأدوية المتواجدة في السوق؟
طبعاً أصبحت الشركات ذات الجودة والكفاءة التي استمرت واستطاعت تقاوم فوضى السوق قليلة، أما الأصناف الموجودة في الأسواق فمعظمها أصناف ذات مستويات أقل مما كانت عليه في السابق، فحالياً مثلاً لا تجد الأدوية الإنجليزية والألمانية والفرنسية والأمريكية، وحلّت بدلاً منها الأدوية البلغارية واليوغسلافية والهندية والباكستانية والبنجلاديش والصين وجميعها أقل جودة من الأدوية السابقة، بل لا يوجد بينها وجه مقارنة، وفي العادة استخدام هذه النوعية من الأدوية لها تأثير كبير على المرضى من أبناء المجتمع، بل إن هناك من المستشفيات من تكتب للمريض علاجاً وتظل الوصفة تدور على الأطباء والصيادلة ولا يدرون ما هو هذا النوع المركب؛ وذلك لأنها شركات جديدة ووهمية وغالبية الأدوية مهربة ولا يوجد بها أي أسماء علمية.
أدوية تابعة للتحالف العربي توزع مجاناً لكنها تباع في الصيدليات
أدوية تابعة للتحالف العربي توزع مجاناً لكنها تباع في الصيدليات

كم عدد الشركات العاملة في البلد؟
يتجاوز عددها حالياً المائة شركة، وهذا عدد كبير جداً، و40 شركة تكفي، ونتيجة لهذا الكم نجد أن الأدوية المتوفرة لدينا غير موجودة في دول الخليج، ونسأل الله أن يستر على الجميع، حيث أصبحت العديد من الشركات وليدة اليوم تضيع عمل شركات لديها سنوات من الخبرة، بعد أن أصبحت هذا المهنة تجارة وليس أمانة، والضحية في هذا هو المرضى وأفراد المجتمع الذين يعانون الفقر، حيث إن تناول الأدوية الرديئة ينتج عنه فشل كلوي.
حبوب منع الحمل توزع مجاناً من قبل الحكومة بينما تُعرض للمواطن في الصيدليات للبيع
حبوب منع الحمل توزع مجاناً من قبل الحكومة بينما تُعرض للمواطن في الصيدليات للبيع

ما هي مسؤوليتكم أنتم كجهة رقابة وتفتيش بمكتب الصحة؟
مسؤوليتنا تكمن حول مراقبة الأدوية وأصنفها ومدى فاعليتها، ولكن حالياً ونتيجة للأوضاع التي نعيشها أضحت تدخل بكميات كبيرة وبشكل مهول، وهناك من يشتري عمال الجمارك وعمال الطرقات؛ لكي يمرون بالأدوية، فيما كان في السابق لا يسمح بإدخالها إلا بعد أن يُجرى عليها فحص عبر أخذ عينات، ولكن الآن لا نعلم أنه يتم الفحص؛ بل يتم استهلاكها مباشرة، ومن المفروض أن ينزل مندوب الهيئة بمعية مندوب الشركة لأخذ عينات للمطابقة والمصادقة ليسمح لها بالدخل، فضلاً عن استيرادها بطرق مخالفة للقوانين، بل ولطرق خزنها، فمثلاً يشترط في استيراد الأدوية عبر حاويات كـ (ثلاجات)، ولكن الحاصل هو استخدام حاويات بمثابة خردة وتنفجر من الحرارة الشديدة.

هل تم رصد حالات تهريب؟
رصدنا أدوية مهربة وتم إتلافها، وأخرى لم نستطع لكونها تأتي عن طريق وكلاء، فمثلا عندما نسأل أصحاب الصيدليات من أين تحصلتم على هذه الأدوية؟ يجيبون "عن طريق موزعين معهم أكياس"، وعند سؤالهم هل هي أدوية صالحة ومعتمدة؟ يقولون هؤلاء يوفرون لنا الدواء.
وإذا ما طلبنا منهم معرفة هوية هؤلاء الموزعين يرفضون الإفصاح عنهم ويفضلون تحمل دفع الغرامة؛ حتى يستمروا في توفير العلاجات لهم بطريقة تهريب.

وقد أتلفنا بهذا الصدد من 2015م حتى 2017م الأدوية المهربة المسرطنة بشكل كراتين، أغلبها كانت مقدمة من الدول المانحة.
كما رصدنا خلال تنفيذنا لمهامنا بعض الأدوية المقدمة مجانياً من التحالف العربي ومن دول مانحة تباع في الصيدليات، وهذه تم جمعها وتوزيعها على المجمعات والمراكز الصحية.
دواء مخصص لوزارة الصحة يوزع مجاناً لكنه يباع في الصيدليات
دواء مخصص لوزارة الصحة يوزع مجاناً لكنه يباع في الصيدليات

وتم أيضاً رصد مادة مشهورة باسم "شربة القات" هذه موقفة وممنوعة من قِبل منظمة الصحة العالمية نظراً لآثارها السلبية التي تسبب بالأمراض الخبيثة، وللأسف موجودة بشكل كبير، وفوجئنا بالفترة الأخيرة أنه في وكيل يستوردها للبلد.
وفي الحقيقة أنا مستغرب من هذا كيف الجهة الحكومية منحت هذا الوكيل ترخيصاً لاستيراد هذه المادة الممنوعة من قِبل منظمة الصحة العالمية؟ فأنا أخضع لكل قوانين منظمة الصحة العالمية بمعنى أنا ملزم بالخضوع لها.

هل هناك تعميم لأصحاب الصيدليات بمنع بيع هذه المادة؟
نزلنا للصيدليات وأخذنا منهم توقيعات بعدم التعامل مع هذه الصنف من أي شركة كانت، ولكن أصحاب الصيدليات لم يلتزموا، وعذرهم في ذلك أن المواطن لا يريد إلا من هذا العلاج.

كيف تصف العمل في الصيدليات؟ هل يزاولون المهنة كما يجب؟
في الحقيقة أصبح العمل فيها تجارية بحتة، وأضحى عنوانها "كم بتصرف؟ وكم بتعطي؟"، وكان لدينا أمل بأن الأوضاع ستتحسن بعد الحرب غير أن الفوضى هي التي انتشرت.
دواء مهرّب لا يحمل أي ترخيص يباع في الصيدليات
دواء مهرّب لا يحمل أي ترخيص يباع في الصيدليات

كم عدد الصيدليات المرخصة؟
عدد المرخصة منها في العاصمة عدن 800 صيدلية، أما بخصوص العشوائي فرصدنا مثلا في مديرية المنصورة 5 صيدليات تم فتحها من دون الرجوع لمكتب الصحة.

ما هو دور قسم الرقابة والتفتيش تجاه ما يحدث بالسوق المحلية؟
يعد هذا القسم عيني وزير الصحة ومدير مكتب الصحة، فإذا غابت ولم تجد لها حيزاً في العمل يصبح المسؤول فاقداً لرؤية الحقيقة لِما يحدث داخل المستشفيات الحكومية والخاصة.
وبخصوص دورنا، عملنا حينما أعطونا تكليفاً بهذا الجانب ووفروا مقومات للعمل في فترة ما بعد الحرب، وقمنا بشغل جبار على الرغم من أنها كانت فترة مضطربة، وتمكنا خلالها من ضبط أدوية مهربة وضخ إيرادات لمكتب الصحة.
شربة القات ممنوعة من البيع من قبل منظمة الصحة العالمية بينما  تُباع في الأسواق بترخيص معتمد !
شربة القات ممنوعة من البيع من قبل منظمة الصحة العالمية بينما تُباع في الأسواق بترخيص معتمد !

متى توقف عمل قسمكم؟
توقفنا عن العمل منذ عام 2018م بأمر من مدير مكتب الصحة، حيث أبلغنا بالقول: "وقف اللعب وهدئ النشاط"، بدون أسباب تذكر.
في المجمل حينما يقومون بعدم إعطائك ميزانية فيعني توقف النزول، بل إن المنشآت العامة أصبحت بدون رقابة، ومن الصعب أن تشتغل، فمن سيعمل يحتاج للكادر، ولسوء الحالة توقفنا منذ عام 2018 بسبب غياب الميزانية والحماية.

ما تعليقكم حول قرار إيقاف عملكم كرقابة وتفتيش؟
قلنا له إذا كنت متحفظاً على القطاع الخاص فدعنا ننزل للقطاع العام، دعنا نواصل وننزل، أقل شيء تظهر الرقابة أنها موجودة داخل المستشفيات الحكومية والمجمعات الصحية، وبالتالي سنكتشف الكادر المتواجد وغير المتواجد والهيئة الإدارية الموجودة وغير الموجودة وكذا الأدوية المتوفرة، إضافة إلى المحاليل المتوفرة بالمختبرات وغير المتوفرة، وهذا الأمر أيضاً يحتاج إلى ميزانية.

هل هناك من تداعيات حول إيقاف عملكم؟
بكل تأكيد عندما تتغيب الرقابة يتوسع الفساد وغير المبالاة.

هل أخليتم مسؤوليتكم بعد توقيف عملكم؟ ومن يتحملها في الوقت الحالي؟
نحن لم يعطَ لنا حقنا كإدارة، المسؤولية تبدأ من مدير مكتب الصحة كونه المسؤول الأول، وهو من وقف نشاطنا وهذه مشكلة كبرى، فضلاً عن كوننا بدون ميزانية.

هل لديكم الاستعداد للعمل مجددا؟
نحن مستعدون للنزول في حالة توفرت الميزانية، لكونه من الصعب ننزل في الوقت الحالي والناس مسلحة بداخل الصيدليات، وسنستطيع تأدية واجبنا بالشكل المطلوب حينما يكون لدينا تكليف ويكون لدينا فريق متكامل، وميزانية لشراء الأقفال وللمرافقين معنا.

ماذا عن الكادر العامل في الصيدليات؟
أثناء نزولنا وبحثنا عن الكادر العامل في الصيدليات وجدنا أن كثيراً من الصيادلة يخرجون التراخيص ويتعهدون بأنهم هم من سيديرون الصيدلية، وبالتالي تكون الصيدلية تحت إشراف مؤهل وذات كفاءة، ولكننا في الأخير نتفاجأ بأن هذا الترخيص يباع لشخص تاجر، والذي بدوره يوكل إدارة العمل إلى صيدلاني مبتدئ.

كم نسبة العاملين الذين لديهم مزاولة مهنة في هذا المجل؟
العاملون الذين ليس لديهم مهنة مزاولة 50 %، وهذا يعد جريمة بحد ذاتها.

رسالتك لمدير مكتب الصحة ووزير الصحة؟
أن يدركوا أن الرقابة مهمة ليست لرقابة عمال الصحة فقط؛ بل لكل المواطنين وكذا المسؤولين، ولهذا لابد من إعادة تشغيل قسم الرقابة والتفتيش، فكيف يكون مرفق بهذه الأهمية وميزانيته صفر؟!، فلن ينجح عملنا ما دام بدون ميزانية، والذي يتحمل ذلك وزارة الصحة ومكتب الصحة.

هل يوجد لديكم مكتب في وزارة الصحة؟
لا يوجد لدينا مكتب ولا حتى كرسي، وعندما يريدون إفشالك يقومون بإغلاق الميزانية عليك.

كلمة أخيرة تود قولها في ختام هذا اللقاء؟
حبا في المواطن ندعو إلى عدم بيع الأدوية المهربة والمزورة، ثانيا نحن نخلي مسؤوليتنا وتتحمل وزارة الصحة المسؤولية، لأننا حاليا رقابة مع وقف التنفيذ".