> تقرير: محمد راجح
مثل الكثير من المعالم اليمنية التي دمرتها الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام، تلاشت العملة اليمنية في أغلب المحافظات الجنوبية والشرقية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وأصبح الحصول عليها يمثل عملية شاقة في مختلف التعاملات التجارية والمصرفية، لتحل محلها العملة السعودية، التي أضحت العملة شبه الرسمية، في "سعودة" لمختلف الأنشطة المالية والتجارية.
أزمة حادة
ويعاني اليمن من أزمة حادة في العملة المحلية، واندثار أربع فئات ورقية منها، إذ لم يعد هناك أي أثر إلا بشكل محدود للفئات 50 و100 و200 و250 ريالا، بينما لم تستطع العملة المطبوعة حل هذه الأزمة وتغطية حاجة الأسواق من هذه الفئات.
وتقوم الحكومة اليمنية بصرف مرتبات الوزراء ونواب الوزراء بالدولار، بينما يجري صرف رواتب باقي المسؤولين وأغلب التشكيلات العسكرية بالريال السعودي، فيما قدّر مركز للدراسات الاقتصادية حجم النقود السعودية التي يتم ضخها لدفع رواتب التشكيلات العسكرية بنحو ملياري ريال شهرياً.
ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن، تم إفراغ البنك المركزي من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف من العملة الوطنية، الأمر الذي هز السوق المصرفية، التي تعاني من شح كبير في السيولة النقدية وانتشار عملة قديمة مكدسة وتالفه في مناطق سيطرة الحوثيين، وعملات أجنبية ونسبة من العملة الوطنية المطبوعة في مناطق الحكومة اليمنية.
زيادة معدل التضخم
وتؤكد الأمم المتحدة في تقرير "خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن 2019" الصادر في وقت سابق من العام الجاري، أن هبوط الريال اليمني وضع البلد الفقير على حافة المجاعة، وعجزت عشرات آلاف الأسر المعوزة عن شراء المواد اللازمة للبقاء على قيد الحياة.
وبذل البنك المركزي، حسب مصادر حكومية، جهوداً كبيرة لاحتواء أزمة سعر الصرف، بما في ذلك تمويل واردات الوقود والسلع الغذائية الأساسية بسعر صرف تفضيلي، إلا أن العملة الوطنية واصلت هبوطها، حيث تجاوز سعر صرف الدولار في السوق الموازية 600 ريال في سبتمبر، مرتفعاً بحوالي 172 في المائة عما كان عليه بداية عام 2015.
يقول علي البحر، رئيس بنك الإسكان السابق، لـ "العربي الجديد"، إن "الجميع يتخلصون من العملة الوطنية من خلال مبادلتها بالعملات الأجنبية والاحتفاظ بالنقود المالية بعيداً عن القنوات المالية والمصرفية الرسمية"، مشيرا إلى أنه في حالات الانهيار الاقتصادي تصبح العملة المحلية المضطربة لا قيمة لها.
وكانت الحكومة اليمنية قد قامت في 2016 بطباعة نحو 700 مليار ريال من العملة الوطنية من مختلف الفئات، لمواجهة أزمة السيولة الحادة كما قالت.
توقف الدورة النقدية
من جانبه، يؤكد ياسين القاضي، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء "ضرورة وضع حد لأزمة العملة اليمنية ومواجهة المشاريع الهادفة لتدميرها، مثل ما يجري لكل ثروات ومقدرات اليمن". ويرى القاضي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن ما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية مطلع الثمانينيات من القرن الماضي يتم تنفيذه في اليمن منذ بداية هذه الحرب قبل أكثر من أربع سنوات، خصوصا في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي وتدمير العملة الوطنية.

وأبرز الإجراءات التي يمكن اتخاذها بصورة عاجلة لمواجهة محاولات تدمير العملة الوطنية، حسب القاضي، هو تحييد المؤسسات الاقتصادية والمصرفية عن الصراع الدائر، وعدم اتخاذها كورقة يبتز بها كل طرف الطرف الآخر، وكذا التوقف عن إنشاء كيانات موازية للسلطات الرسمية، سواء على مستوى القطاعات المصرفية أو المؤسسات الإيرادية، كخطوات عاجلة لإيقاف نزيف العملة وانهيار الاقتصاد، من خلال استقلالية المؤسسات المالية وإعادة إحياء الدورة النقدية.
نهب مال الدولة
يقول أحمد عبد الحميد السهمي، الخبير المصرفي، لـ "العربي الجديد"، إن "العملة تم إخراجها إلى السوق أو بالأصح إلى الشارع، وتم نهب مال الدولة. لهذا انقطعت الدورة النقدية تماماً، حتى الممزقة تم إخراجها وقد كانت معدة للإتلاف".
ويضيف السهمي أن البنك المركزي فشل في القيام بوظائفه منذ انتقاله إلى عدن (العاصمة المؤقتة للحكومة جنوب البلاد)، خصوصا في موضوع مرتبات التشكيلات العسكرية التي تُصرف بعيداً عن القنوات المالية الرسمية، وكذا عدم قدرته على إعادة الدورة النقدية وإلزام الجهات البنكية والمصرفية بتوريد السيولة النقدية للبنك المركزي.

ويبدو أن ما يدعو إليه الخبير المصرفي لن يجد سبيلا نحو التحقق، لا سيما أن مسؤولاً حكومياً كشف، في تصريحات لـ "العربي الجديد" في 13 يوليو الماضي، أن الحكومة تدرس مقترحاً يتضمن تحويل الدولار الأميركي والريال السعودي إلى عملتين قانونيتين يمكن تداولهما في اليمن، مشيرا إلى أن هذه الدراسة تأتي في ضوء مقترح من صندوق النقد الدولي، ضمن آليات تعالج أزمة تهاوي الريال اليمني.
تعويم الريال
ويتحدث حسن الفتاحي، مدير المركز الاستشاري للدراسات المالية (مركز مستقل)، عن عمليات مشبوهة يتم تنفيذها منذ بداية الحرب لتدمير العملة اليمنية.
ويقول الفتاحي لـ "العربي الجديد" إن أخطر المشاريع تتمثل في تعويم الريال اليمني وتعطيل البنك المركزي، الذي تم نقل مقره الرئيسي إلى عدن في سبتمبر 2016، وإغراق السوق المصرفية بالعملات الأجنبية، بعيداً عن القنوات المالية الرسمية، الأمر الذي خلق سوقا سوداء ومضاربات بالعملة في السوق المصرفية. ويضيف أن "عملية سعودة العملة اليمنية تجري بوتيرة عالية منذ بداية الحرب"، لافتا إلى أن الريال السعودي أصبح بصورة غير مباشرة عملة "تداول رسمية" في كل التعاملات التجارية والمصرفية في 7 محافظات يمنية.
ويتم في هذا الخصوص صرف رواتب نحو 200 ألف فرد من التشكيلات العسكرية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، والنخب والأحزمة التي شكلتها الإمارات في المحافظات الجنوبية، وذلك بالريال السعودي لا اليمني.
من جانبه، يشير نصر اللهبي، الباحث الاقتصادي، إلى أن تعطيل التحالف بقيادة السعودية، لعملية تصدير المشتقات النفطية اليمنية، وخنق الموانئ وخلق سلطات موازية للحكومة والسلطات الرسمية، يبدد الدورة النقدية، ما يؤدي إلى انهيار العملة الوطنية، لأن الحكومة لا تستطيع تحصيل الإيرادات من الضرائب والجمارك ومختلف التعاملات الاقتصادية والتجارية والتي تتحكم بإدارتها وتحصيلها سلطات غير شرعية يديرها التحالف.
"استنزاف الاحتياطي من قبل الحوثي"
ويقول مسؤول حكومي لـ "العربي الجديد" إن قيام الحوثيين في 2015 بتعويم استيراد المشتقات النفطية، والسوق السوداء التي أنتجوها تسبب في استنزاف الاحتياطي المقدر بنحو 5 مليارات دولار والعملة المحلية واستخدام العملة التالفة، وهو ما تسبب في الانهيار الاقتصادي والمالي الراهن.
ويرى المسؤول أن قرار نقل البنك المركزي إلى عدن جاء لمعالجة أوضاع القطاع المصرفي ومنع انهياره والحد من السياسات الحوثية لتجريف مؤسسات الدولة واستعادة البنك المركزي لأدوات إدارة السياسة النقدية للبلاد من السوق السوداء.
ويضيف أن الحكومة استطاعت الحصول على وديعة سعودية بقيمة 2.5 مليار دولار لدعم العملة الوطنية واستخدامها لتغطية احتياجات استيراد السلع الغذائية الأساسية من العملة الأجنبية وبسعر أقل من سعر السوق، بهدف تعزيز مخزون السلع الغذائية الأساسية وتوفيرها في مختلف مناطق الجمهورية بأسعار مناسبة، وكذا للحد من المضاربة في العملة ومنع انهيارها.