> «الأيام» العرب:
يرى محللون أن فوز الصومال بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي لعامي 2025 و2026 وصعوده إلى الساحة الدبلوماسية العالمية يعد فرصة تاريخية طال انتظارها لمعالجة المظالم الاقتصادية والاجتماعية التي مارستها مقديشو طيلة عقود على أرض الصومال. وتمثل عضوية الصومال في مجلس الأمن سلاحا ذا حدين، إذ يمكن أن تتحول العضوية إلى ورقة دبلوماسية تعالج الأزمات الداخلية أو تزيد من حدتها.
ورغم أن لا مؤشرات صومالية تذكر لرأب الصدع مع أرض الصومال، إلا أن الحراك الدولي لحل الأزمة خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة من شأنه أن يدفع مقديشو إلى مرونة أكبر لبناء عملية مفاوضات ناجحة ومستدامة، ويشير هؤلاء المحللون إلى أن ممارسة قدر من الضغوط الحقيقة على الحكومة في مقديشو من قبل شركائها الدوليين من شأنها أن تعيد الملف إلى الواجهة.
وتعود الجذور التاريخية للعلاقة بين الصومال وأرض الصومال إلى الحقبة الاستعمارية. وكانت المنطقة المعروفة الآن باسم أرض الصومال محمية بريطانية تسمى أرض الصومال البريطانية، في حين أن بقية الصومال كانت مستعمرة إيطالية تعرف باسم أرض الصومال الإيطالية.
وعززت هذه الإدارات الاستعمارية المنفصلة أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية متميزة داخل المنطقتين. وفي عام 1960، حصلت كل من أرض الصومال البريطانية وأرض الصومال الإيطالية على استقلالهما.
وأعلنت أرض الصومال البريطانية استقلالها في 26 يونيو 1960، وتبعتها أرض الصومال الإيطالية في 1 يوليو 1960. وبعد وقت قصير من حصولهما على الاستقلال، اندمجت المنطقتان لتشكيل الجمهورية الصومالية، مدفوعة بالرغبة المشتركة في إقامة دولة صومالية موحدة تشمل جميع الصوماليين العرقيين، بما في ذلك تلك الموجودة في المناطق المجاورة مثل جيبوتي ومنطقة أوجادين في إثيوبيا والمقاطعة الشمالية الشرقية في كينيا.
وتميزت السنوات الأولى لجمهورية الصومال الموحدة بالجهود المبذولة لدمج الأنظمة والثقافات الإدارية المختلفة للمستعمرتين السابقتين. ويقول الباحث باتسيبا سيفو إنه مع ذلك، كان الاندماج محفوفا بالتحديات، حيث شعرت المنطقة الشمالية (أرض الصومال البريطانية سابقا) في الكثير من الأحيان بالتهميش من قبل الحكومة التي يهيمن عليها الجنوب ومقرها مقديشو.
- حوار متقطع
تحقيق اتفاق دائم يتطلب معالجة القضايا الأساسية المتمثلة في السيادة وتقاسم الموارد والتمثيل السياسي وتحقيق اتفاق دائم يتطلب معالجة القضايا الأساسية المتمثلة في السيادة وتقاسم الموارد والتمثيل السياسي.
وبلغ السخط في الشمال ذروته بتشكيل الحركة الوطنية الصومالية في الثمانينات، والتي قادت مقاومة مسلحة ناجحة ضد نظام بري. وفي أعقاب انهيار النظام في عام 1991، أعلنت الحركة الوطنية الصومالية استقلال أرض الصومال في 18 مايو 1991. واستند هذا الإعلان إلى الفشل الملحوظ للدولة الموحدة والرغبة في تشكيل حكومة يمكنها ضمان السلام والاستقرار والتنمية في منطقة أرض الصومال.
ومنذ إعلان الاستقلال، طورت أرض الصومال نظامها السياسي الخاص، والذي يختلف عن نظام الصومال. فقد أجرت انتخابات ديمقراطية منتظمة، ووضعت دستورا، واحتفظت بقوات أمنية خاصة بها. وعلى الرغم من الحكم الذاتي والاستقرار الذي تتمتع به أرض الصومال، إلا أن سعي أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي لم ينجح.
ومن ناحية أخرى، تعتبر الحكومة الفيدرالية الصومالية أرض الصومال جزءا لا يتجزأ من أراضيها. وقد سعت الحكومات الصومالية المتعاقبة إلى إعادة دمج أرض الصومال، داعية إلى الحفاظ على سلامة أراضي الصومال. وعلى الصعيد الدولي، تدعو معظم الدول والمنظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى الحوار والمصالحة لمعالجة هذه القضية.
لا تزال العلاقة بين الصومال وأرض الصومال متوترة، وتتميز بحوارات متفرقة وغير حاسمة في الكثير من الأحيان. وجرت عدة محاولات للمفاوضات على مر السنين. ومع ذلك، لم تؤد هذه المحادثات إلى أي اختراقات كبيرة، مما ترك وضع أرض الصومال دون حل. ومنذ إعلان استقلالها في عام 1991، أنشأت أرض الصومال نظاما سياسيا مستقرا وفعالا نسبيا، مما يبعدها عن الاضطرابات السائدة في جنوب الصومال.
وتعمل أرض الصومال كدولة أمر واقع لها حكومتها ومؤسساتها ودستورها. فقد أجرت عدة انتخابات ديمقراطية للرئاسة والبرلمان والمجالس المحلية، وكثيرًا ما أشاد بها المراقبون الدوليون لنزاهتها وشفافيتها. وقد ساعد هذا الحكم الديمقراطي، إلى جانب الجهود المبذولة لبناء بيئة سياسية مستقرة وشاملة، في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.
ويتضمن الهيكل السياسي لأرض الصومال سلطة تنفيذية يرأسها الرئيس، وهيئة تشريعية مكونة من مجلسين؛ مجلس النواب ومجلس الحكماء (جورتي)، وسلطة قضائية مستقلة. ويلعب مجلس الحكماء، المؤلف من الزعماء التقليديين، دورًا هامًا في حل النزاعات والحفاظ على النظام الاجتماعي، مما يعكس تكامل الحكم الحديث مع الممارسات التقليدية.
وفي المقابل، يواجه الصومال تحديات سياسية كبيرة. منذ انهيار نظام سياد بري، شهد الصومال فترات طويلة من عدم الاستقرار، اتسمت بالحرب الأهلية، والصراعات العشائرية، وصعود الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب.
الاقتتال السياسي والفساد والتمرد المستمر عوامل أدت إلى إعاقة تقدم الصومال نحو الاستقرار وكثيرا ما تتعطل الجهود الرامية إلى بناء حكومة وطنية متماسكة.
وتعمل الحكومة الفيدرالية الصومالية، التي تأسست عام 2012، في ظل نظام فيدرالي يهدف إلى تحقيق اللامركزية في السلطة وتعزيز الحكم المحلي. ومع ذلك، فإن سلطتها غالبا ما تقتصر على مقديشو وعدد قليل من المناطق الأخرى، مع درجات متفاوتة من السيطرة والنفوذ على بقية البلاد.
وأدى الاقتتال السياسي والفساد والتمرد المستمر إلى إعاقة تقدم الصومال نحو الاستقرار. وكثيرا ما تتعطل الجهود الرامية إلى بناء حكومة وطنية متماسكة بسبب الصراع على السلطة بين النخب السياسية والقادة الإقليميين، مما يزيد الوضع تعقيدا.
وكان الدعم الدولي، بما في ذلك قوات حفظ السلام من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) ومن ثم بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتيميس)، مهما في الحفاظ على ما يشبه النظام، ولكن السلام الدائم والحكم الفعال لا يزالان بعيدي المنال.
- التحديات والفرص
وتظل أرض الصومال ثابتة في سعيها للحصول على الاعتراف الدولي كدولة مستقلة، وهو الموقف الذي تعارضه الصومال بشدة. وتلعب الانتماءات العشائرية والسياسات الإقليمية دورا مهما في العلاقة بين الصومال وأرض الصومال. وتؤثر ديناميكيات العشائر على القرارات والمفاوضات السياسية، مما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى تعقيد الجهود المبذولة للتوصل إلى توافق في الآراء.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجهات الفاعلة الإقليمية مثل إثيوبيا وجيبوتي وكينيا لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة في الاستقرار والمواءمة السياسية في الصومال وأرض الصومال. وعلى الرغم من التحديات، كانت هناك جهود متقطعة للوساطة بين الصومال وأرض الصومال. وقد قامت مختلف الجهات الفاعلة الدولية والمنظمات الإقليمية بتيسير الحوار، وإن كان ذلك بنجاح محدود. ومن أبرز هذه الجهود المحادثات التي جرت في جيبوتي في عام 2012.
ولا تزال احتمالات التوصل إلى حل غير مؤكدة. ويتطلب تحقيق اتفاق دائم معالجة القضايا الأساسية المتمثلة في السيادة، وتقاسم الموارد، والتمثيل السياسي. وقد تساعد تدابير بناء الثقة، مثل تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادلات بين الشعوب، في خلق بيئة مواتية للحوار. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لحكومة صومالية أكثر استقرارا وموحدة أن تتعامل بشكل أكثر فعالية مع أرض الصومال.
إحدى العقبات الرئيسية أمام حل الأزمة الدبلوماسية هي المواقف الراسخة لكل من الصومال وأرض الصومال. ولا تزال أرض الصومال ثابتة في سعيها للحصول على الاعتراف بها، وتعتبرها ضرورية لتنميتها السياسية والاقتصادية. ومن ناحية أخرى، ترى الصومال أن أي تنازل تجاه استقلال أرض الصومال يمثل تهديدًا للوحدة الوطنية والاستقرار.
وتزيد ديناميكيات العشائر والسياسات الإقليمية من تعقيد الوضع. وداخل كل من الصومال وأرض الصومال، لدى العشائر والفصائل السياسية المختلفة مصالح ومصالح مختلفة في نتائج المفاوضات. ويمنح موقع أرض الصومال الاستراتيجي على طول ساحل البحر الأحمر إمكانات اقتصادية كبيرة، لاسيما من خلال تطوير ميناء بربرة.