> تحقيق: عبيد واكد :
في صباح يوم هادئ يعتاده أبناء محافظة حضرموت الواقعة في الجزء الشرقي لجغرافية اليمن، وهي المحافظة المعروفة بطبيعة النسيج الاجتماعي الكبير في المجتمع ، كان صباحا لا يُنسى استفاق فيه أبناء حضرموت على وقع جريمة أقدم فيها أحد الأزواج على إضرام النار في زوجته و أمام أبنائها لم تكن هذه الحادثة الأولى، ولكنها تعتبر الأبشع بين حالات العنف والجريمة ضد امرأة مسالمة وأم لأطفال أبرياء.
بعد عام كامل تنطق العدالة
في نطق حكم القضية بعد عام من وقوع الجريمة، أعلن قاضي محكمة غرب المكلا في الجلسة المنعقدة في يوم الاثنين 27 ديسمبر 2021، إدانة المتهم قاتل مروى، وقد خصص رئيس المحكمة الجلسة لتقديم أطراف القضية مرافعاتهم الختامية. استهلت النيابة العامة دعواها الجزائية في القضية الجنائية رقم 92 لسنة 2020، أمام محكمة غرب المكلا الابتدائية ضدّ المتهم الزوج قاتل مروى المسجون منذ ارتكاب الجريمة قبل عام بدائرة اختصاص محكمة غرب المكلا الابتدائية، وهو مكلف شرعًا وقانونًا، قتل نفسًا معصومة عمدًا بوسيلة وحشية، وذلك بأن قام بإشعال النار في المجني عليها زوجته مروى محمد عبد الله البيتي بعد أن صب على جسمها والملابس التي كانت ترتديها مادة البترول بقصد تعذيبها وقتلها، فأُصيبت بجروح قاتلة في معظم جسمها أدّت إلى وفاتها على النحو المبين تفصيلًا في أوراق التقرير الطبي المقدم امام المحكمة، الأمر المعاقب عليه طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء واستنادا لنصوص المواد (16، 7، 9، 234) من القرار الجمهوري بالقانون رقم 12 لسنة 1994 بشأن الجرائم - العقوبات، وطلبت النيابة محاكمة المتهم المذكور والحكم عليه بالعقوبة المقررة شرعًا وقانونًا.
وأقرت المحكمة بالحكم الشرعي والقانوني، بحضور أهالي المجني عليها فريق محامي الدفاع ووسائل الإعلام، إدانة المتهم بتهمة القتل العمد للمجني عليها مروى البيتي والحكم عليه، بالإعدام قصاصًا وتعزيرًا وفقًا لنص المادة 234 من قانون الجرائم والعقوبات النافذ وإلزام المدان بتعويض أولياء الدم بسبب ما لحقهم من الأضرار المادية والمعنوية.
قضايا عنف ضد الزوجات
خلال البحث والاطلاع حول هذا التحقيق في قضايا العنف، التقينا احد الفتيات في مركز اتحاد نساء اليمن بمدينة المكلا عاصمة حضرموت. حضرنا لجلسة الاستماع لها وعن قضيتها والاضطهاد الذي تعاني منه من قبل زوجها الغائب عنها لما يقارب السنتين إلى الآن.
تهرّب من المسؤولية
تُواصل فاطمة رواية قصتها بعد معاناة من التعنيف المستمر لها ولطفلتها، فتقول: "بعد سنتين ونصف من العيش معه بكل أساليب التعنيف، غادر المنزل ولم يعد، له إلى الآن ما يقارب السنتين، ولا نعلم عنه أي شيء، وترك لي حملا كبيرا من ديون إيجار المنزل ومتطلبات الحياة ونفقات ابنته الطفلة، وأصبحت معلقة في معاناة مستمرة، وأشد معاناتي في عدم وقوف أهلي بجانبي بسبب أنني وافقت على الزواج منه وكانوا رافضين، فلا يتقبلونني الآن، بل أتلقى الضرب من قبل أهلي الذين أعيش بينهم حاليا، ويرفضون المساعدة في نفقتي ونفقة ابنتي البالغة من العمر 3 سنوات. حاليا تبنّى اتحاد نساء اليمن قضيتي لفسخ عقد زواجي بعد غيابه أكثر من سنتين".
وفاة الجنين بسبب الضرب
"أتعرض للضرب بشكل مستمر مِن زوجي، وذلك جعلني أُسقط الجنين في الشهر الأخير"، هكذا تروي لنا عائشة سلطان (اسم مستعار) (37 عاما)، عندما قمنا بالجلوس معها لتحكي لنا قصتها ومعاناتها مع العنف الذي تتعرّض لها، لم تتماسك دموعها من أول كلمة، وظلت تبكي وتروي لقصتها، فتقول: "تزوّجت في شهر أبريل 2018، وافقت على الزواج بهذا الشخص حينها، ورفض والدي وأهلي، إلا أنني أصررتُ على الزواج منه، فرفض والدي، لكنه ووافق على أن يعقد لي أخي، مرّت شهور وهو لا يريد العمل، ثم بدأ بضربي بشكل متكرّر ودائم، وفي فترة قمتُ ببيع كل أملك مِن ذهب لشراء سيارة له للعمل لكي يصرف على بيته، إلا أنه ما زال يمارس العنف. كنت حاملا وكان يضربني بقسوة على أماكن متفرقة من جسمي وعلى رأسي، ومن قوة ذلك، فقدتُ الجنين في الشهر الأخير من الحمل".
الطلاق الأخير
لجأت المعنّفة عائشة سلطان إلى اتحاد نساء اليمن -فرع الساحل في محاولة لحمايتها من الواقع المرير الذي تعيشه كل يوم، وخضعت لجلسات استماع متواصلة عبر مختصّ الاستماع في الاتحاد لمعرفة كل تفاصيل قضيتها بحضور محامية تترافع عنها وتدافع عنها لحمايتها من تكرار حال وضعها المعنّف من قبل زوجها واحتياجها للدعم القانوني.
أكّدت لنا عتاب العمودي المحامية المترافعة أمام المحاكم اليمنية، وهي تعمل محامية مترافعة لمصلحة اتحاد نساء اليمن بالمكلا أن قضية عائشة منظورة أمام محكمة شرق المكلا الابتدائية، وسيتم فيها إقرار الحكم المتضمن فسخ الزواج من الزوج بسبب الاعتداءات المتكررة وإلزامه بالنفقة على ابنته، ومن المنتظر أن تحسم القضية من المحكمة في شهر أغسطس القادم من هذا العام الجاري.
نتائج مخيفة
تحصلنا على دراسة بحثية ميدانية حديثة صدرت عام 2021 حول العنف الأسري ضد المرأة بمدينة المكلا عاصمة المحافظة، قامت بها مجموعة من الباحثات بكلية البنات قسم الخدمة الاجتماعية بجامعة حضرموت بإشراف الدكتورة لمياء باصنة الأستاذة المساعدة بكلية البنات، شملت الدراسة العنف الأسري ضد المرأة وأسباب تزايد حالات العنف وأنواعها بشكل تحليلي واسع، وخلصت نتائجها إلى أن النساء اللاتي تعرضن للعنف تتراوح أعمارهن بين 20-25 سنة وفق العينة بنسبة55 %، وأن السبب الرئيسي في العنف النفسي للمرأة يرتكز على فقدان المرأة ثقتها بنفسها بسبب زوجها، وذلك نتيجة زواجها المبكر، فيما توصلت الدراسة حول العنف الاجتماعي على إجبار الزوج للزوجة على خدمة أهل زوجها بنسبة 68.6 %، وهو ما يؤدي إلى تكوين امرأة ضعيفة في شخصيتها الاجتماعية.
كما كشفت الدراسة أن أعلى نسبة في أنواع العنف الذي تتعرض له هو العنف الاجتماعي (بنسبة 70.76 %)، وكذا العنف الاقتصادي المتمثل في حرمانها من حقها في العمل (بنسبة 74.58 %)، وأوضحت الدراسة أن أولى الأسباب والدوافع للعنف ضد المرأة الإهمال وإظهار السيطرة على الأسرة.
وتشير الدراسة إلى أن المجتمع شهد عددا من محاولات العنف الأسري، إذ تعاني المرأة التي يمارس العنف ضدها من مختلف أنواع الإساءة الجسدية والنفسية والصحية والجنسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد تعاني من أكثر من نوع في وقت واحد، إذ يبلغ عدد حالات العنف الذي رُصد بحسب قسم إدارة الحالة بمستشفى المكلا للأمومة والطفولة (باشراحيل) نحو 214 حالة عنف حسب إحصائية عام 2019 فقط.
شهادة طبيبة لحوادث واقعية
أثناء الاطلاع على الدراسة، أجريت مقابلة مع الطبية الدكتورة "سارة بامهدي"، وسردت بعض حوادث حالات معنفة قابلتها شخصيا في أثناء أداء عملها في أحد المستشفيات بمدينة المكلا، فتقول: "اطلعت على حالة امرأة حضرمية تبلغ من العمر30 عاما، جاءت إلى الطوارئ بعد ضرب زوجها لها، وكانت آثار الضرب حول عينها واضحة، كذلك اطلعت على حالة متزوجة تبلغ من السن 22 عاما جاءت بعد محاولة انتحار بابتلاعها مبيدا حشريا، وبعد معاينة حالتها واستقرارها، رفضت الحديث وكانت خائفة بشكل مرعب وشديد".
غياب المساحات الآمنة
خلال التحقيق التقينا بالدكتورة "سارة بامهدي" الطبية والناشطة المجتمعية التي تؤكد أن المرأة في حضرموت تتعرض إلى التعنيف، فقد شاهدت حالات تعنيف منها ضرب وعليها الآثار، ومنها حالات تعنيف نفسي من الضغط عليها والإجهاد المستمر من دون رحمة، وكذا من الناحية الصحية هناك كثير من الحالات التي تتعرض لكسور أو جروح أو آثار جروح أو آثار اعتداء كالضرب، وتعتبر أدلة قوية تثبت تعرض المرأة لها حتى لو أنكرت، لكن مع الحديث والأمان الذي نقدمه غالبا ما تفصح عن السبب.
إحصاءات
ومن خلال تحقيقنا اطلعنا على نتائج بعض الإحصاءات لكثير من القضايا بفرعي الاتحاد بمدينة المكلا بساحل حضرموت ومدينة سيؤون بوادي حضرموت حسب ماهي مفصلة في الجداول التالية وصور الانفوجرافك:
قصور تشريعي
على الرغم من أن المشرع اليمني أعطى للمرأة اليمنية حظا وافرا من الاهتمام في القانون اليمني الخاص والعام، ونظرا لجمود بعض القوانين وعدم مواكبتها للتغيرات الاجتماعية والسياسية المتسارعة، ولصعوبة تغييرها بسبب أن عملية التغيير تأخذ وقتا أطول وإجراءات معقدة نوعا ما، ونظرا لظروف الحرب التي تمر بها البلاد منذ أعوام والتطور الهائل في الجانب الاجتماعي وفي مفهوم النوع الاجتماعي، يظل هنالك قصور تشريعي ملحوظ في التشريعات الموجودة، خصوصا في قانون مناهضة العنف ضد المرأة، ومن ذلك القصور على سبيل الذكر لا الحصر:
في قانون الأحوال الشخصية المادة 15 حُدد سن بلوغ الزواج بـ15 عاما، ويؤخذ هذا التحديد على القانون اليمني بمخالفة غيره من القوانين والمعاهدات التي تحدد سن الزواج بـ18 عاما.
في قانون الأحوال الشخصية أيضا في المادة 12 التي تتعلق بتعدد الزوجات، اشترطت هذه المادة أن تُشعر الزوجة الجديدة بأنه متزوج بغيرها، وأن يُشعر أيضا الزوجة السابقة برغبته بالزواج من أخرى، وقد قضت المادة بعد التعديل بحذف الشرط الأخير، وهو الأمر الذي أدى إلى كثير من مشاكل الأسرية التي تؤدي إلى العنف في بعض الأحيان.
أيضا ينص قانون الجرائم والعقوبات المادة 41 على أن للمرأة نصف دية الرجل، على الرغم من أن القوانين مصدرها الأساسي هي الشريعة الإسلامية، ولا يوجد نص صريح على هذا الأمر، مما يؤدي إلى الاستهتار بأرواح النساء والفكاك من الجريمة بلا أي تعزير يتناسب مع الجرم.
وفي تعديل المادة 232 من قانون العقوبات شرّعت قتل الزوج لزوجته أو أحد محارمه إذا وجدها في حالة تلبّس بالزنى بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة مالية، هذا أمر لا سند له في أحكام الشريعة الإسلامية، فالقتل من الحدود الموجبة للقصاص، وضع التشريع عقوبات لا تتناسب مع قوة الجُرم جعل هذه الجريمة ذريعة لجرائم أخرى بحجة الشرف.
أيضا لم يرد في قانون الجرائم والعقوبات نصوص تتعلق بتجريم ووضع عقوبات مشدّدة على بعض سلوكيات العنف تجاه النساء مثل جرائم التي تتعلق بتجاوزات المحارم، إذ ﻻ يوجد تشريع خاص لمكافحة العنف الأسري في مواد قانون الجرائم والعقوبات يجرم عملية الإجهاض، ولا يوجد استثناء للناجيات من الاغتصاب.
مساعٍ لمشروع قانون مناهضة العنف
تسعى بعض الناشطات اليمنيات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة إلى إصدار قانون في المشرع اليمني وإقراره من قبل السلطة التشريعية ضمن إطار مشروع "قانون مناهضة العنف ضد النساء والفتيات"، ويتضمن نصوصا ومواد قانونية لمواجهة مشاكل وآثار العنف وتحديد ماهية جرائم العنف في المجال الخاص والعام، ويحدّد القانون عددا من الأفعال ويعدّها جرائم عنف في حالة ارتكابها ضد المرأة مع تحديد العقوبات الرادعة لذلك، وقد أعدت مسوّدة لهذا المشروع الخبيرة القانونية اليمنية فتحية عبد الواسع وبمراجعة القاضية إيمان شائف، ووضعت كل الإجراءات وتدابير الحماية القضائية والإدارية لتقديم شكاوى العنف، وإلى الآن لم يقر أي مشروع قانوني خاص بقانون تجريم العنف تجاه المرأة من المشرّع اليمني، مما خلق توسعا كبيرا وازديادا واسعا لقضايا العنف ضد المرأة في اليمن.