> «الأيام» إندبندنت عربية:

​يعيش اليمن مرحلة جديدة من التراجع الحاد في قيمة الريال أمام العملات الأجنبية، مما ينذر بموجة غلاء في أسعار السلع الاستهلاكية والبضائع وترد إضافي في مستوى المعيشة على وقع الانهيار الاقتصادي المتفاقم الذي يكابده ملايين الجياع جراء الصراع المستمر منذ 10 أعوام.

وفيما تتبادل أطراف الشرعية الاتهامات بالوقوف خلف الأسباب، تشهد عدن والمناطق التابعة لسيطرة الحكومة الشرعية منذ يوم السبت انهياراً جديداً للعملة المحلية مسجلاً 1733 ريالاً أمام الدولار الواحد، فيما سجل 457 ريالاً في مقابل الريال السعودي، والأخيرة تعد العملة الثانية الأكثر انتشاراً بعد العملة المحلية.

هذا التراجع المتلاحق يعد بحسب مراقبين اقتصاديين مؤشراً خطراً ستنعكس آثاره بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والأدوية والبضائع الضرورية والخدمات وغيرها.

ووفقاً لمصادر مصرفية مطلعة يأتي الانهيار الجديد على وقع سلسلة من الأزمات والخلافات داخل الحكومة المعترف بها دولياً، ضاعفه حال الركود الاقتصادي الذي تواجهه خزانة الشرعية وعدم تمكنها تصدير الكميات المستخرجة من النفط بسبب تهديد الحوثيين موانئ التصدير التي سبق وقصفوها في أكتوبر 2022 بالصواريخ والطائرات المفخخة، مما تسبب في إخراجها من الخدمة، إضافة إلى تكبد الحكومة مبالغ طائلة من الدولار وصلت إلى استهلاك ثلث موازنتها لشراء المشتقات النفطية لتغطية حاجات السوق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، وفقاً لحديث رئيس الوزراء أحمد بن مبارك مع "قناة اليمن" الرسمية أخيراً، وغيرها من العوامل التي يأتي منها تراجع الدعم الدولي في ظل أزمة التمويل.

وبحسب السردية الحكومية فهناك أسباب لهذا الانهيار ومنها الحرب التي تشنها الجماعة الحوثية ضد الاقتصاد اليمني وحال انقسام العملة وارتفاع قيمة الحوالات المالية الداخلية، وانشطار البنوك الحكومية والأهلية بين صنعاء وعدن وتأثر البلاد بالهجمات الحوثية على الممرات المائية والأزمات العالمية مثل حرب أوكرانيا.

وإلى جانب تلك الأسباب الظاهرة والمتداولة تلعب حال التباينات الحاصلة داخل الشرعية اليمنية دوراً في الأزمة الاقتصادية.

وسبق أن تطرق كثير من المتخصصين الاقتصاديين إلى أسباب أخرى غير تلك الظاهرة على سطح التعاطي الاقتصادي العام في البلاد التي تعاني سوءاً في الجانب الإداري والترشيد المالي، إذ يلعب الفساد ونهب الأموال العامة من الإيرادات المخصصة لمساعدة ثلث السكان الذين يقدر عددهم بنحو 9 ملايين نسمة، يكابدون الفاقة جراء استمرار الصراع بحسب الأمم المتحدة، إضافة إلى فشل دوائر المنظومة الاقتصادية في حلحلة الأزمة الانسانية وفرض جملة الإصلاحات المالية والشفافية التي تعهدت بها للمانحين، فضلاً عن الانعكاسات الناجمة عن الممارسات التي تفرضها ميليشيات الحوثي في المناطق الخاضعة لسيطرتها التي كان آخرها سك عملة معدنية جديدة من فئة 100 ريال قبل شهرين.

وفي حديث مع "إندبندنت عربية"، أرجع المحلل الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي أسباب ارتفاع سعر الدولار في اليمن إلى "عجز الحكومة عن تفعيل مواردها السيادية من نفط وغاز وضرائب وجمارك، إضافة إلى عجزها عن تحصيل معظم هذه الإيرادات أو إدارتها بما يتناسب مع السياسة النقدية للحكومة".

وأضاف جملة أسباب أخرى ومنها "عجز الحكومة الشرعية المستمر في تغطية النفقات، مع عدم إغفال جانب الطلب المتزايد على العملة الصعبة لاستيراد المشتقات النفطية والمواد الغذائية".
وأضاف، "المواطن اليمني لم يعد يحتمل مزيداً من الغلاء، والريال عملياً فقد قيمته، وباتت قيمته الشرائية محدودة ولهذا نتوقع أن يلجأ الناس إلى التعامل بالريال السعودي أو الدولار كما ما هو حاصل في لبنان".

هذا التدهور المضطرد ينذر بموجة غلاء جديدة ستشهدها الأسواق اليمنية التي تعتمد في معظم سلعها على الاستيراد الخارجي التي يتم توريدها بالنقد الأجنبي خصوصاً المواد الغذائية والأدوية والمشتقات النفطية.

ومع كل انخفاض لقيمة الريال يسارع التجار إلى رفع الأسعار المباعة بالعملة المحلية لتعويض النقص في قيمة الريال أمام الدولار، وهي حجة غير منضبطة نتيجة الوضع المضطرب الذي فتح الباب واسعاً أمام استغلال التجار وجشعهم ومضاعفة الأسعار وزيادة أرباحهم.

ويصارع المواطن منفرداً مع ما يترتب على هذا الواقع الصعب للبقاء على قيد الحياة بآمال أنهكها الانتظار الطويل، خصوصاً وأن محللي الاقتصاد لا يتوقعون حلولاً جذرية واعدة في القريب المنظور في تقدير المراقبين، وبالتالي فإن كل ارتفاع جديد في أسعار السلع الاستهلاكية، وبخاصة اليومية، سيكون له أثر كبير في حياة المواطنين من البسطاء في المناطق كلها ستقود إلى عجز كثير من الأسر على توفير حاجتهم اليومي من الغذاء، في ظل انعدام مصادر الدخل ورفض ميليشيات الحوثي صرف رواتب الموظفين منذ أعوام عدة.