كيف يُمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي إعادة ضبط مواقفه؟
> فريدة أحمد:
شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعدًا ملحوظًا في التوتر السياسي والأمني في بعض مناطق جنوب اليمن. وكان من بين الأحداث الأخيرة "الهجوم الإرهابي" الذي نفذه تنظيم القاعدة بسيارة مفخخة في مديرية مودية بمحافظة أبين في 16 أغسطس، مما أسفر عن مقتل 16 جنديًا وإصابة نحو 17 آخرين. استهدف الهجوم القوات الجنوبية المشاركة في عملية "سهام الشرق" ضد التنظيم. ويبدو أنّ الهدف منه كان زيادة التوتر الأمني في جنوب اليمن. خاصة وأنّ مسؤولين بارزين في القوات الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي قد ألمحوا إلى وجود جهات محلية وإقليمية تغذي مثل هذه الهجمات. فضلًا عن ذلك، سبق أن أشارت تقارير دولية إلى أنّ الطائرات المسيّرة التي استخدمها تنظيم القاعدة في الأشهر الماضية قد تم تدريبه عليها بدعم لوجستي من مليشيا الحوثيين، المدعومة من إيران.
يرى العديد من الجنوبيين أن إرباك المشهد الأمني في الوقت الراهن لا يخدم سوى مصالح أطراف محلية وإقليمية تسعى إلى استغلال حالة الفوضى. وبينما يعتبر المجلس الانتقالي نفسه مسؤولًا عن أمن واستقرار المناطق الجنوبية الواقعة تحت نفوذه، تستفيد هذه الأطراف من أي اضطراب لتوسيع وتعزيز مكانتها أو مكانة وكلائها في المشهد اليمني، مستغلة الظروف الاقتصادية والإنسانية الصعبة، وكذلك القضايا المجتمعية والأمنية لإثارة التوترات المناطقية، كما حدث في "قضية المقدّم عشّال". وقد أدان المجلس الانتقالي الجنوبي هذه القضية بوضوح، ودعا إلى سرعة ضبط الجناة بغض النظر عن صفاتهم القانونية. في حين أظهر رد فعل المجلس الانتقالي هذا حرصه على كشف ملابسات القضية لتبرئة ساحته من الاتهامات التي وجهها إليه خصومه السياسيون، الذين يطمحون بإحياء تجربة الصراعات السياسية المندثرة، التي تجاوزها القادة الجنوبيون بأكبر عملية تصالح وتسامح شهدتها البلاد.
في الفترة الأخيرة، برزت حالتا التوتر السياسي والاقتصادي بشكل أكبر في حضرموت. ورغم عدم وجود انقسامات خطيرة داخل الكيانات السياسية الحضرمية منذ بدء الصراع في اليمن عام 2014، إلا أن التوترات تصاعدت بشكل كبير خلال السنتين الأخيرتين. إذ أدى تشكيل قوات "درع الوطن" بدعم سعودي وبقيادة رمزية من رشاد العليمي إلى تفاقم التوترات القائمة. وأثار هذا التشكيل العسكري تحفظات واسعة، خاصة من قبل أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي الذين يرونه تهديدًا لنفوذهم، في ظل رغبة العليمي في إحلاله كبديل عن قوات النخبة الحضرمية "المقرّبة من المجلس الانتقالي" في ساحل حضرموت، ونشره في أجزاء من لحج والضالع وعدن. كما ساهم تشكيل "مجلس حضرموت الوطني" في الرياض العام الماضي، والذي يُنظر إليه على أنه مشروع سعودي، في زيادة حدة الانقسامات السياسية في المحافظة، مما يهدد بعرقلة جهود وحدة الصف وتحقيق الاستقرار في المناطق الجنوبية.
وفيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية التي فرضتها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ضد الحوثيين، واجهت الحكومة ضغوطًا متزايدة من قبل المملكة العربية السعودية والمبعوث الأممي هانس جروندبرج، مما أدى إلى التراجع عنها في وقت قصير. أثار هذا الأمر استياءً واسعًا في أوساط الحكومة والشارع اليمني، خاصة وأن هذه القرارات كانت تهدف إلى مواجهة التحديات الاقتصادية التي يفرضها الحوثيون. نتيجة لذلك، قوبلت الزيارة المفاجئة لرئيس مجلس القيادة رشاد العليمي إلى حضرموت بردود فعل غاضبة من الشارع الحضرمي. فقد عبر الكثير من الرافضين عن اعتقادهم بأن الهدف الرئيسي من الزيارة هو تعزيز صلاحية العليمي بهدف التحكم بشؤون المحافظة والدفع نحو إعادة تصدير النفط من حضرموت وتقاسم إيراداته مع الحوثيين تحت ضغوط خارجية، خصوصًا وأنها جاءت بعد تراجع المجلس الرئاسي عن القرارات الاقتصادية التي تتيح تقديم التسهيلات للجماعة والرضوخ لسياستها.
لذا، أثارت هذه التطورات مخاوف لدى الكثير من الجنوبيين بشأن مستقبل ثروات مناطقهم، ولا سيما مناطق امتياز النفط والغاز في حضرموت وشبوة. ومع ذلك، اكتفت هيئات المجلس الانتقالي الجنوبية بإصدار بيانات للتعبير عن رفضها القاطع لأي محاولات لتقسيم حضرموت أو تجزئة قرارها، داعية لضرورة تضافر الجهود لانتزاع حقوق حضرموت والاستفادة من عائدات ثرواتها النفطية ومواردها. وحتى اللقاء الموسّع الذي عُقد في المكلا لهيئات المجلس في 27 أغسطس، ليس استثناء، على الرغم من أهمية تشكيل لجنة التواصل مع الأطراف المحلية هناك لتوحيد الصف الحضرمي لمواجهة التحديات.
يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي موجة انتقادات واسعة من أنصاره، الذين يستنكرون صمته عن محاولات تضييق الخناق عليه سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. ففي الوقت الذي يسمح فيه الانتقالي لأطراف في السلطة الشرعية بقيادة رشاد العليمي بإخراجه من الواجهة السياسية، يفقد السيطرة على مواقفه. إزاء ذلك، يشعر العديد من الجنوبيين بأن مواقف الانتقالي الأخيرة سلبية وقصيرة النظر، مما يزيد من قلقهم. فالانتقالي ترك العديد من الملفات بيد رشاد العليمي، بعد أن كان يمارس الضغط في قضايا عديدة، منها ما هو مرتبط بالفساد والحالة الإنسانية والخدمية. ونتيجة لذلك، أدى تراجعهم عن المسؤولية إلى تدهور متزايد، إلى جانب تراخي وصمت النواب الآخرين في مجلس القيادة الرئاسي. هناك العديد من القرارات مازالت معطلة، إما بسبب عدم التوافق عليها أو رفض تعيينات معينة، وفي المقابل عدم تقديم بدائل أخرى. على سبيل المثال، حدث شلل في استبدال السفراء الذين انتهت فترة انتدابهم في البعثات اليمنية في الخارج؛ حيث انتهت فترة انتداب الغالبية العظمى منهم في البلدان المضيفة منذ سنوات، كما أن بعض السفارات ما زالت بدون سفراء لأكثر من سنتين، مثل سفارة اليمن في ألمانيا التي كان يقودها يحيى الشعيبي، بعد توليه منصب رئيس مكتب رئاسة الجمهورية منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 2022. فضلًا عن عدم تحريك ملف التغييرات في الحكومة المعترف بها منذ تعيين رئيسها الجديد أحمد عوض بن مبارك في فبراير العام الجاري، باستثناء ملف وزير الخارجية شايع الزنداني، الذي واجه هو الآخر معارضة من بعض أعضاء الرئاسي بعد تعيينه.
يُظهر هذا الأمر بطبيعة الحال أن الأسوأ من التدهور هو التعطيل، لأنه يؤثر في تسيير العمل في نهاية المطاف. فمهما بلغت حدة التدهور في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، يمكن أن يكون أقل ضررًا من الفشل المصاحب لتعطيل أنظمة العمل والمؤسسات، الذي أدى إلى انحدار الخدمات والمعيشة. يعكس هذا الواقع عمق الأزمة السياسية بين الأطراف في معسكر السلطة الشرعية، ويُظهر بصورة أسوأ موقف الانتقالي الذي يبدو مترددًا في تحمل المسؤولية، لا سيما في مناطق سيطرته التي قد تؤثر ردود الفعل الغاضبة فيها على شعبيته. إذ من الواضح أن المجلس الانتقالي يسعى إلى تحميل رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي المسؤولية الكاملة عن الوضع الراهن، بما في ذلك تمكين الضغوط الإقليمية والدولية من التأثير على القرار السياسي اليمني. ويتجنب الانتقالي في الوقت نفسه أي مواجهة مباشرة قد تؤثر على علاقاته مع السعودية. هذا الموقف لا يعفيه من أن يكون صريحًا في بيان قبوله للضغوط أو معارضته لها علنًا، خاصة وأنه ظل لوقت طويل منذ إنشائه ككيان سياسي يعبر عن مواقفه السياسية بقوة ووضوح.
واقع الحال، يتجه الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها للأسوأ. وقد أشار تقرير للبنك الدولي في يونيو الماضي إلى أن المالية العامة للحكومة شهدت تدهورًا كبيرًا في عام 2023، وأن إيراداتها انخفضت بأكثر من 30 % بسبب الانخفاض الكبير في عائدات النفط، وتقلص إيرادات الجمارك نظرًا لإعادة توجيه الواردات من عدن إلى الموانئ التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، قبل أن يتوقف معظمها بفعل التوتر المتفاقم في البحر الأحمر. حتى الآن، ما زالت الحكومة المعترف بها تتمتع بقدرة محدودة على توفير أبسط الخدمات أو حتى التعامل مع التحديات المتزايدة، مما يُنذر بخطورة متصاعدة في ظل تعطّل العديد من الملفات.
من الناحية المثالية، كان من الواجب على الانتقالي الجنوبي، الذي وصل اليوم إلى قمة السلطة، أن يضع خططًا متماسكة تحافظ على نفسه ككيان سياسي، وتحمي أهدافه التي رسمها منذ صعوده، وفي الوقت نفسه يسعى ويضغط لتوفير الخدمات للناس، على الأقل في المناطق الواقعة تحت نفوذه. فمن المفيد أن يعيد النظر في الكيفية التي يمكن بها للانتقالي أن يلعب دورًا أكثر تأثيرًا على كافة المستويات، بما في ذلك إداراته الداخلية والخارجية، التي تراجع نشاطها مقارنة بالسابق.
من المهم القول إن المجلس الانتقالي بحاجة إلى إعادة ضبط مواقفه السياسية ورسم استراتيجيات متماسكة ومتسقة من مختلف الملفات، يمكن لأي جنوبي الاعتماد عليها. يبقى أن نرى فيما إذا كان سيتعامل مع التحديات والتهديدات التي بدأ بعضها بالظهور مؤخرًا بعد ركود سياسي طويل، أو سيظل يهرب من مسؤولياته ويستمر في ممارسة دور انعزالي قد يؤدي إلى مزيد من التوتر وزعزعة الاستقرار في مناطق سيطرته. إن التماسك الجنوبي البيني وتوسيع قاعدة الحلفاء المحليين سيكونان ضروريين لنجاح سياسة الانتقالي المرجوة، مما قد يجنبهم دورة صراع تستهدفهم من مختلف الاتجاهات. ولا يزال من المبكر اعتبار تكليف رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي لنائبه عبد الرحمن المحرّمي، بإدارة ملف الأمن ومكافحة الإرهاب في القوات الجنوبية، إحدى خطوات إعادة الضبط.
"سوث24 "
يرى العديد من الجنوبيين أن إرباك المشهد الأمني في الوقت الراهن لا يخدم سوى مصالح أطراف محلية وإقليمية تسعى إلى استغلال حالة الفوضى. وبينما يعتبر المجلس الانتقالي نفسه مسؤولًا عن أمن واستقرار المناطق الجنوبية الواقعة تحت نفوذه، تستفيد هذه الأطراف من أي اضطراب لتوسيع وتعزيز مكانتها أو مكانة وكلائها في المشهد اليمني، مستغلة الظروف الاقتصادية والإنسانية الصعبة، وكذلك القضايا المجتمعية والأمنية لإثارة التوترات المناطقية، كما حدث في "قضية المقدّم عشّال". وقد أدان المجلس الانتقالي الجنوبي هذه القضية بوضوح، ودعا إلى سرعة ضبط الجناة بغض النظر عن صفاتهم القانونية. في حين أظهر رد فعل المجلس الانتقالي هذا حرصه على كشف ملابسات القضية لتبرئة ساحته من الاتهامات التي وجهها إليه خصومه السياسيون، الذين يطمحون بإحياء تجربة الصراعات السياسية المندثرة، التي تجاوزها القادة الجنوبيون بأكبر عملية تصالح وتسامح شهدتها البلاد.
في الفترة الأخيرة، برزت حالتا التوتر السياسي والاقتصادي بشكل أكبر في حضرموت. ورغم عدم وجود انقسامات خطيرة داخل الكيانات السياسية الحضرمية منذ بدء الصراع في اليمن عام 2014، إلا أن التوترات تصاعدت بشكل كبير خلال السنتين الأخيرتين. إذ أدى تشكيل قوات "درع الوطن" بدعم سعودي وبقيادة رمزية من رشاد العليمي إلى تفاقم التوترات القائمة. وأثار هذا التشكيل العسكري تحفظات واسعة، خاصة من قبل أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي الذين يرونه تهديدًا لنفوذهم، في ظل رغبة العليمي في إحلاله كبديل عن قوات النخبة الحضرمية "المقرّبة من المجلس الانتقالي" في ساحل حضرموت، ونشره في أجزاء من لحج والضالع وعدن. كما ساهم تشكيل "مجلس حضرموت الوطني" في الرياض العام الماضي، والذي يُنظر إليه على أنه مشروع سعودي، في زيادة حدة الانقسامات السياسية في المحافظة، مما يهدد بعرقلة جهود وحدة الصف وتحقيق الاستقرار في المناطق الجنوبية.
وفيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية التي فرضتها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ضد الحوثيين، واجهت الحكومة ضغوطًا متزايدة من قبل المملكة العربية السعودية والمبعوث الأممي هانس جروندبرج، مما أدى إلى التراجع عنها في وقت قصير. أثار هذا الأمر استياءً واسعًا في أوساط الحكومة والشارع اليمني، خاصة وأن هذه القرارات كانت تهدف إلى مواجهة التحديات الاقتصادية التي يفرضها الحوثيون. نتيجة لذلك، قوبلت الزيارة المفاجئة لرئيس مجلس القيادة رشاد العليمي إلى حضرموت بردود فعل غاضبة من الشارع الحضرمي. فقد عبر الكثير من الرافضين عن اعتقادهم بأن الهدف الرئيسي من الزيارة هو تعزيز صلاحية العليمي بهدف التحكم بشؤون المحافظة والدفع نحو إعادة تصدير النفط من حضرموت وتقاسم إيراداته مع الحوثيين تحت ضغوط خارجية، خصوصًا وأنها جاءت بعد تراجع المجلس الرئاسي عن القرارات الاقتصادية التي تتيح تقديم التسهيلات للجماعة والرضوخ لسياستها.
لذا، أثارت هذه التطورات مخاوف لدى الكثير من الجنوبيين بشأن مستقبل ثروات مناطقهم، ولا سيما مناطق امتياز النفط والغاز في حضرموت وشبوة. ومع ذلك، اكتفت هيئات المجلس الانتقالي الجنوبية بإصدار بيانات للتعبير عن رفضها القاطع لأي محاولات لتقسيم حضرموت أو تجزئة قرارها، داعية لضرورة تضافر الجهود لانتزاع حقوق حضرموت والاستفادة من عائدات ثرواتها النفطية ومواردها. وحتى اللقاء الموسّع الذي عُقد في المكلا لهيئات المجلس في 27 أغسطس، ليس استثناء، على الرغم من أهمية تشكيل لجنة التواصل مع الأطراف المحلية هناك لتوحيد الصف الحضرمي لمواجهة التحديات.
- مضاعفة التدهور بالصمت
يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي موجة انتقادات واسعة من أنصاره، الذين يستنكرون صمته عن محاولات تضييق الخناق عليه سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. ففي الوقت الذي يسمح فيه الانتقالي لأطراف في السلطة الشرعية بقيادة رشاد العليمي بإخراجه من الواجهة السياسية، يفقد السيطرة على مواقفه. إزاء ذلك، يشعر العديد من الجنوبيين بأن مواقف الانتقالي الأخيرة سلبية وقصيرة النظر، مما يزيد من قلقهم. فالانتقالي ترك العديد من الملفات بيد رشاد العليمي، بعد أن كان يمارس الضغط في قضايا عديدة، منها ما هو مرتبط بالفساد والحالة الإنسانية والخدمية. ونتيجة لذلك، أدى تراجعهم عن المسؤولية إلى تدهور متزايد، إلى جانب تراخي وصمت النواب الآخرين في مجلس القيادة الرئاسي. هناك العديد من القرارات مازالت معطلة، إما بسبب عدم التوافق عليها أو رفض تعيينات معينة، وفي المقابل عدم تقديم بدائل أخرى. على سبيل المثال، حدث شلل في استبدال السفراء الذين انتهت فترة انتدابهم في البعثات اليمنية في الخارج؛ حيث انتهت فترة انتداب الغالبية العظمى منهم في البلدان المضيفة منذ سنوات، كما أن بعض السفارات ما زالت بدون سفراء لأكثر من سنتين، مثل سفارة اليمن في ألمانيا التي كان يقودها يحيى الشعيبي، بعد توليه منصب رئيس مكتب رئاسة الجمهورية منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 2022. فضلًا عن عدم تحريك ملف التغييرات في الحكومة المعترف بها منذ تعيين رئيسها الجديد أحمد عوض بن مبارك في فبراير العام الجاري، باستثناء ملف وزير الخارجية شايع الزنداني، الذي واجه هو الآخر معارضة من بعض أعضاء الرئاسي بعد تعيينه.
يُظهر هذا الأمر بطبيعة الحال أن الأسوأ من التدهور هو التعطيل، لأنه يؤثر في تسيير العمل في نهاية المطاف. فمهما بلغت حدة التدهور في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، يمكن أن يكون أقل ضررًا من الفشل المصاحب لتعطيل أنظمة العمل والمؤسسات، الذي أدى إلى انحدار الخدمات والمعيشة. يعكس هذا الواقع عمق الأزمة السياسية بين الأطراف في معسكر السلطة الشرعية، ويُظهر بصورة أسوأ موقف الانتقالي الذي يبدو مترددًا في تحمل المسؤولية، لا سيما في مناطق سيطرته التي قد تؤثر ردود الفعل الغاضبة فيها على شعبيته. إذ من الواضح أن المجلس الانتقالي يسعى إلى تحميل رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي المسؤولية الكاملة عن الوضع الراهن، بما في ذلك تمكين الضغوط الإقليمية والدولية من التأثير على القرار السياسي اليمني. ويتجنب الانتقالي في الوقت نفسه أي مواجهة مباشرة قد تؤثر على علاقاته مع السعودية. هذا الموقف لا يعفيه من أن يكون صريحًا في بيان قبوله للضغوط أو معارضته لها علنًا، خاصة وأنه ظل لوقت طويل منذ إنشائه ككيان سياسي يعبر عن مواقفه السياسية بقوة ووضوح.
واقع الحال، يتجه الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها للأسوأ. وقد أشار تقرير للبنك الدولي في يونيو الماضي إلى أن المالية العامة للحكومة شهدت تدهورًا كبيرًا في عام 2023، وأن إيراداتها انخفضت بأكثر من 30 % بسبب الانخفاض الكبير في عائدات النفط، وتقلص إيرادات الجمارك نظرًا لإعادة توجيه الواردات من عدن إلى الموانئ التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، قبل أن يتوقف معظمها بفعل التوتر المتفاقم في البحر الأحمر. حتى الآن، ما زالت الحكومة المعترف بها تتمتع بقدرة محدودة على توفير أبسط الخدمات أو حتى التعامل مع التحديات المتزايدة، مما يُنذر بخطورة متصاعدة في ظل تعطّل العديد من الملفات.
- إعادة ضبط
من الناحية المثالية، كان من الواجب على الانتقالي الجنوبي، الذي وصل اليوم إلى قمة السلطة، أن يضع خططًا متماسكة تحافظ على نفسه ككيان سياسي، وتحمي أهدافه التي رسمها منذ صعوده، وفي الوقت نفسه يسعى ويضغط لتوفير الخدمات للناس، على الأقل في المناطق الواقعة تحت نفوذه. فمن المفيد أن يعيد النظر في الكيفية التي يمكن بها للانتقالي أن يلعب دورًا أكثر تأثيرًا على كافة المستويات، بما في ذلك إداراته الداخلية والخارجية، التي تراجع نشاطها مقارنة بالسابق.
من المهم القول إن المجلس الانتقالي بحاجة إلى إعادة ضبط مواقفه السياسية ورسم استراتيجيات متماسكة ومتسقة من مختلف الملفات، يمكن لأي جنوبي الاعتماد عليها. يبقى أن نرى فيما إذا كان سيتعامل مع التحديات والتهديدات التي بدأ بعضها بالظهور مؤخرًا بعد ركود سياسي طويل، أو سيظل يهرب من مسؤولياته ويستمر في ممارسة دور انعزالي قد يؤدي إلى مزيد من التوتر وزعزعة الاستقرار في مناطق سيطرته. إن التماسك الجنوبي البيني وتوسيع قاعدة الحلفاء المحليين سيكونان ضروريين لنجاح سياسة الانتقالي المرجوة، مما قد يجنبهم دورة صراع تستهدفهم من مختلف الاتجاهات. ولا يزال من المبكر اعتبار تكليف رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي لنائبه عبد الرحمن المحرّمي، بإدارة ملف الأمن ومكافحة الإرهاب في القوات الجنوبية، إحدى خطوات إعادة الضبط.
"سوث24 "