> هشام النجار
يبدو المشهد الصومالي قريبا من الوضع في أفغانستان قبيل سقوط كابول في أيدي طالبان خاصة على صعيد ضعف القوات الحكومية وافتقارها للكفاءة وحرمانها من الدعم الجوي الأميركي، بالإضافة إلى سيطرة حركة الشباب على العديد من المدن والبلدات ومحاصرة العاصمة مقديشو.
لم تكن العملية التي نفذتها حركة الشباب الصومالية الجمعة الماضي، رقما فقط في سلسلة عملياتها المعتادة التي باتت تشنها باستمرار، حيث وضح من أسلوب التنفيذ ورمزية الهدف أن فرع القاعدة في شرق أفريقيا يبعث برسائل للعديد من الأطراف مع تنامي دعوات الحوار مع الجهاديين عقب فوز حسن شيخ محمود بمنصب الرئاسة.
- النموذج الأفغاني
ويعد هذا الهجوم هو الأكبر من نوعه منذ تولي الرئيس حسن شيخ محمود منصبه في مايو الماضي، وبعد هجومين في يوليو الماضي على بلدة بيدوة ومدينة جوهر أسفرا عن مقتل عدد من المسؤولين في الحكومة الصومالية.
الحركة تراهن على الوقت والنزيف الاقتصادي لممارسة الحد الأقصى من الضغوط الأمنية والاجتماعية على الحكومة
وبعد أن صرح مسؤولون صوماليون بأن الظروف مواتية لهزيمة حركة الشباب عسكريا وتطويق نشاطها للدفع بها إلى إلقاء السلاح والاندماج في المجتمع، تبيّن أن للحركة خطة مضادة مستوحاة من النموذج الأفغاني تهدف للإطاحة بالحكومة الفيدرالية وجعل البلاد بلا حكومة.
ما جعل شبح النموذج الأفغاني يخيّم على المشهد الصومالي هو انحسار سلطة الحكومة في مقديشو وعواصم أقاليم رئيسية، وتسيطر حركة الشباب على نحو 70 في المئة من جنوب ووسط البلاد وغالبية المناطق الريفية.
وبدأت حركة الشباب التي تُوصف بأنها الأشد فتكا بين التنظيمات الإرهابية في العالم تضع نفسها بديلا عن الدولة داخل مناطق سيطرتها، حيث تقدم الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية بشكل يفوق ما تقدمه الحكومة المركزية.
وتراهن الحركة المتحمسة لتجربة طالبان على الوقت ومواصلة النزيف الاقتصادي لممارسة الحد الأقصى من الضغوط الأمنية والاجتماعية على الحكومة ومؤسسات الدولة تمهيدا لإسقاطها.
وكما انتظرت طالبان الانسحاب الأميركي لتنفيذ خطة الانقضاض على كابول تترقّب حركة الشباب لحظة إتمام انسحاب القوات الأفريقية كاملة من البلاد كي تطيح بالنظام الحالي وتنقض على السلطة في مقديشو.
- خيار المواجهة
وخططت الحكومة الصومالية لتجفيف موارد حركة الشباب المالية ومنع التدفقات على الحركة من الخارج بالتنسيق مع شركاء مقديشو الدوليين والإقليميين لوضعها في موقف ضعف قبل بدء جولات الحوار المُفترضة.
ويؤدي السيناريو الثاني إلى خسارة الحركة التي تُعد أكثر أفرع القاعدة ثراء وقوة، مواردها، من فرض الضرائب فضلا عن الدعم المادي الذي تتلقاه من جهات مختلفة وبلغ عام 2020 وفق تقديرات أميركية 180 مليون دولار.
وفي إطار خطط الحكومة لاختراق صفوف حركة الشباب وإحداث انشقاقات داخلها أقدمت على تعيين القيادي السابق في الحركة مختار روبو كوزير للشؤون الدينية ضمن التشكيل الوزاري الذي أعلنته في الثاني من أغسطس الجاري.
كان من شأن هذا الاختراق أن يساعد الحكومة في تمديد نفوذها وتعزيز سلطاتها في مناطق واقعة تحت سيطرة حركة الشباب كمنطقة بكول، خاصة وأنها تعد مسقط رأس مختار روبو وسيطرت الحركة على مساحات واسعة منها، علاوة على تشجيع الانشقاقات داخلها.
فشل الحكومة الصومالية في إلحاق هزيمة عسكرية بحركة الشباب وبدء حوار معها يُعد خسارة جديدة للولايات المتحدة
كما أن مواصلة حركة الشباب استغلالها لخلاياها في شن هجمات إرهابية داخل مقديشو مستهدفة مسؤولي الحكومة وقادتها العسكريين وفي دول بشرق أفريقيا والتركيز على استهداف المصالح الغربية والشركات متعددة الجنسيات، يعني أنها تتصدى لمخطط اختراقها وتشجيع الانشقاقات داخلها.
وتقنع الحركة أعضاءها بالانفراد بحكم الصومال على غرار ما أنجزته طالبان في أفغانستان والحصول على مزايا اجتماعية وسياسية فائقة، مقابل الوعود التي يتلقونها من المسؤولين الصوماليين في ما يتعلق بالخروج الآمن وعدم الملاحقة والانخراط في الحياة السياسية وتعيين البعض منهم في مناصب مهمة بالدولة، وترد الحركة في كل مرة على خطط الحكومة بتحركات مناهضة في الاتجاه المعاكس.
وفي مقابل مخطط الحكومة بشأن دمج عناصر الحركة البالغ عددهم نحو 7 آلاف عنصر في المجتمع والحياة العامة، تمكنت من إعادة تجميع شتات مقاتليها وتجنيد عناصر جديدة، واستبقت الأحداث وحرمت الحكومة من استعادة السيطرة على المناطق الخاضعة لنفوذها مستغلة الفوضى المنتشرة في البلاد وفي بعض دول جوار الصومال.
- بين واشنطن وطهران
تمثل هذه التطورات هاجسا مقلقا للولايات المتحدة خاصة أن تجربة جديدة مريرة على غرار ما جرى في أفغانستان العام الماضي تلوح في الأفق، حيث انسحبت القوات الأميركية من الصومال على الرغم من أهمية منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة لواشنطن، وأعلنت عن عودة محدودة مؤخرا تعتمد على قصف الطائرات دون طيار لأهداف ورموز محددة.
لا يخلو الاشتباك الأميركي مع المشهد الصومالي من إسقاطات موحية على الحالة الأفغانية، فقد تمكنت حركة الشباب من إعادة بناء قدراتها بعد الانسحاب الأميركي، وقبلها كانت ضعيفة مشتتة جراء الحملة المركزة التي قادتها واشنطن خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.
استهداف الحركة لفندق يرتاده سياسيون ومسؤلون وقيادات عليا في الدولة لم يكن لإثبات أن الحركة لا تزال حاضرة بقوة، بل أيضا لإحباط استراتيجية الرئيس الجديد وقبل أن تعيد حركة الشباب بناء نفسها ممسكة بزمام المبادرة تمكنت واشنطن من تقويض قدراتها وقتل المئات من قياديها وأعضائها المهمّين.
وتقود هذه الأوضاع، إذا استمرت على ما هي عليه، إلى عدم إمكانية إحراز الحكومة لنصر حاسم على الحركة وزيادة فرضية الأخيرة تحقيق التفوق.
تقود انعكاسات تكرار تجربة حركة طالبان في الصومال إلى زيادة زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، في ظل ما يتردد بقوة حول وجود مصالح مشتركة وتحالفات ضمنية تجمع حركة الشباب الصومالية مع إيران.
يُعد فشل الحكومة الصومالية في إلحاق هزيمة عسكرية بحركة الشباب وبدء حوار معها خسارة جديدة للولايات المتحدة، يزيد من فداحتها كونها تمثل فائدة كبرى لغريمتها إيران، حيث تصب بصور مختلفة في مصلحتها، ولذلك تعمل طهران على توظيف هذه الأذرع في خدمة خططها الإقليمية القائمة على التوسع وتهديد مصالح الخصوم.
"العرب"