> «الأيام» وضحة الوصابي:
تعتبر العادات والتقاليد من أهم الأسباب لتفشي العنف ضد المرأة، وذلك لوجود أفكار وثقافة تحملها طباع الجاهلية من معتقدات تتوارثها الأجيال ضمن التعايش الاجتماعي بينهم.
لم تكن الحرب كافية لسلب حقوق المرأة، بل إن وضعها عمومًا أمام خيارات في غاية القسوة.
هكذا تقول العشرينية "ندى" (اسم مستعار): منذُ سن الـ12 وأنا أسمع أهلي يقولون أنتِ سوف تتزوجين ابن عمك، وبنت عمك سوف تتزوج أخاكِ. لكني لا أدرك لماذا يضعوننا بهذا القرار. وعندما بلغت سن الـ15 اتضح لي أن بنت الجزار، حسب العادات والتقاليد اليمنية، لا يتزوجها إلا من يمتلك نفس المهنة.
آباؤها يحددون موعد الزواج حسب الاتفاقية التي تمت بطفولتنا دون علمنا أو الموافقة عليها، تضيف ندى، إذ يعتبر ذلك بناء على رغبة والدها حينما طلب من شقيقه أن يتم: "زوج ابني بابنتك وخذ بنتي مقابلها"، مقولة ترتبط بها حياتنا، ونصبح سلعة للمبادلة فيها، وذلك باعتبار أن أخي لن يكون مرحبًا به في منزل آخر، فالأعراف تُفرض على جميع نساء ورجال الحلاقين والجزارين في المجتمع اليمني، وفق العادات والتقاليد المتوارثة منذُ القدم، والتي أصبحنا ضحاياها لا نستطيع الرفض أو الاعتراض على ذلك، دون تكملة الدراسة التي كانت حلمًا لا يتحقق، والالتحاق ببيت الزوجية، يعتبر ذلك نجاتنا من العنوسة في منظور أبي الذي يعيش في مجتمع ذكوري يستهين بعمله، ويحتقر من نسبه.
وفي اليمن، حيث يحتل البلد المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الـ13 على التوالي، ظلت النساء يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي، المترسخ بشدة في مجتمع موغل في النزعة الذكورية، وذي أدوار صارمة بين الجنسين.
ناشطة حقوقية، هذا شيء مهين للمرأة، وإن كان بظاهره ليس حرامًا، لكن سلب حرية المرأة والنظرة الدونية لها هذا الحرام بعينه. وتكثر المشاكل الأسرية والتفكك لو صارت بين شخصين من زواج البدل.
ووفقًا لقانون الأحوال الشخصية في اليمن، تنص المادة 10 على أن كل عقد بني على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له، وفي البند الثاني من المادة 33، ينص القانون على أن المهر ملك للمرأة تتصرف فيه كيفما شاءت، ولا يعتد بأي شرط مخالف.
وتتابع: تمادي زوجي في معاملتي السيئة، كان سببه أنه يعلم أني لا أستطيع الحصول على الطلاق منه، وسوف يتوجب على أخي أن يطلق أخته، لكنني بعد محاولات عدة لطلب الطلاق، وتعرضي لرفض المستمر، وجدت نفسي مضطرة للموافقة على العيش، وتحمله والاستمرار فيه، حتى إني بدأت في إشغال نفسي بالعمل، وتعلم الخياطة، وطورت موهبتي فيها، كانت شغفي الوحيد الذي أستطيع تحقيق ذاتي به، في ظل الحياة الزوجية التي فرضت أن أعيش فيها، أصبحت أكسب من عملي في الخياطة المنزلية، وأتجنب المشاجرات التي لا تتوقف، تحملت نفقة منزلي كي يكف عن مشاجرتي أمام أطفالي، دون تلقى المساعدة منه، رغم ذلك تزايدت المشاجرات بيننا، ووصلت حد أنه يعتدي عليَّ، ويقوم بضربي إن لم أعطه ما أمتلكه من المال.
هذا ما تؤكده المحامية والناشطة الحقوقية سعاد العريقي، بقولها: جاء الدين ليمحو عادات الجاهلية، وما سببته من كراهية وتمييز بين طبقات المجتمع، وعنصرية مقيتة بين عبيد ورؤوس القوم، وفرض أي قرارات تصدر بحسب مصالحهم وأهوائهم وغرائزهم وأفكارهم البشرية. الدين محا كل تلك العادات، ووضع قوانين للعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، وعزز العدل والمساواة وحرية الاختيار والتكافل بين المجتمع الواحد.
وتضيف العريقي: زواج البدل هذا من عادات الجاهلية، حيث كانوا يتبادلون بنسائهم، والآن صاروا يتبادلون بأخواتهم، ليس محبة فيهم أو باختيارهم الشخصي أو لكسب النسب بين الأسر، لكن لتوفير مال المهر كما هو معروف حاليًا، والذي يعتبر هدية للمرأة، وبالتالي تقليص تكاليف الزفاف، والأغلب تبادل الخدمات بين الأسر؛ إذ يأخذون بنتاً، ويعطونهم بدلها لكي تظل تخدمهم.
وتؤكد أن هذا شيء مهين للمرأة، وإن كان بظاهره ليس حرامًا، لكن سلب حرية المرأة والنظرة الدونية لها هذا الحرام بعينه. كما تكثر المشاكل الأسرية والتفكك لو صارت بين شخصين من زواج البدل، لا بد ما يتأثر الشخصان الآخران بدون أدنى شك، لأن الزواج بالأصل كان عن تخلف وجهل وتمسك بعادات وتقاليد، ولذلك تتفكك الأسر باستمرارها بهذه الأفكار. لكن لو كان الزواج منفصلًا، وبرضا تام، فلن تنتقل المشاكل بين الأسرتين.
وتشير إلى أن تلك العادات ليست مقتصرة على فئات الجزارين والمزاينة والمهمشين، فقد انتقلت لبعض النازحين، بسبب رفض فئات كثيرة لمصاهرتهم. وكلها عادات وتقاليد لا تمت للدين بصلة، إنما للجهل وأيام الجاهلية، وتم تحويرها بحيث إنها ظاهريًا لا تخالف الدين، لكنها باطنًا تخالف ما جاء به الدين من تكريس للعدل بين كافة فئات المجتمع، ونبذ العنصرية، والانتصار على شهوات النفس. إضافة إلى أنه يمكن أن يتم التزاوج بين أفراد العائلة الواحدة، لكن يكون في وعي وإدراك واختيار كل شريك وتقبله لشريكه برضا النفس، وفصل المشاكل الأسرية الصغيرة عن المشاكل العائلية الكبيرة.
ومن جانبه، يؤكد أستاذ علم الاجتماع محمود البكاري، أن هذه الحالة تعكس طبيعة التقسيم الاجتماعي التقليدي للمجتمع، والذي يقوم على نظام التراتبية الاجتماعية القائمة على المكانة الاجتماعية والجاه، وأيضًا الثروة، ولا يوجد تشريع يحرم ذلك، فالناس سواسية في الحقوق والواجبات والمواطنة، لكن هذه النظرة تدخل ضمن العرف الاجتماعي المتوارث، والذي أصبح يشكل قيودًا على هذه الفئات، إذ أصبحت مغلقة على نفسها، ولا تستطيع حتى مجرد التفكير في تغيير هذا الوضع، ولذلك ستظل هذه الظاهرة قائمة حتى يتم تنمية الوعي الاجتماعي لأفراد المجتمع بأهمية العدالة والمساواة الاجتماعية.
تم نشر هذا التقرير بدعم - JDH/JHR "صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية" في كندا.
لم تكن الحرب كافية لسلب حقوق المرأة، بل إن وضعها عمومًا أمام خيارات في غاية القسوة.
هكذا تقول العشرينية "ندى" (اسم مستعار): منذُ سن الـ12 وأنا أسمع أهلي يقولون أنتِ سوف تتزوجين ابن عمك، وبنت عمك سوف تتزوج أخاكِ. لكني لا أدرك لماذا يضعوننا بهذا القرار. وعندما بلغت سن الـ15 اتضح لي أن بنت الجزار، حسب العادات والتقاليد اليمنية، لا يتزوجها إلا من يمتلك نفس المهنة.
آباؤها يحددون موعد الزواج حسب الاتفاقية التي تمت بطفولتنا دون علمنا أو الموافقة عليها، تضيف ندى، إذ يعتبر ذلك بناء على رغبة والدها حينما طلب من شقيقه أن يتم: "زوج ابني بابنتك وخذ بنتي مقابلها"، مقولة ترتبط بها حياتنا، ونصبح سلعة للمبادلة فيها، وذلك باعتبار أن أخي لن يكون مرحبًا به في منزل آخر، فالأعراف تُفرض على جميع نساء ورجال الحلاقين والجزارين في المجتمع اليمني، وفق العادات والتقاليد المتوارثة منذُ القدم، والتي أصبحنا ضحاياها لا نستطيع الرفض أو الاعتراض على ذلك، دون تكملة الدراسة التي كانت حلمًا لا يتحقق، والالتحاق ببيت الزوجية، يعتبر ذلك نجاتنا من العنوسة في منظور أبي الذي يعيش في مجتمع ذكوري يستهين بعمله، ويحتقر من نسبه.
وفي اليمن، حيث يحتل البلد المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الـ13 على التوالي، ظلت النساء يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي، المترسخ بشدة في مجتمع موغل في النزعة الذكورية، وذي أدوار صارمة بين الجنسين.
ناشطة حقوقية، هذا شيء مهين للمرأة، وإن كان بظاهره ليس حرامًا، لكن سلب حرية المرأة والنظرة الدونية لها هذا الحرام بعينه. وتكثر المشاكل الأسرية والتفكك لو صارت بين شخصين من زواج البدل.
ووفقًا لقانون الأحوال الشخصية في اليمن، تنص المادة 10 على أن كل عقد بني على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له، وفي البند الثاني من المادة 33، ينص القانون على أن المهر ملك للمرأة تتصرف فيه كيفما شاءت، ولا يعتد بأي شرط مخالف.
- وضعونا موضع العار
- قيود أسرية
وتتابع: تمادي زوجي في معاملتي السيئة، كان سببه أنه يعلم أني لا أستطيع الحصول على الطلاق منه، وسوف يتوجب على أخي أن يطلق أخته، لكنني بعد محاولات عدة لطلب الطلاق، وتعرضي لرفض المستمر، وجدت نفسي مضطرة للموافقة على العيش، وتحمله والاستمرار فيه، حتى إني بدأت في إشغال نفسي بالعمل، وتعلم الخياطة، وطورت موهبتي فيها، كانت شغفي الوحيد الذي أستطيع تحقيق ذاتي به، في ظل الحياة الزوجية التي فرضت أن أعيش فيها، أصبحت أكسب من عملي في الخياطة المنزلية، وأتجنب المشاجرات التي لا تتوقف، تحملت نفقة منزلي كي يكف عن مشاجرتي أمام أطفالي، دون تلقى المساعدة منه، رغم ذلك تزايدت المشاجرات بيننا، ووصلت حد أنه يعتدي عليَّ، ويقوم بضربي إن لم أعطه ما أمتلكه من المال.
هذا ما تؤكده المحامية والناشطة الحقوقية سعاد العريقي، بقولها: جاء الدين ليمحو عادات الجاهلية، وما سببته من كراهية وتمييز بين طبقات المجتمع، وعنصرية مقيتة بين عبيد ورؤوس القوم، وفرض أي قرارات تصدر بحسب مصالحهم وأهوائهم وغرائزهم وأفكارهم البشرية. الدين محا كل تلك العادات، ووضع قوانين للعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، وعزز العدل والمساواة وحرية الاختيار والتكافل بين المجتمع الواحد.
وتضيف العريقي: زواج البدل هذا من عادات الجاهلية، حيث كانوا يتبادلون بنسائهم، والآن صاروا يتبادلون بأخواتهم، ليس محبة فيهم أو باختيارهم الشخصي أو لكسب النسب بين الأسر، لكن لتوفير مال المهر كما هو معروف حاليًا، والذي يعتبر هدية للمرأة، وبالتالي تقليص تكاليف الزفاف، والأغلب تبادل الخدمات بين الأسر؛ إذ يأخذون بنتاً، ويعطونهم بدلها لكي تظل تخدمهم.
وتؤكد أن هذا شيء مهين للمرأة، وإن كان بظاهره ليس حرامًا، لكن سلب حرية المرأة والنظرة الدونية لها هذا الحرام بعينه. كما تكثر المشاكل الأسرية والتفكك لو صارت بين شخصين من زواج البدل، لا بد ما يتأثر الشخصان الآخران بدون أدنى شك، لأن الزواج بالأصل كان عن تخلف وجهل وتمسك بعادات وتقاليد، ولذلك تتفكك الأسر باستمرارها بهذه الأفكار. لكن لو كان الزواج منفصلًا، وبرضا تام، فلن تنتقل المشاكل بين الأسرتين.
وتشير إلى أن تلك العادات ليست مقتصرة على فئات الجزارين والمزاينة والمهمشين، فقد انتقلت لبعض النازحين، بسبب رفض فئات كثيرة لمصاهرتهم. وكلها عادات وتقاليد لا تمت للدين بصلة، إنما للجهل وأيام الجاهلية، وتم تحويرها بحيث إنها ظاهريًا لا تخالف الدين، لكنها باطنًا تخالف ما جاء به الدين من تكريس للعدل بين كافة فئات المجتمع، ونبذ العنصرية، والانتصار على شهوات النفس. إضافة إلى أنه يمكن أن يتم التزاوج بين أفراد العائلة الواحدة، لكن يكون في وعي وإدراك واختيار كل شريك وتقبله لشريكه برضا النفس، وفصل المشاكل الأسرية الصغيرة عن المشاكل العائلية الكبيرة.
ومن جانبه، يؤكد أستاذ علم الاجتماع محمود البكاري، أن هذه الحالة تعكس طبيعة التقسيم الاجتماعي التقليدي للمجتمع، والذي يقوم على نظام التراتبية الاجتماعية القائمة على المكانة الاجتماعية والجاه، وأيضًا الثروة، ولا يوجد تشريع يحرم ذلك، فالناس سواسية في الحقوق والواجبات والمواطنة، لكن هذه النظرة تدخل ضمن العرف الاجتماعي المتوارث، والذي أصبح يشكل قيودًا على هذه الفئات، إذ أصبحت مغلقة على نفسها، ولا تستطيع حتى مجرد التفكير في تغيير هذا الوضع، ولذلك ستظل هذه الظاهرة قائمة حتى يتم تنمية الوعي الاجتماعي لأفراد المجتمع بأهمية العدالة والمساواة الاجتماعية.
تم نشر هذا التقرير بدعم - JDH/JHR "صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية" في كندا.