في المشهد العسكري والسياسي بعد انقلاب تحالف الحوثي وعفاش على الشرعية ومطاردتها في الجنوب، انجز الجنوبيون مهمة تحرير أرضهم ودخلوا مع التحالف في تحرير الساحل الغربي حتى مشارف الحديدة لكن أصبح الجنوب الخاسر الأكبر بينما الشرعية القديمة التي أسندت إليها قيادة عملية تحرير صنعاء لم تستطع أن تنجز مهامها وبالكاد استقرت في مديريتين في مأرب ومثلها في تعز وأهدت للحوثي جبهات بكاملها ووضعت تحت تصرفه مناطق لتهريب أسلحته.

استوطنت الشرعية الجديدة عدن على أمل أن تقوم بواجبها الوطني بحشد القوى والوسائل لتحرير المناطق التي يسيطر عليها الحوثي وفي نفس الوقت تقوم بتوفير الخدمات للمناطق المحررة ودفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين لكنها لم تعمل شيء لا في هذه ولا في تلك بل اجتهدت في إصدار القرارات الهادفة لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة في الجنوب وفي نفس الوقت محاصرة الجنوبيين في خدماتهم ورواتبهم وتعطيل أية مشاريع مخصصة لهم من المجتمع الدولي وأصبحت هي المتحكمة بالبلاد والعباد.

الشرعية الجديدة صرفت النظر عن ما يجري في صنعاء وأصبحت تستجدي السلام من الحوثي وتقدم له التنازل تلو التنازل وهو يزداد شراهة في طرح المزيد من الشروط وكل تلك التنازلات على حساب الجنوب وكل هم الشرعية توجيه ألته الإعلامية الضخمة لإذكاء الصراعات الجنوبية التي عفا عليها الزمن وتتغاضى عن ما يعمله الحوثي من تغيير جذري للخارطة الوطنية والمناهج التعليمية وتثبيت منهج سياسي مختلف عن الواقع اليمني واعتبار النخبة الحوثية قناديل بينما الشعب يكل طوائفه زنابيل، وتشير الوقائع بأن كل تصرفات الشرعية الجديدة والحوثي تتقاطع في معاداة الجنوب لإحكام السيطرة عليه، وظهر ذلك من خلال الكثير من الوقائع منها الموافقة على شروطه المجحفة وإلى فتح المطارات والموانئ دون أي مقابل، مما يعني رفع الحصار على الحوثي بينما تحكم الحصار على الجنوب وقامت برفع سعر الدولار الجمركي على ميناء عدن متزامن مع فتح ميناء الحديدة الذي سعره هناك أقل عما هو في عدن وكذا دفع المنظمات الدولية للعمل في مناطق سيطرة الحوثي بإيعاز من رئيس الوزراء كون عدن غير آمنة حسب قوله، وهناك العديد من الشواهد التي تتغاضى الشرعية الجديدة عن المطالبة بها وإعادتها إلى عدن عاصمة الشرعية وأكبر مثل فاضح هو غض الطرف عن توريد إيرادات شركات الاتصالات وهيئة الطيران المدني السماح للتجار الكبار بتوريد ضرائبهم إلى البنك في صنعاء وعدم سحب مقرات المنظمات الدولية من صنعاء إلى عدن، مما يعني كل الدعم الدولي يورد إلى بنك صنعاء وكل الشركات النفطية والغازية العاملة مقرها صنعاء وحتى تراخيص حركة الطيران في الأجواء تصدر من صنعاء بما في ذلك إصدار البطاقات الشخصية تتم الموافقة عليها من هناك، كما أنها تتعامل مع مناطق تواجدها في مأرب وتعز كوحدات إدارية مستقلة تمتلك كامل الصلاحية دون أي تدخل منها غير المزيد من دعمها وباختصار يحكموا الحصار على الجنوب ويتم فتح القيود على الحوثي دون أي مقابل لتثبيت الانقلاب، وهذا يؤشر بأن لعبتهم الجديدة هو إسقاط الجنوب اقتصاديا سواء عبر التصرفات التي تقوم بها الشرعية أو عبر ضرب الحوثي لمواقع تصدير النفط وكلها لعبة مكشوفة ومرسومة بعناية فيما بينهما وكان قرار محافظ عدن بمنع توريد إيرادات عدن قد أثار حفيظة الجميع الشرعية الجديدة والحوثي وحتى كل القوى السياسية اليمنية والقبلية وهذا دليل على أن توجه الجميع هو استمرار بقاء الجنوب كبقرة حلوب، وماذا لو عم القرار بقية محافظات الجنوب؟ سنتوقع منهم إعلان حرب مكشوفة على الجنوب وظهر جليا بأن معاركهم كلها وهمية.

العجيب بالأمر ما نشاهد اليوم تحرك السلفيين الشماليين للتحريض ضد الجنوب وفي الجنوب كما كان دأب جماعة الاخوان المسلمين الذي تصدروا المشهد قبل وبعد قيام الوحدة بما في ذلك إصدار فتوى إهدار دم الجنوبيين كما نشاهد أيضا موقف القوى السياسية بكل مشاربها أيضا تسير بنفس الطريقة التي سار عليها أسلافهم الشماليين أثناء وبعد الوحدة، كانت الوحدة قبل اتمامها كافرة وبعد أن تم احتلال الجنوب أصبحت مقدسة وخط أحمر ومن خرج منها فهو كافر هذا هو لب الموضوع.

ما هذا التعنت والصلف السياسي الذي ينم عن التعصب الأعمى والعنصرية والاستعلاء الذي لا زال موجه ضد الجنوب؟ ما هي أسبابه ودوافعه الدينية والسياسية والقبلية؟ من يفسر لنا الاصطفاف الجهوي الذي يمثل كل الطيف الشمالي شرعية جديدة وانقلابيين وورائهم كل القوى والنخب السياسية الأخرى؟ ألا يدرون بأن الوحدة انتهت وأنهم كانوا هم من بدأ في تدميرها؟ ومع من ستكون الوحدة بعد أن يبيدوا شعب الجنوبي وهم لا زالوا مستمرين حتى اليوم؟ والدليل اصطفافهم الجهوي الشمالي المقيت والذي يتجاهل أن في الجنوب شعب من حقه أن يعيش بسلام وأمن واستقرار هذا الشعب الذي قاوم الظلم وطغيان النظام السابق وقاوم الانقلابيين وانتصر عليهم وطردهم من الجنوب، ألم يكن ذلك درس كان عليهم أن يستوعبوه وأن يعيدوا حساباتهم بأن للجنوب مالك وهو شعب الجنوب، لكن مع الأسف سيظلون بهذا العمى السياسي طالما هناك من لا زال يقدم لهم الدعم من الإقليم والعالم ويشجعهم على هذا الاستعلاء والصلف السياسي ضد الجنوب ويقدم لهم كل أشكال الدعم السياسي والمعنوي ولا أحد يلتفت إلى معاناة شعب الجنوب وعلى استحياء يقدمون له كلام فضفاض وكأنهم يقولون له هذا قدركم عليكم التعايش معه.

حان الوقت لإعادة الحسابات الخاطئة من قبل النخب السياسية والقبلية والدينية الشمالية والاعتراف بحق شعب الجنوب بالعيش بكرامة ونفس الشيء ينطبق على الإقليم والعالم عليهم أن يعيدوا النظر في استمرار دعم القوى السياسية الشمالية المتطرفة وأن يضعوا حدا لهذا الابتزاز أن أرادوا الأمن والاستقرار في المنطقة.
خاص بـ "الأيام"