يشارك الصحفيون الجنوبيون اليوم الأربعاء (3 مايو)، بقية صحفيي العالم بالاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، لتحيي ذكرى اعتماد إعلان "ويندهوك" التاريخي الذي تم في اجتماع للصحافيين الأفارقة في 3 مايو 1991م.
وغرض هذا الاحتفاء السنوي هو تذكير الحكومات والأنظمة الحاكمة في بلدان العالم قاطبة، بضرورة احترامها لحرية الصحافة، وضمان مناخ آمن وحر لكل العاملين بمجال الصحافة، وفق المعايير الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية.
وتُعَد حُرية الصحافة ووسائل الإعلام مَبدأ ارتكازي، يؤكد على ضرورة تضمين الدساتير والتشريعات والقوانين النافذة في مختلف الدول، على الحق في العمل للصحافة والاتصال الإعلامي دون قيود أو معوقات أيا كانت مبرراتها، والحق في التعبير عن الفكر والرأي عبر وسائل الإعلام التقليدية المسموعة والمرئية والمقروءة، والإلكتروني، أو وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعد رافدا جديدا ومؤثرا في مضمار شبكات الإعلام العالمي.
وتشمل قوانين حرية الصحافة بالغالب على مفهوم حرية التعبير ومعاملة التعبير المنطوق والمكتوب مُعاملة واحدة لا انفصام بينهما.
إن احتفاء الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، ممثلة بنقابتهم (نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين)، باليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو، هي مناسبة لإبراز أهمية تعزيز قيم الصحافة الحرة في الجنوب العربي الذي يمتلك إرثا تاريخيا مبهرا لظهور الصحافة وحرياتها، منذ نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، والذي كان (حينذاك) يشكل رافعة فكرية لتوعية الشعب الجنوبي والرأي العام العربي والدولي، بقضية استقلال الجنوب العربي عن الاستعمار البريطاني الذي تحقق في 1967م.
كما أدت الصحافة الجنوبية بعد الاستقلال الوطني الأول دورا مهما بمناصرة قضايا التنمية والبناء لدولة الجنوب، وكذا في مناصرة قضايا العرب والعالم، والتحرر من الاستعمار وبناء الدول الوطنية المستقلة، ذات السيادة الحرة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وتؤكد الأحداث التي شهدتها دولة الجنوب نتيجة تداعيات الوحدة المشؤومة مع العربية اليمنية عقب العام 1990م، وماتلاها من حرب نظام عفاش لاحتلال الجنوب عام 1994م، مرورا بحرب المليشيات الحوثعفاشية لغزو الجنوب في 2015م، وحتى الآن، أن الصحافة والصحفيين الجنوبيين، شكلوا سياجا توعويا صلبا للتصدي لمخططات طمس هوية الجنوب، وكشفوا دعايات ومغالطات المنظومة الحاكمة بصنعاء ضد الجنوب وأبناءه.
واضطلعت الصحافة الجنوبية والأقلام الحرة، لأكثر من ثلاثة عقود بدور التصدي الفكري المنطلق من قيم الحرية، بالكلمة والصورة، لكبح غثاء الآلة الإعلامية الضخمة لمنظومة الحكم والنهب بصنعاء.
إن الصحفيين يؤدون دورا أساسيا في توفير المعلومات، ويقيمون الحقائق ويحققون في أمرها وينشرونها، وهذا ما يضمن قدرة الناس على اتخاذ قرارات مستنيرة، كون الصحافة منفعة عامة لا بد لنا من الدفاع عنها ودعمها على هذا الأساس.
وقد أحدثت التكنولوجيا الرقمية تغييرات جذرية في المشهد الصحفي الإعلامي في العالم، ومكنت من تبادل المعلومات بطريقة لم يعهدها العالم كله من قبل، فيسرت بذلك انتشار المعلومات الصحفية عبر الحدود، ما أدى لإيجابيات انتشار المعلومة والمعرفة وسرعة تبادلها، وظهور فرص جديدة ومتنوعة، وأيضا أدى إلى بروز مخاطر العصر الرقمي والتعرض لخصوصيات الأفراد والمجتمعات، ما يتوجب تظافر جهود الصحفيين ووسائل الإعلام بأشكالها المختلفة وكل الجهات المعنية لوضع معايير وضوابط قانونية وأخلاقية، وتحديد أطر جديدة للمشهد الرقمي الحالي، بما يضمن حماية الصحافة والصحفيين ووسائل الإعلام والسوشيال ميديا، والأفراد والمجتمع وفواعله المختلفة.
إن نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، ستسعى للمساهمة ببلورة قانون جديد للصحافة والإعلام في الجنوب، يؤكد على حرية الصحافة والرأي والتعبير، ويراعي مؤائمة وتكامل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمسموعة، مع الإعلام الرقمي الجديد، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبقراءة استشرافية لافق العمل والمجال الصحفي الإعلامي، والقبول باستيعاب ومشاركة جيل الإعلاميين الجدد من المغردين والمدونيين وصناع المحتوى الإعلامي المكتوب والمرسوم والمصور..الخ، والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، والكف عن التمسك بقيود التوصيف الصنمي القديم والبالي للصحفي والإعلامي النمطي التقليدي، والتعامل بحكمة وانفتاح مع التحديات التي فرضها عصر الإعلام الرقمي وتعددية وسائل الاتصال والتواصل.
إن النقابة الجنوبية ستجعل من الاحتفاء بيوم حرية الصحافة سنويا، محطة للوقوف أمام التغييرات المتسارعة بمختلف الصعد، ومنها التطورات التكنولوجية المذهلة في مجال الإعلام والصحافة والإعلام والاتصال وتأثيرها في حياة المجتمعات، وستضطلع النقابة بالعمل المدروس على تجذير التعاضد بين وسائل الإعلام التقليدية، والاجتماعية الجديدة، ونبذ محاولات تكريس المنافسة العقيمة بين الصحافة والإعلام المهني التقليدي ووسائل الإعلام الاجتماعي الرقمي، وتشذيب هذا التكامل لخدمة الإنسان وقضاياه وأمنه واستقراره وتطوره ورخائه، وفق قيم أخلاقية وقواعد إنسانية راقية، بما يعزز من مكانة الصحفي والإعلامي في المجتمع.
إننا في نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، وبهذه المناسبة (3 مايو) نجدد التأكيد على حق الصحافة والصحفيين والإعلاميين بحرية التعبير والرأي، مع مراعاة المسؤولية الاجتماعية وعدم المساس لخصوصيات الأفراد، أو ثوابت شعبنا الجنوبي وأهدافه.
وتمثل النقابة الصحفية والإعلامية الجنوبية الحالية منذ إعادة تأسيسها الثانية في يناير2023م، شرارة الانطلاق المتجدد، وعودة الروح للعمل النقابي الصحفي والإعلامي الجنوبي، كون النقابة الجنوبية القائمة الآن، هي نقابة مستقلة لا تتبع أي كيان سياسي، وتنتمي لأرض الجنوب وقضية شعبه الصامد الأبي، والنقابة حاصلة على ترخيص حكومي رسمي من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، كإحدى منظمات المجتمع المدني الجنوبي، وتشكل امتدادا نقابيا طبيعيا وشرعيا لنقابة دولة الجنوب (منظمة الصحفيين الديمقراطيين تأسست 1976م واستمرت حتى 1990م)، وقد وضعت النقابة الجنوبية نصب عينها سبل معالجة الاختلالات والتدمير والطمس للهوية، التي تعرضت لها الصحافة والإعلام والإعلاميين الجنوبيين، والعمل على مراحل متدرجة لردم الفجوة الجوفاء التي امتدت لنحو ثلاثة عقود من الزمن.
وستسعى النقابة بحسب الإمكانيات والظروف المتاحة، بمتابعة استحقاقات الصحفيين والإعلاميين الذين عانوا من تهميش وإقصاء من وظائفهم ومواقعهم في المؤسسات الإعلامية الجنوبية المختلفة التي كانت ترزح تحت وطأة احتلال نظام صنعاء.
إن نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين منفتحة على الجميع دون استثناء، ومن مختلف مشاربهم الاجتماعية والسياسية والثقافية، للعمل كتفا بكتف ويدا بيد معها وضمن أطرها التنظيمية بالعاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب، لاستكمال البناء التنظيمي للصرح النقابي الصحفي والإعلامي الجنوبي، دون استثناء أو استبعاد لأحد، فالكل معني والكل شريك، والكل مسؤول، والجنوب بكل ولكل أبنائه من باب المندب إلى شحن وحديبو. وسيجد الصحفيون والإعلاميون الجنوبيون النقابة مظلة لهم، وحامية لحقوقهم، تسهم مع كل أبناء الوطن الجنوب نحو تحقيق هدف استعادة دولة الجنوب، وتحت هذا المشروع الوطني الكبير، فإن النقابة مشرعة أبوابها، لاستيعاب كل صحفي وإعلامي جنوبي مؤمن بهذا الهدف الأسمى.
وبهذا الصدد فإننا ندعو المعنيين في الحكومة إلى إنهاء الحظر، وإعادة تفعيل بث قناة تلفزيون عدن، وإذاعة عدن، ووكالة الأنباء من العاصمة عدن، وإعادة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين العاملين في هذه الوسائل الإعلامية العريقة إلى أعمالهم، وتمكينهم من تقديم رسالتهم الإعلامية التوعوية والتنويرية وأداء دورهم بانتشال المظاهر المظلمة للعقود الثلاثة الماضية، واستثارة كوامن النهوض المعطلة للقيام بدورها التنموي والوطني الجنوبي المأمول.
والله المستعان.
* الأمين العام المساعد لنقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين