> تقرير/ محمد فضل مرشد:
يقف المواطنون في المحافظات الجنوبية وباقي المناطق المحررة على أعتاب مجاعة كارثية، وذلك في ظل تسارع انهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية من جانب، وفي الجانب الآخر تواصل الارتفاع المهول في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وما بينهما عجز الحكومة المشكلة بالمناصفة ما بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي عن انتشال الأوضاع الاقتصادية والمعيشية من حالة التردي غير المسبوق.
بالأمس سجل سعر صرف الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي في العاصمة عدن (1910 ريالًا مقابل الدولار الواحد)، ومعه باتت القيمة الفعلية لمرتبات الموظفين ومحدودي الدخل التي لا تتجاوز الستين ألف ريال يمني تساوي نحو (31 دولارًا)، فيما مرتبات المتقاعدين التي لا تتجاوز الثلاثين ألف ريال يمني تعادل نحو (16 دولاًرا)، وهو ما يعني أن كلا من موظفي ومتقاعدي القطاع العام قد أصبحوا عاجزين عن توفير وجبة غذائية واحدة لأسرهم في اليوم الواحد.
ويقابل التراجع المخيف لقيمة العملة المحلية، ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، والتي باتت أسعارها في حالة تغير وارتفاع على مدار اليوم الواحد وفقًا لارتفاعات أسعار صرف الدولار الأمريكي والريال السعودي، مسجلة خلال العام الحالي فقط زيادة في الأسعار بنسبة 45 بالمائة.
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) من تفاقم أزمة انعدام الغذاء في المحافظات والمناطق المحررة الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
وأكد تقرير لمنظمة الفاو صادر يوم أمس، أن القدرة الشرائية للأسر في المحافظات والمناطق المحررة انخفضت بشكل كبير، نتيجة انخفاض فرص العمل وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
وأوضح التقرير أن الموظفين الحكوميين أصبحوا غير قادرين على تحمل تكاليف توفير المواد الغذائية والسلع الأساسية لأسرهم بسبب ضئالة المرتبات وتأخر صرفها أو عدم انتظامها.
ورغم الاضطرابات في البحر الأحمر، أكد التقرير أن استيراد الغذاء والوقود استمر بشكل طبيعي، مما ضمن توفر إمدادات غذائية كافية في الأسواق.
وتعاني نصف الأسر اليمنية من استهلاك غذائي غير كافٍ، ما يجعل اليمن بين أفقر الدول في العالم، في ظل تراجع غير مسبوق لمستوى الدخل وسبل العيش والغذاء، وضعف اليمنيين العاديين وتعرضهم إلى الصدمات الاقتصادية العديدة التي شهدتها البلاد منذ بداية الحرب.
وبحسب تقارير اقتصادية حديثة فقد وصل انعدام الأمن الغذائي في المحافظات المحررة إلى أدنى مستوياته في عام 2024 عندما تقاطعت أبعاد الحرب العسكرية والاقتصادية، وتراجع تمويل المساعدات الدولية، وانخفاض قيمة الريال اليمني بشكل كارثي.
وبينت التقارير، أنه رغم التهدأة منذ إعلان الهدنة في عام 2022، لكن اليمن لا يزال من بين الدول التي تعاني من معظم حالات الجوع في العالم، حيث يعاني حوالي نصف السكان من سوء أو عدم كفاية استهلاك الغذاء.
وأشارت إلى أن اليمن مجزأ بين منطقتين اقتصاديتين، وأن السكان يعانون من ارتفاع الأسعار بشكل حاد على مدار الصراع وفشل دخل الأسر في مواكبة التضخم، ولفتت إلى أن هذا من شأنه أن يشير إلى أن توافر الغذاء قد أصبح مصدر قلق للمواطنين.
وأضاف التقارير، أن الصراع الاقتصادي أصبح عاملا مهما في تفاقم انعدام الأمن الغذائي خلال سنوات الحرب، بالتزامن مع انخفاض قيمة الريال اليمني مع استمرار الحظر الذي فرضته جماعة الحوثي على الأوراق النقدية الجديدة بالإضافة تهديداتها التي أوقفت تصدير النفط من المحافظات المحررة ما أدى إلى تراجع ايرادات الحكومة الشرعية بشكل كبير وانهيار قيمة العملة المحلية وانعكاس ذلك على ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتأثير ذلك على الأمن الغذائي، مشيرة إلى أن للصراع عواقب سلبية مدمرة بتزايد الفقر وزيادة مشقة الحياة التي يكابدها اليمنيون في الجانب المالي، كما أصبح الوصول إلى المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية محدودا بسبب تداعيات الصراعات.
وتطرقت التقارير أيضا إلى تأثيرات الحرب على أطفال اليمن، حيث يعاني 17 % من الأطفال من الهزال، و49 % من التقزم، و41 % من نقص الوزن، نتيجة توسع رقعة الفقر وشح الغذاء.
وبذات الشأن، قالت منظمة "بورجن بروجكت"، وهي منظمة أمريكية غير ربحية متخصصة بمكافحة الفقر في العالم، إن الفقر والجوع في اليمن يترافقان مع بعضهما البعض، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال عام 2024 بنسبة 45 % ما أدى لوضع أكثر من 70 % من السكان تحت خط الفقر، بعد أن صمدوا من قبل أمام العديد من الأزمات.
وأضافت المنظمة بتقرير أصدرته مؤخرًا: "لا يمكن التغاضي عن الجوع في اليمن، حيث تثير هذه الإحصاءات المروعة السؤال الحاسم حول ما يجب البدء به، أو تعزيزه، لضمان إمكانية أن يتعافى اليمنيين من وضعهم المعيشي القاسي".
وقالت إن الصراع منذ عام 2015، وتحوله من صراع أهلي إلى صراع إقليمي بالوكالة، أدى إلى تزايد الجوع في اليمن فضلا عن الفقر المدقع.
وسبق أن أطلقت منظمة "اليونسيف" التابعة للأمم المتحدة نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي لتفادي حدوث مجاعة في اليمن، وحذرت فيه من ازدياد شريحة المواطنين اليمنيين الذين يعانون من مستويات انعدام الأمن الغذائي الطارئة.
وكشفت اليونسيف أن انعدام الأمن الغذائي الحاد يهدد أكثر من ثلثي سكان اليمن الذي مزقته الصراعات، وفقًا لأحدث إصدار من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الذي أصدرته الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني.
وأكدت أن عشرين محافظة من أصل اثنتين وعشرين محافظة في اليمن أصبحت بمرحلة "الطوارئ" أو "الأزمة" من مراحل انعدام الأمن الغذائي، ويواجه أكثر من ثلثي سكان اليمن خطر الجوع ويحتاجون بشكل عاجل إلى مساعدات لإنقاذ أرواحهم والحفاظ على سبل معيشتهم.
ومع اتساع شريحة المواطنين اليمنيين الذين يواجهون مرحلة "الطوارئ" بأزمة انعدام الأمن الغذائي، يواجه اليمن حاليًا أحد أسوأ أزمات الجوع في العالم.