> عبدالقادر باراس:
في العام 1956م أصدر الفقيد الراحل محمد علي باشراحيل، صحيفته الأولى "الرقيب" وبعد فترة وجيزة تحولت صفحاتها مناصفة باللغتين العربية والإنكليزية حتى أبقاها صحيفة إنكليزية أسبوعية سُميت بـ"الركوردر - Recorder "، وفي السابع من شهر أغسطس 1958م أصدر صحيفته اليومية سماها "الأيام" باللغة العربية، والذي يصادف اليوم الأربعاء ذكرى مرور ستة وستين (66) عامًا على صدورها، والتي لا زالت تعد الأهم والأبرز من بين الصحف اليمنية واجهة مشرفة للصحافة العدنية.

وقف العميد المؤسس محمد علي باشراحيل، ليروي حكاية عمرها 66 عاما ليرى أبناء هذا الجيل كيف كانت البدايات صعبة وقاسية لجميع الصحف آنذاك ومع ذلك استمر العمل بكل تفانٍ وإخلاص وإبداع وإجادة لتثمر هذه الصحيفة العريقة وتكسب حب الناس وثقتهم على مدى أجيال متعاقبة، لتكون "الأيام" جزءًا لا يتجزأ من تاريخ عدن الحافل والرائد بكل معاني التحضر والمدنية.

محمد علي باشراحيل أثناء قيامه بالترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية في مكتبه
واصلت الصحيفة الصدور بعد توقف دام لقرابة 23 عامًا في نوفمبر 1990م، وقد بدأت بإمكانيات بسيطة تقتصر على صفحة عادية تطبع بمطابع حكومية ثم انتقلت على مطابعها الخاصة 1997م.
مرت "الأيام" بمراحل عدة في عملية الطباعة والتي بدأت من خمسينات القرن الماضي، حيث لم تكن طباعة الصحف في عدن متطورة لكنها كانت متقدمة من حيث الصدور عن سائر منطقة الجزيرة العربية والخليج، فقد أسس الأستاذ الراحل محمد علي باشراحيل، مطبعة وقسم الصف اليدوي لطباعة صحيفتين "الرقيب" باللغة العربية، و"الريكوردر" باللغة الإنجليزية، وكانتا أسبوعيتين، علمًا بأنهما كانتا قبل ذلك صحيفة واحدة.

صورة نادرة لبعض الاساتذة والشخصيات التاريخية الذي لعبوا دورآ بارزآ واساسيآ في تٱسيس وتطوير العمل الصحفي والأعلامي والثقافي والادبي في مدينة عدن من اليمين: علي ٱمان - محمد علي باشراحيل - حسن علي عمر - محمد سعيد جرادة
وبعد مدة قصيرة تغيرت إلى صحيفة يومية أسمها "الأيام" وكان يتم طباعتها في مطابع البعث التي كان يمتلكها المرحومان علي ومحمد سالم علي عبده، فقام بعدها باستيراد آلتي طباعة يدويتين، الأولى للصحيفة والثانية للطباعة التجارية، وكان يتم العمل بها بطريقة يدوية، حيث تستخدم القوالب المصنوعة من الرصاص فيما كان يعرف بالطباعة البارزة، وعملية الصف بحسب المصطلح القديم تعرف بـ "صف الحروف" أي بمعنى تجميعها حرفًا حرفًا وتجمع القوالب (الحروف) والتي كان لكل منها خانة بحجم الكبريت ويمثل كل منها حرف من أحرف اللغة العربية أو الإنجليزية وتشكل من خلالها الكلمة المطلوبة، ولهذا فإن عملية الطباعة كانت شاقة، فقوالب الرصاص يتم استخدامها مجددًا بعد تذويبها وإعادة صقلها، بعدها تطورت عملية الطباعة وأصبح قالب الرصاص يمثل سطرًا أو جملة، وكانت حينها "الأيام" تطبع على وجهين لتصبح أربع صفحات، وبعد عملية الطباعة يقوم عامل يسمى بالموزع بمسح المداد في خانات الحروف بمادة البترو وإعادة الحروف كل إلى خانته المحددة.

وبعد تلك المرحلة جلب محمد باشراحيل، آلة الطباعة التي كانت تعرف بـ (لينوتيب) تشيكية الصنع، وهي آلة لتجميع الحروف بشكل أتوماتيكي تعمل بالكهرباء، وتستخدم مادة الرصاص الذائب بالنار وكانت تكتفي بعامل واحد فقط للتعامل معها، وبالتالي تم الاستغناء عن الطريقة اليدوية القديمة، ناهيك عن قيامه بإدخال معمل لتصنيع الكليشيهات لأول مرة في الصحافة العدنية تم من خلالها الاستغناء عن إرسال الصور إلى الخارج لغرض الطباعة، حيث كانت عبارة عن ماكينة بحجم طاولة يتم تحفير الصورة المراد طباعتها على بلاستيك أو غيره من خلال إبرة الأمر الذي ساعد بقية الصحف المحلية الصادرة في عدن لتعمل إكليشيهات الصور في معمل الباشراحيل، وأعطى بذلك فاعلية لكافة الصحف العدنية في تغطية الأحداث التي صاحبت تلك الفترة (بالخبر والصورة) مثل أحداث الانتفاضات الشعبية في عدن.

قبل إدخال المطبعة الخاصة بـ "الأيام" في العام 1996م أثناء الإصدار الثاني كان يتم تجهيز المواد المحررة على (الكلك) وهو عبارة عن فيلم ورقي، يتم إرساله عبر دفعات حسب وقت الانتهاء من تحرير الأخبار إلى المطبعة الحكومية على صفائح معدنية تعرف بـ (البليت) يتم تهيئتها بعد ذلك للطباعة في الساعات الأولى من الفجر.
وتستغرق مدة طباعة الصحيفة فيها بحدود الساعة أو الساعة والنصف، وكانت الصحيفة حينها تصدر في ذلك الوقت أسبوعية كل يوم أربعاء، إلا أن طباعة الصحيفة بعد حرب 1994 على جنوب اليمن، كانت أكثر صعوبة بسبب اشتراطات نظام صنعاء بطباعتها في صنعاء كجزء من تبعات الحرب على الجنوب، كان يتم إرسال فيلم (الكلك) بمظروف في أقرب رحلة طيران إلى صنعاء شمالا، و (رولات الأوراق) عبر سيارة "الأيام" صباحًا إلى صنعاء، وقد شهدت تلك الفترة كثيرًا من المضايقات من قبل نظام صنعاء كل ذلك يتم بتعمد لأسباب سياسية.
وفي العام 1996م تملكت الصحيفة المطبعة الخاصة بها التي يتم استيرادها من الخارج (ماركة أورينت) هندية الصنع، من دون ألوان تعرف بـ (المانويل) ذات حجم صغير، وتتميز بسهولة التشغيل.
نعود إلى زمن بدايات مراحل تنضيد الحروف النحاسية كما يرويه عبدالنور ناجي حسن، في العقد الثامن من عمره، وهو من أوائل العاملين الذين عملوا مع مؤسس "الأيام" محمد علي باشراحيل، رحمه الله، في فترة الخمسينات بمطبعة "الأيام"، الذي لا زال يتذكر عن تلك الفترة زمن تنضيد حروف الرصاص حرفا حرفا حتى اكتمال الصفحة، بحسب قوله بأنها كانت متعبة في تلك الفترة حيث تستغرق وقتا أطول حتى يخرج العدد بأربع صفحات، تلك هي مرحلة كفاح وسهر الليالي بتنضيد الحروف، ولنا أن نتصور كم تحتاج الصفحة الواحدة من وقت حتى تصل لمرحلتها الأخيرة.

الزميل عبدالقادر باراس اثناء اجراء لقاء مع كبار العاملين الاوائل في تنضيد الصفحات بحروف الرصاص عبدالنور ناجي حسن.
ويضيف عبدالنور: "منذ صدور صحيفة "الرقيب" دخلت العمل كان عمري حينها 13 عامًا، كان ذلك في عام 1956م، إلى أن توقفت بعدها "الأيام" وبقية الصحف عن الصدور في أبريل 1967م، كانت تطبع حينها في مطبعة كان يمتلكها الأخوين علي ومحمد سالم علي، رحمهما الله، ومع شهر أغسطس 1958 تحولت "الرقيب" إلى "الأيام" كصحيفة يومية وبقيت صحيفة "الريكوردر" أسبوعية باللغة الإنكليزية. كنا نخرج "الرقيب" و "الريكوردر" أسبوعيا، وكان عددنا قليلًا، ونعمل على مدى الأسبوع، كان يبدأ عملنا من الساعة الثامنة صباحا في منزل دار باشراحيل الذي لا زال مقرًا للصحيفة إلى يومنا هذا، الأسبوعية، نعمل بشكل متواصل لتجهيز "الريكوردر" حتى في أيام الخميس والجمعة والسبت، كان محمد علي باشراحيل يستجلب عمال من صحيفة "كونيكل" الإنجليزية لمساعدتنا في تجهيزها.

استمريت في عملي في صف الحروف وتجهيزها حتى أصبحت مشرفًا على تصحيحها وتشطيبها بعد مراجعتها وصف العناوين، وكنت منذ بداية الستينات أقوم بأعمال أخرى منها توضيب الصفحات بتجهيز فورمة الحروف والوقوف على ماكينات الطباعة، كان دوام عملي يبدأ من الرابعة عصرًا حتى الثانية عشر ليلا، أحيانًا أطول حتى إنهاء عملية تجهيز الصفحات وترتيب أعمدتها، أحيانًا كنا نعيد تنضيد الحروف إذا استدعت الحاجة عند المراجعة، وإذا حصل خطأ أقوم بتداركه في الحال لتصحيحه والاطلاع عليه مرة أخرى من قبل هيئة التحرير، كان بمقدوري إخراج صفحة مصفوفة كاملة وهذا يعتبر إنجازًا في تلك الفترة نظرًا لصعوبة ودقة العمل كوننا نتعامل مع حروف يتم تجميعها وترتيبها ومن ثم تذويبها وإلصاقها ببعضها حتى يتسنى لنا إخراج كلمة على السطر، كانت المعاناة شاقة ومتعبة في ذلك الوقت، الصفحة كانت تحتاج إلى ثلاثة أشخاص، ومع ذلك نعيد تنضيد الحروف كلما استدعت الحاجة عند المراجعة".

نموذج من احدى أجهزة تيلي بلنتر
وعن طبيعة العمل في الطباعة يروي عبدالنور، مراحل العمل قائلا: "تنضيد حروف الرصاص وصفّها حرفا حرفا حتى تكتمل تجهيز الصفحة، وتعني بالطباعة، طباعة النص الصحفي وليس طباعة الجريدة كاملة، كانت الطباعة تعتمد على الماكينات اليدوية القديمة التي تقوم بتجميع الحروف، توجد بها مسابك خاصة لعمل الحروف، وكان صندوق الحروف يتكون تقريبًا من 300 حرف، توجد بداخل خانات الصناديق، ولابد من معرفة أماكن تموضعها لتكوين الكلمات المراد طباعتها، وينبغي الاطلاع على حركة الحرف الواحد في حركاته الثلاثة بدايته ووسطه ومؤخرته، حيث لكل حرف له أكثر من قالب نحاسي، فعلى سبيل المثال حرف الكاف له قالب في أول الكلمة وقالب في منتصف الكلمة وقالب في أخر الكلمة، ولكل قالب من تلك القوالب أحجام متعددة، وهكذا في بقية الحروف، وأثناء الصف تربط الأحرف بمقاس العمود وكذلك على الصفحة بمقاس محدد، ثم نقوم بصف الأحرف وهي تذّوب الرصاص ليظهر لنا حرف على السطر بموجب مقاس محدد بعدها نعملها على بروفات لتصحيحها الصفحات".
لا زال عبدالنور، يتذكر عندما ادخل باشراحيل، ماكينة " الليترتيب " التي تعمل بالرصاص التي كان يتم تشغيلها بالكهرباء، وبقيت اعمل مع باشراحيل، واذكر من كان يدير أعمال المطبعة " الهايدرتيب " على فترتين هما علوان محمد سعيد، ومهدي على نعمان، الذي استشهد في أحدث 1986م، كما أتذكر زملائي في تلك الفترة من الذين عاشوا متاعب العمل معنا، منهم الأساتذة الكاتب والشاعر عبدالرحيم القرشي، الذي كان مصححا، وإبراهيم، ومحمد زين، ومحمد عبدالله مخشف.
التطور الذي حصل حينها كان في قسم (جمع الأحرف) لتنتقل الطريقة من التنضيد الآلي، إلى استعمال أجهزة الحاسوب في طباعة المادة، حسبما يحددها المخرج لتذهب إلى قسم المونتاج لصناعة الصفحة كما يحددها المخرج.

يستذكر الزميل وليد محمد سيف، كبير مخرجي "الأيام" الذي عمل لفترة أطول منذ بداية إعادة إصدارها الثاني في التسعينات من القرن الماضي، المراحل الفنية لعملية الإخراج والمونتاج الفني للصحيفة حتى تطورت إلى أن وصلت إلى مرحلة التطور التقني الحالي في عملية الإخراج الصحفي.
وهنا يتحدث المخرج سيف، المراحل الأولى في تحرير الخبر، قائلا "اعتمدت صحيفة "الأيام" في ذلك الوقت على مراسليها المنتشرين في جميع المحافظات، وكان الوسيلة في إيصال الأخبار عن طريق جهاز الفاكس، حيث يتم استقبالها من قبل عامل الاستعلامات ويتم تسليمها إلى قسم التحرير. وبعدها يتم صياغة الأخبار ويتم إرسالها إلى قسم الصف الضوئي لطباعتها، ثم تذهب إلى قسم التصحيح، وبعد تصحيحها تذهب إلى قسم الإخراج الفني، وهي المرحلة الأخيرة، حيث يتم إخراجها فنيا".
يقول المخرج الفني سيف، "عاصرنا العمل على جهاز الحاسوب، كان جهاز الإخراج الفني آنذاك جهاز نوع (ماكنتوش) كان متطورًا في ذلك الوقت، حتى تنوع وتطور فن الإخراج الصحفي، حينها كان يتم إخراج الصفحات عن طريق برنامج الناشر الصحفي، وأثناء إخراج الصفحات كانت تترك فراغات للصور، حيث لم تدخل الصحيفة بعد جهاز الماسح الضوئي (الإسكانر)، ويتم ترقيم الصور ليتعرف قسم المونتاج في المطبعة مكان كل صورة".
وفي سياق حديثه تطرق المخرج سيف، إلى تجربة العمل الفني أثناء إخراج الصحيفة بالقول: "كانت صفحات "الأيام" حجمها A3 وكانت تخرج يوم واحد في الأسبوع وهو يوم الأربعاء وعدد صفحاتها ثمان صفحات، وعند استكمال الإخراج الفني للصفحة يتم طباعة البروفة على طابعة ليزر بحجم A4 بشكل تجزئي بمعنى تخرج 3 ورق بحجم A4 مجزئة ويتم تلصيقها عن طريق صمغ قراطيس شفاف، ويتم تسليمها إلى قسم التصحيح، وبعد تصحيح البروفة يتم إعادتها إلى المخرج الفني للتصحيح النهائي على جهاز الإخراج ومن ثم يقوم المخرج الفني بإعطاء أمر للطباعة بإخراجها بورق بحجم A4 يسمى (كلك) وهو عبارة عن ورق شفاف وأيضًا يخرج في الطابعة بشكل جزئي 3 ورق بحجم A4 وبعدها يقوم المخرج الفني ومعه الأدوات من مشرط حاد يسمى (الكتر)، والمسطرة، وصمغ قراطيس شفاف. وهذه الأدوات كان يستعملها المخرج الفني لتنسيق الثلاث الصفحات الـ A4 بحيث تصبح الورقة بحجم A3 وكانت هذه العملية شاقة في ذلك الوقت، فالمخرج يستخدم المشرط الحاد (الكتر) والمسطرة لقص الأسطر المكررة أثناء تجزئة الورق وبعدها يقوم المخرج بلصق الثلاث الصفحات بحجم A4 لتصبح ورقة واحدة بحجم A3 وهذه العملية كانت تحتاج إلى تركيز من قبل المخرج الفني".

ويواصل: "بعد الانتهاء من تلصيق كل صفحة يتم إرفاق صور بالمواضيع الخاصة من قبل المخرج بكل صفحة. يتم إرسالها إلى مطبعة 14 أكتوبر في المعلا، حيث كانت صحيفة "الأيام" تطبع عند بداية إصدارها الثاني في 7 نوفمبر 1990م. وفي المونتاج في مطبعة أكتوبر وحيث إن صحيفة "الأيام" كانت تخرج ثمان صفحات كان تحتاج كل (بليت) 4 صفحات أربع صفحات (كلك) يتم تلصيقها في (البليت) وهو صفيحة من الألومنيوم حساسة للضوء، وبعد تلصيق صفحات (الكلك) يتم إدخالها في الجهاز الخاص بـ (البليتات) لتتم عملية التصوير بحيث تنقل المواد الذي في (الكلك) إلى صفيحة البليت بطريقة تصويرية وبعد الانتهاء من عملية تصوير (الكلك) في (البليت) يتم غسل (البليت) بالمحاليل الكيماوية ومن ثم نقلها إلى جانب واحد من أحد رؤوس المطبعة الذي يأخذ كل رأس واحد بليت واحد وفي الجانب الآخر يأخذ كذلك البليت الذي هو عبارة 4 صفحات أسود وأبيض".